مصالح "الأخوان المسلمون" محفوظة في السودان

الأخوان ينحنون لريح التغيير في السودان. المرحلة الانتقالية ستكون حاسمة في تحديد مصيرهم.

لم تعرف السودان تنظيما أعرق من التنظيمات الإسلامية، التي تبنت الإسلام السياسي قبل ظهوره رسميا في مصر على يد مؤسس "الأخوان المسلمون" حسن البنا، وفرضت وجودها الأقوى في الخارطة السياسية الوطنية التي تعد الأكثر تعقيدا في العالم العربي.

الإسلاميون في السودان ارتبطت بهم الحكومات العسكرية الانقلابية، ومكثوا في ظل واجهاتهم العسكرية الزمن الأطول، منذ إتقان لعبة الانقلابات، كما لم يتقنها أحد من قبل، حين جعلوا من الجيش أداة طيعة بيدهم، لا يخرج عن طوع إرادتهم، في مجتمع سياسي لم يقترب من نظام الحياة المدنية يوما.

الراحل حسن الترابي زعيم حركة الأخوان المسلمين، جاء بالرئيس المخلوع عمر البشير، مؤسسا النظام العسكري الإسلامي الذي دام ثلاثين عاما.

لم يتوان ذلك النظام العسكري الإسلامي عن التدخل بشؤون دول عربية لجأت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معه، بعد الكشف عن دعمه لحركات إسلامية معارضة، أضرت بالأمن القومي.

سقوط نظام عمر البشير، بانقلاب عسكري فرضته انتفاضة شعبية كبرى، لم يؤد إلى سقوط التنظيمات الإسلامية المتعددة، فهي القادرة على التأقلم مع أي وضع جديد، طالما استخدمت "التكتيك" في مواكبة المتغيرات، لضمان بقائها والحفاظ على مصالحها الكبرى.

لقد تخلى تنظيم "الأخوان المسلمون" عن واجهته العسكرية، المتمثلة في الرئيس المخلوع عمر البشير ورموزه، في موقف مفاجئ، مؤكدا عدم السماح بإعادة إنتاج النظام، لكنه سمح بإعادة إنتاج وجوده بأشكال أخرى، عبر قيادات عسكرية كانت رموزا بارزة في النظام الإسلامي العسكري المنهار.

تعهد "الأخوان المسلمون" بالعمل على إزالة ما وصفه بـ "كل مواطن الفساد" فقد اعتبر نظام عمر البشير الذي كان شريكا له "مفسدا للدنيا والدين" مبرئا نفسه من تلك المفاسد!

 انقلاب في موقف "الأخوان المسلمون" فاجأ الشعب السوداني، لكنه لم يفاجئ من يعرف التاريخ السياسي لهذا التنظيم الذي انتزع المساحات الكبرى للمناورة، والخروج من الأزمات التي تهدد وجوده.

الصراعات التي ضربت التنظيمات الإسلامية السودانية في عقود مضت، دعت منظر حركة الأخوان حسن الترابي إلى توحيدها تحت رايته، فجمع السلفيين وأصحاب الطرق الصوفية "التيجانية"، واستطاع بهم التغلغل في أوساط المجتمع السوداني.

"الأخوان" لم يرتضوا لتنظيمهم غير الوجود الأبدي، بأي شكل كان، وكأنهم لا يستندون على قيم مبدئية ثابتة، تجعل التبدل في مواقفهم تجاه المتغيرات، كأمر بديهي، وسلوك لا يدعو إلى التحفظ بإعلانه.

فثورة الشعب السوداني العارمة، حاصرتهم في دائرة الخوف على مصيرهم، الخوف من إصرار الشعب على إقصائهم، باعتبارهم شركاء في النظام الفاسد المنهار.

ذلك الخوف لم يكن على وجودهم السياسي في مرحلة جديدة فقط، بل الخوف على قاعدتهم الاقتصادية واستثماراتهم التي تغطي أرض السودان، من مصادرتها أمام ارتفاع سقف المطالب الشعبية الداعية إلى بناء جمهورية مدنية بعد استكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية التي يتقاسم حكمها العسكريون والمدنيون.