مشاهد صامتة تغوص في أعماق النفس البشرية بين جدران 'الشامبري'
الرباط - فاز فيلم "الشامبري" بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان "سحر" الدولي للأفلام القصيرة في مانشستر، المملكة المتحدة، كما حصل على جائزة أحسن فيلم في المهرجان الوطني للفيلم القصير ببرشيد المغرب، الفيلم من إخراج فداء اسباعي، ويروي قصة شاب يعيش في غرفة غريبة وغير ملائمة للعيش الكريم، محاولا مواجهة الإزعاج المستمر القادم من الخارج، حتى يغيره شيء يقدمه له أشخاص غرباء، مما يدخله في رحلة مليئة بالتناقضات والمشاكل.
وفي هذا السياق أجرى موقع "ميدل إيست أونلاين" حوارًا مع المخرج فداء اسباعي حول هذا الإنجاز، وفيمايلي نص الحوار:
ما الذي ألهمك لكتابة وإخراج فيلم الشامبري؟ وهل هناك تجربة شخصية أو قصة واقعية ألهمتك هذه الفكرة؟
الإلهام لم يكن وليد لحظة معينة أو تجربة فردية بعينها، بل كان حصيلة تأمل طويل في طبيعة النفس البشرية وما يمكن أن تمر به من لحظات عزلة أو اضطراب أو مواجهة مع القوى الخارجية التي قد تكون أكبر من قدرتها على الفهم أو التحكم، إذ استوحيت الفكرة من مشاهدتي المستمرة للصراعات البشرية في الحياة اليومية، سواء كانت تلك الصراعات مرتبطة بضغوط اجتماعية أو اقتصادية أو حتى وجودية.
لقد أردت أن أطرح سؤالا بسيطا لكنه عميق في الوقت ذاته: ماذا يحدث عندما يجد الإنسان نفسه وحيدا في مواجهة قوة غامضة تتحكم في حياته؟ يمكن القول إن الفكرة قريبة من التجارب النفسية التي يمر بها أي شخص عندما يواجه مواقف يضطر فيها إلى إعادة التفكير في ذاته وعلاقته بالعالم الخارجي، بالتالي فإن الفيلم هو محاولة لاستكشاف تعقيدات الإنسان النفسية من خلال عدسة سينمائية مبتكرة.
"الغرفة" في الفيلم تبدو وكأنها تمثل أكثر من مجرد مكان مادي، كيف تعبر هذه الغرفة عن المشاعر أو الأفكار التي أردت إيصالها؟
عنوان الفيلم الأصلي هو "الشامبري"، وهي كلمة دارجة مغربية خصوصا في شمال المغرب ترمز إلى الزنزانة، إذن الغرفة ليست مجرد مساحة مادية صغيرة يعيش فيها البطل، بل هي تعبير عن الزنزانة الداخلية التي يحملها كل إنسان داخله، فهي انعكاس للعزلة النفسية ومسرح للتحولات التي يمكن أن تحدث داخل النفس البشرية نتيجة ممارسات أو ضغوط خارجية.
كيف تعاملت مع تحديات تصوير فيلم يدور معظمه في مكان واحد الغرفة دون أن يشعر المشاهد بالملل؟
كان تحديا حقيقيا، فحاولت أن أخلق عالما داخل غرفة صغيرة لا نخرج من داخلها طوال الفيلم، وهذا ما يمكن أن يجعل المشاهد يفقد اهتمامه إذا لم يكن هناك تنوع في العناصر البصرية أو تطور في الأحداث، وركزت على خلق إيقاع بصري وسردي متوازن يجعل الغرفة تبدو وكأنها شخصية حية بحد ذاتها ويدفع إلى الإحساس بالتغير المستمر رغم الجمود الظاهري.
كل عنصر داخل الغرفة تم اختياره بعناية ليحمل معنى أو رمزية معينة، فالألوان والإضاءة وحتى الظلال، كانت كلها أدوات أساسية في خلق أجواء الغموض والتوتر، كما اعتمدت على أداء الممثل الرئيسي ومروان بن العربي الذي كان عليه أن يحمل عبء نقل المشاعر والصراعات الداخلية من دون حوار، وهذه الديناميكية بين عناصر الصورة وأداء الممثل كانت المفتاح لإبقاء المشاهدين مشدودين طوال الوقت.
كيف يمثل مسار البطل تحوّلا دراميا في القصة؟
العنصر الغريب الذي يدخل حياة البطل هو الفراش الذي يتم إحضاره له داخل الغرفة، قد يبدو هذا العنصر بسيطا أو حتى عاديا، لكنه يمثل التحول الرئيسي في مسار القصة، فقبل إدخال الفراش كان البطل يعيش في حالة من التعايش السلبي مع ظروفه الصعبة، ينام على حصيرة متواضعة ولا يتوقع أي تغيير، لكن مع دخول الفراش تبدأ الأحداث في أخذ منحى مختلف.
والفراش الذي يفترض أن يكون رمزا للراحة والاستقرار، يتحول إلى مصدر للتوتر والارتباك، إذ يبدأ الغرباء الذين أدخلوا الفراش بالتدخل في حياة البطل، حيث يدخلون الغرفة بشكل متكرر ليقوموا بتمزيق الفراش بطريقة فوضوية وغير مبررة، وهذا الفعل الغريب يجبر البطل على مواجهة مشاعر جديدة من الغضب والحيرة وربما الرغبة في المقاومة، فالفراش إذن ليس مجرد قطعة أثاث، إنه استعارة لكل ما يفرض على الإنسان بشكل غير متوقع، وكيف أن تلك التغيرات قد تدفعه إلى إعادة النظر في ذاته وعلاقته بما حوله.
كيف تعاملت مع إخراج مشاعر التناقض والارتياب التي يمر بها بطل الفيلم؟ وهل واجهت صعوبات في توجيه الممثلين لهذا النوع من الأداء؟
كون الفيلم خال من الحوارات، كان التحدي الأكبر هو نقل المشاعر والأفكار من خلال تعابير الوجه ولغة الجسد فقط، إذ تطلب الأمر العمل بشكل مكثف مع الممثلين وخاصة مروان بن العربي للوصول إلى أداء طبيعي وغير مبالغ فيه، ولكنه في نفس الوقت قادر على إيصال أعمق الأحاسيس.
اعتمدت على تدريبات خاصة تهدف إلى جعل الممثل يتفاعل بشكل عضوي مع المساحة المحيطة به، كما ركزنا على التفاصيل الدقيقة، مثل نظرة عين أو حركة يد... لتكون وسيلة لعرض الصراعات الداخلية التي يمر بها البطلن وفي الوقت نفسه حرصت على أن تكون الانفعالات متناسبة مع الإيقاع العام للفيلم بحيث لا تصبح مبالغا فيها أو مفتعلة، وقد نجح وأبدع مروان بن العربي في هذه المهمة.
كيف استفدت من خبرتك السابقة في الأفلام الوثائقية والقصيرة لتطوير هذا العمل؟
تعلمت كيف أحكي الكثير بالقليل، ففي الأفلام الوثائقية كما في الأفلام الروائية القصيرة، يجب أن تكون كل لقطة مليئة بالمعنى، لأنك غالبا تعمل مع موارد محدودة ووقت قصير لإيصال فكرتك، وبالتالي فإنك تكون مضطرا للتكثيف واختيار ما هو ضروري فقط.
ووظفت في الفيلم تلك الخبرة لتطوير فيلم يعتمد على اقتصاد العناصر البصرية والسردية مع الحرص على إبقائها قوية وغنية، فكل تفصيلة في الفيلم من اختيار الألوان إلى تحركات الكاميرا، كانت مدروسة بعناية لضمان إيصال الرسالة بأقل عدد ممكن من العناصر.