مصرع رئيسي أو العودة الى المربع الاول

خامنئي أمام إشكالية العثور على شخصية قادرة على العمل كمجرافة للنظام تزيح عن طريقه العثرات المتراكمة.

خلال عهد رئاسة أحمدي نجاد، سلطت الاضواء كثيرا على حجم الدعم والتأييد الذي كان يلقاه من جانب المرشد الاعلى للنظام علي خامنئي، وحتى إن إحتجاجات عام 2009، الكبيرة والتي حدثت ضد الانتخابات الرئاسية المشكوك في صحتها على أثر إعلان فوز أحمدي نجاد، فقد أشيع وقتها بأن الايادي التي عبثت بنتائج الانتخابات لم تكن بعيدة عن خامنئي. ولكن حبل الود بين خامنئي وأحمدي نجاد لم يستمر طويلا بل وحتى إن شطب اسمه من الانتخابات الرئاسية عام 2021، كان يحمل بصمة خامنئي بكل وضوح.

لم يحظ كل من رفسنجاني ومحمد خاتمي وحسن روحاني بذلك الدعم الذي قدمه خامنئي لأحمدي نجاد، ولكن الدعم والتأييد غير العادي الذي قدمه لإبراهيم رئيسي، كان من القوة بحيث لايمكن أبدا مقارنته ومقايسته بما تم تقديمه لأحمدي نجاد، وهو أمر جدير بالملاحظة ويجب أخذه بنظر الاعتبار والاهمية ولاسيما وإن خامنئي ظل يقف بقوة خلف رئيسي ليس مؤيدا له بل وحتى مبررا لفشله وإخفاقه في الإيفاء بوعوده الـ 50 التي قدمها للناخبين، وحتى إن اسم رئيسي والإشادة به في خطب خامنئي لم يسبق وإن حظي به أي رئيس آخر، والسؤال الذي يجب طرحه هنا هو؛ ما الذي ميز رئيسي عن أسلافه من الرؤساء الآخرين لإيران؟

ثمة ملاحظتان مهمتان جدا بشأن ابراهيم رئيسي يكاد أن يتميز بهما من دون أقرانه من الرؤساء. الاولى تتعلق بإخلاصه للنظام وإستعداده لتقديم خدماته الى أبعد حد ممكن وظل على هذا الحال خلال عهد الخميني ومن بعده خامنئي. والثانية، إنه كان من النوع الذي ينفذ الاوامر الواردة إليه من الاعلى ولاسيما من جانب الولي الفقيه حرفيا ومن دون مناقشة وظل على هذه الحال حتى عندما أصبح رئيسا حيث لم تؤثر عليه المناصب وظل يعمل كما بدأ مشواره في خدمة النظام في بداية تأسيسه عندما كان عمره في الـ 18 عشر عاما.

الخدمات التي قدمها رئيسي للنظام، كانت كثيرة ومختلفة لكن الذي ميزها إنها كانت على خط واحد وهي إنها جسدت النهج المتشدد للنظام وسياسة القبضة الحديدية. وهنا من المفيد جدا أن نأخذ بنظر الاعتبار والاهمية إن رئيسي كان ضمن السبعين مرشحا لتلقي الدروس على يد رجل الدين المتشدد آية الله بهشتي والمعروف بحظوته لدى الخميني، ولذلك فإن إختياره للمناصب القضائية التي تدرج فيها حتى أصبح رئيسا للسلطة القضائية كانت حصيلة لخدماته التي من ضمنها كونه أحد أعضاء لجنة الموت الرباعية التي قامت بتنفيذ مجزرة بحق آلاف السجناء السياسيين عام 1988.

ملاحظة أخرى مهمة يجب أن نضعها نصب أعيننا وهي إن ابراهيم رئيسي قد تم ترشيحه من قبل خامنئي نفسه أيام كان لا يزال حسن روحاني في الحكم وبشر به بل وحتى عول عليه كمجرافة ستزيح كافة التراكمات العالقة من مشاكل وأزمات أمام النظام. وخامنئي عندما أقدم على هذا الامر، فإننا يجب أن لا ننسى بأن النظام الايراني ولاسيما خلال عهد روحاني قد واجه إحتجاجات شعبية غير مسبوقة تميز بطابعها السياسي المعارض للنظام وذلك خلال أواخر عام 2017 وفي نوفمبر من عام 2019، وكانت الاجواء توحي وكأنها شبيهة ببدايات إسقاط النظام الملكي السابق. ولذلك فإن خامنئي عندما جاء برئيسي ومهد له الطريق لكي يجلس على كرسي الرئاسة فإن الذي كان ينتظره منه هو أن يكبح جماح هذه الفورة الشعبية ضد النظام. ومع إن رئيسي لم يوفق في مهمته خلال ولايته خصوصا التي حصلت فيها أقوى إحتجاجات شعبية دامت ولأول مرة لعدة أشهر، فقد جاء مصرعه في حادثة المروحية ليضع حدا لما كان خامنئي ينتظره منه، وهذا يعني العودة الى المربع الاول الذي قد لا يكون بالضرورة عام 2021، بل وحتى أبعد من ذلك.