مسيرة الحراك الثوري للمرأة في ظل الأزمات وجرائم العنف الأسري

الوباء وتداعياته وتحمل المرأة جزءا كبيرا من أحماله تذكير بأن المشاركة مع الرجل لا تزال أبعد شيئا عن الواقع.
المرأة عانت طويلا من وطأة التمييز حتى أمام القانون، خاصة في قوانين الأحوال الشخصية
يأتي تفاقم العنف الأسري مع استمرار فشل أغلب حكومات دول العالم في مواجهة جائحة كورونا
في أحيان أخرى يأتي العنف الأسري نتيجة الأنشطة الجنسية القسرية التي يفرضها الرجل على زوجته

يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار من كل عام، تخليدا لمسيرة نضالها الطويل ضد التمييز والتهميش ومن أجل نيل حقوقها وإنصافها في التشريعات والقوانين الدستورية. وخلال هذه المسيرة المفعمة بالتضحيات والتحديات والمنجزات على مدى التاريخ ناضلت المرأة من أجل أن تنال حقوقها المشروعة في التعليم والتربية والعمل، لتشارك الرجل كافة نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى وصلت إلى مبتغاها في كثير من البلدان وإلى أعلى المناصب والوظائف، ونالت العضوية في أغلب برلمانات الدول ومؤسساتها المهنية، لتستحق بكل امتياز أن يُكرس لها يوم للاحتفال بمنجزاتها ودورها في صناعة الحياة. 

فالمرأة عانت طويلا من وطأة التمييز حتى أمام القانون، خاصة في قوانين الأحوال الشخصية التي تضع شؤون المرأة في يد الرجل من أفراد أسرتها؛ حيث تجبر الفتيات على الزواج وهن في سن الطفولة ودون موافقتهن، وأحيانا بالإكراه، ولهذا فإن المرأة خلال مسيرة حياتها وفي أغلب بلدان العالم الغربية منها والشرقية تتعرض إلى العنف والتمييز والتبعية والخضوع وتكميم الأفواه والضرب والتحرش اللفظي في الأسواق والأماكن العامة، والاغتصاب أثناء الاضطرابات والصراعات المسلحة والأوبئة، كما يحدث في أيامنا هذه إثر تفشي وباء كورونا، وما خلفه من تبعات خطيرة في المجتمعات أثرت تأثيرا بالغا في سلوكيات الكثير من الأسر ليس في الغرب فحسب، وإنما في الشرق أيضا نتيجة طول فترات الإغلاق العام وتراجع أنشطة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والذي انعكس سلبا على أوضاع الأسر بما ضاعف العنف المنزلي.

العنف الأسري في ظل تداعيات وباء كورونا

يأتي تفاقم العنف الأسري مع استمرار فشل أغلب حكومات دول العالم في مواجهة جائحة كورونا وفرض قيود على البقاء في المنزل ولفترات طويلة، بعد أن تم تعطيل الدوام الحضوري لأغلب المدارس في دول العالم وتقليص ساعات العمل في الدوائر الحكومية بما رافق ذلك من ارتفاع مستمر في عدد العاطلين عن العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية للعائلات الفقيرة، وفي صفوف أصحاب المتاجر والمطاعم والورش الصغيرة التي أغلقت وتعطل عملها؛ الأمر الذي أدى إلى بقاء كل هذه الشرائح الاجتماعية في منازلها ولفترة طويلة.

ونتيجة لتضرر دخول الأفراد والأسر، أصيب الكثير منهم بنوع من الهستيريا النفسية والقلق مع غياب الإعانات والمساعدات الحكومية لهذه العائلات، ودفع الاحتكاك بين أفراد العائلة الواحدة في المنزل خاصة إذا كانت مساحته لا تتناسب مع عددهم، إلى المزيد من الضغوطات النفسية التي تعرضهم إلى مخاطر العنف المنزلي، بسبب ما يحدثه الأطفال على سبيل المثال من ضوضاء أثناء اللعب داخل المنزل، ما يثير سخط الأب أو الأم أو الاخوة الكبار؛ وربما يؤدي ذلك إلى سوء الفهم وتقلب المزاج الذي قد يتطور إلى نوبات هستيرية عصبية وحالات غضب قد تتفاقم إلى إلحاق الأذى الجسدي بالآخر.

ومما يزيد من توتر وتقلب مزاج الرجل أو المرأة نتيجة المكوث الطويل بين الجدران الأربعة، هو زيادة حالة الشك عند أحد الشريكين حين يرى اهتمام الآخر يتزايد بشبكات التواصل الاجتماعي وقضاء أوقات طويلة أمام شاشة الهاتف أو اللابتوب أو الكمبيوتر؛ فيحاول كل طرف مراقبة الآخر ومعرفة كلمات المرور وتنقلب هذه الغيرة إلى ظنون بالخيانة الزوجية.

وفي أحيان أخرى يأتي العنف الأسري نتيجة الأنشطة الجنسية القسرية التي يفرضها الرجل على زوجته بما يصاحبها من عدم التفاعل والبرود الجنسي، ما يفاقم الأمر إلى المشادة الكلامية بين الزوجين سواء بسبب هذه المشكلة أو لأمور اجتماعية وأسرية أخرى تتعلق بإنفاق المال وفقدان مصدر الدخل، كل هذه المشاكل تربك العلاقات السليمة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ وكلما طالت فترة الإغلاق التي تفرضها الحكومات نتيجة تفشي الوباء ارتفعت نسبة العنف الأسري.

وهذه الأزمات المجتمعية التي ازدادت في ظل جائحة كورونا هي بعض مما تسببه حالات الإجهاد والتوتر والقلق والعصبية التي تتصاعد بين أفراد الأسرة نتيجة المكوث الطويل في المنازل والتي تتمخض عنها جرائم ومآس مروعة ووقوع ضحايا من المعنَّفين والمعنَّفات، وصلت إلى أرقام صادمة نتيجة غياب تشريعات وقوانين رادعة لمثل هذه الحوادث، ولأن بعض المجتمعات تعتبر التعامل مع العنف المعنوي واللفظي بين أفراد الأسرة الواحدة أمرا شخصيا لا يمكن التدخل فيه، خاصة عندما لا يتم التبليغ عن هذه القضايا لأسباب تخص العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية.

ولا تزال بعض المجتمعات تعتبر لجوء الرجل أو المرأة إلى العنف الجسدي وسيلة تأديب أسرية خاصة؛ فالآباء والأمهات لهم الحق بتربية أطفالهم وفق تقديراتهم الخاصة ولا شأن للآخرين بهم، لكن في بعض الحالات تصل هذه الشؤون الخاصة إلى إيذاء نفسي وجسدي بالحرق أو القتل أو الانتحار وما إلى ذلك، وهنا يتحتم على الدولة أن تتدخل بتشريع قوانين رادعة ووضع حد للعنف الأسري.

وما خروج الاتحادات والنقابات والمنظمات النسوية في يوم المرأة في تظاهرات واحتجاجات للمطالبة بضرورة تشريع قوانين خاصة بالعنف الأسري، إلا لأن أعداد ضحايا الانتهاكات تتزايد بشكل مرعب ليس فقط في المجتمعات المتخلفة التي تسود فيها الأعراف والتقاليد البالية بل حتى في المجتمعات الصناعية والمتطورة؛ للدرجة التي تعد فيها هذه الممارسات أوبئة اجتماعية تمثل تحديا يقوض حقوق المرأة في المساواة والكرامة الإنسانية.

وهذه الممارسات المجحفة بحق المرأة هي التي دفعتها إلى الكفاح والنضال، بعد أن ظلت تعاني وتقاسي من هذه الاعتداءات لفترة طويلة وفي كل مراحل التاريخ القديم والحديث والمعاصر.

مسيرة النضال والحراك الثوري للمرأة

وعلى الرغم من كل ما تعرضت له المرأة من المعاناة سواء على نطاق الأسرة أو المجتمع؛ إلا أنها استطاعت أن تبلور مواقفها في الحراك الثوري في كل دول العالم لتصحيح المسارات التي استهدفتها كإنسانة حالها حال الرجل ولكونها تمثل نصف المجتمع ولا بد من مساواتها وإنصافها في التشريعات والقوانين.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف ناضلت المرأة نضالا مستميتا على كل أصعدة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، واستطاعت أن توحد صفوفها مشكّلة قوة نضالية لفرض وجودها وواقعها على مؤسسات الدولة الرسمية في كل دول العالم، من البرلمان ومجلس الوزراء ورئاسة الدولة إلى السلطة القضائية، فعبر التظاهرات والاحتجاجات استطاعت النساء إيصال أصواتهن إلى كل المحافل الدولية حتى تم الإقرار بحقوقهن وإنصافهن في التشريعات والقوانين الدولية.

فمسيرة نضال المرأة وإن انطلقت في الغرب، لكن ثمارها وصلت إلى الشرق لتقدم المرأة الشرقية نموذجا يوازي نشاط المرأة الغربية في المطالبة بالحرية والمساواة ورفض العنف والتمييز بكل أشكاله.

ودفعت تظاهرات النسوة واحتجاجاتهن على ظروف العمل عام 1856 والتي انطلقت في شوارع مدينة نيويورك الأميركية، المسؤولين إلى طرح مشكلة المرأة على مستوى الدولة، وفي عام 1908 خرجت حوالي خمسة عشر ألف امرأة للمطالبة بتحسين ظروف عملهن، وفي عام 1909 ونتيجة الضغط من قبل النساء وبمعاضدة منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة الأميركية، خُصص 28 شباط يوما محليا للاحتفال بحقوق المرأة، وتواصل هذا النشاط لغاية عام 1913، وخلال هذه الفترة عقد في عام 1910 مؤتمر "المرأة العالمي الثاني" في مدينة كوبنهاغن في الدنمارك، حضرته أكثر من مائة امرأة من سبع عشرة دولة، وطُرحت فيه فكرة تحديد يوم عالمي للمرأة للضغط على دول العالم لتلبية مطالبها.

وأقر المؤتمر ضرورة تحديد يوم عالمي للمرأة في العالم أجمع، لكن في 25 آذار عام 1911 وقع حريق هائل في مدينة نيويورك أدى إلى وفاة مائة وأربعين عاملة، واستقطبت هذه الواقعة اهتمام مؤسسات الدولة لتشريع وتنظيم العمل في أميركا، وفي عام 1914 أثناء الحرب العالمية الأولى قامت نساء الاتحاد السوفيتي بالاحتفال بيوم المرأة العالمي في الأسبوع الأخير من شهر شباط؛ ردا على موت أكثر من مليوني جندي روسي خلال الحرب العالمية الأولى، وبعد نقاشات من قبل لجان المرأة تحول اليوم المخصص للمرأة إلى تاريخ 8 آذار، ومنذ ذاك الوقت استمر الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وفي عام 1945 بدأت الدول الأوروبية الاحتفال بهذا اليوم رسميا، وفي عام 1975 احتفلت به الأمم المتحدة أيضا.

وبعد هذه المسيرة في النضال والكفاح تكللت بالنجاح مساعي النساء في وضع مطالبهن في المساواة والعدل موضع التشريع في قوانين تنصف حقوقهن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ وقد حذت نساء الشرق حذو نساء الغرب وقمن بحركات حقيقية لدعم حقوقهن وتحقيق العيش بكرامة واحترام ومساواة وعدالة اجتماعية.

المرأة الشرقية في مواجهة الأفكار الراديكالية والقيم الرجعية

 لقد تبنت المرأة الشرقية قضايا مصيرية ومهمة تعالج الآثار الاجتماعية لتوظيف الدين لصالح المجتمع الذكوري المتحكم بواقع المرأة الشرقية؛ لتقوم النسوة بتوحيد صفوفهن لمواجهة كل التحديات التي فرضت عليهن قهرا وتمييزا عبر إيديولوجيا دينية راديكالية متطرفة وقيم رجعية، لتتم معالجة آثارها الاجتماعية السلبية على حقوقهن؛ وليكون لهن حضور ميداني في جميع القضايا التي تخصهن تحديدا والمجتمع بصورة عامة.

وتمت تعبئة النسوة بقيم ثورية لتحقيق تطلعاتهن التحررية متحديات التقاليد البالية والسائدة في المجتمع الشرقي الذكوري؛ ورغم ما فرض عليهن من إقصاء سياسي واجتماعي واقتصادي متعمد، إلا أنهن خضن غمار الكفاح والنضال للحصول على مكاسب وطنية وحقوقية شكلت نقطة تحول في تاريخ نضال المرأة الشرقية في التاريخ الحديث والمعاصر، واستطعن تغيير وجه واقعهن الذي سقط تحت وطأة التهميش والتمييز والقمع والإقصاء؛ ليتم نزع حقوقهن بالإنصاف والعدل والمساواة، بما هو عليه واقع الحال اليوم في أغلب بلدان الشرق؛ ليشهد واقعهن تغييرا وتحولا ملحوظا في الإنصاف وعلى كل المستويات؛ ومع كل هذه التطورات لا تزال نسوة الشرق يواصلن نضالهن السلمي بالضغط المستمر والمؤثر على المنظمات الحقوقية والإنسانية ومنظمات المجتمع المدني لتدفع بالسياسيين لطرح مطالبهن على جدول الأعمال في كل المؤتمرات والندوات التي تنعقد محليا ودوليا، ومواصلة الضغط على الجهات المختصة لتلبيتها وتنفيذها على أرض الواقع.

ولا تزال النساء في الشرق يكافحن العقلية الرجعية في المجتمعات الذكورية لاستحداث مسارات نهضوية تعمل على تمكين طاقات المرأة الإبداعية بفكرها وإرادتها وتصميمها على تغيير واقعها؛ لتترك بصماتها في نهضة المجتمعات ورقيها لاستعادة مكانتها بين شعوب العالم المتطلعة للحرية والاستقلال والنهضة والتطور العلمي والثقافي والتكنولوجي والصناعي والاقتصادي، والقضاء على التمييز ضد المرأة وحماية حقوقها.

لذلك سعت المرأة الشرقية من خلال منظمات مدنية واتحادات ونقابات إلى مطالبة الحكومات والبرلمانات والمؤسسات الدستورية بإحداث إصلاحات قانونية وسياسية ودستورية تخص حقوق النساء وتغيير بعض النصوص المجحفة في قوانين الأحوال المدنية، وتظاهرت النساء الشرقيات في أغلب بلدان المنطقة من أجل إصلاحات قانونية واجتماعية واقتصادية، وطالبن بالمساواة بين الجنسين وحق العمل واستحقاقات الأمومة ورعاية الأطفال والضمان الاجتماعي، ورفع التحفظات عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تخص المرأة.

ودأبت المرأة على تعزيز دورها في كل أنشطة الحياة؛ فسعت إلى تنمية قدراتها عبر فتح دورات تنظيمية وثقافية ومهنية وورش عمل من أجل تحقيق أهدافها ورفع مستواها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا؛ لتساهم مساهمة فعالة في نهضة المجتمع، وتصبح قادرة على تحمل وإدارة مسؤولياتها نتيجة الخبرة والمهارة التي تكتسبها من هذه الدورات التي يشرف عليها خيرة أساتذة العلم والمعرفة وبإدارة الاتحادات والنقابات والجمعيات المعنية بحقوق المرأة.