مصطفى لبيب يتجول في فكر الإمام محمد عبده

الكتاب يقدم نظرات متفرقة إلى جوانب من فكر الإمام نتمثل فيها طائفة سبقت من دراسات رائدة يأتي في الصدارة منها ما كتبه مصطفى عبدالرازق والعقاد وعثمان أمين.
محمد عبده مفكر مصري مسلم يستلهم موروثاً روحياً وعقلياً ضارباً بجذوره في أعماق التاريخ

في كتابه "نظرات في فكر الإمام محمد عبده" يقدم د. مصطفى لبيب رؤيته في تراث الإمام، موضحا كيف تباينت وجهات النظر في الفكر العربي الحديث حوله وذلك بسبب تنوع مناهج الناظرين أو بسبب اختلاف التناول الأيديولوجي لدى الباحثين. ويرى المؤلف أن هذا التباين ناجم عن خصوبة هذا التراث وعمقه، وعن جدته وجسارته في مواجهة مشكلات عصره. يقول: ومع كثرة ما كتب عن الإمام – له أو عليه - فإنه يبقى هنالك - في نظرنا - الكثير مما يمكن أن يقال."
يقدم الكتاب نظرات متفرقة إلى جوانب من فكر الإمام نتمثل فيها طائفة سبقت من دراسات رائدة يأتي في الصدارة منها ما كتبه مصطفى عبدالرازق وعباس محمود العقاد وعثمان أمين.
لقد شهدت مصر مع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين محاولة جسورة ورائدة لمناهضة الموروث الراكد وإدانته، ولبعث التفكير الفلسفي وإحيائه، والمقصود هنا محاولة الإمام محمد عبده الذي أعاد إلى الفكر نضارته، وقد لا يجد البعض مسوغاً لاعتبار محمد عبده فيلسوفاً صاحب نسق يعبر عنه بلغة اصطلاحية دقيقة على سنة الفلاسفة كما عرفهم  التاريخ، غير أن القصد هنا هو محاولة الوقوف على طبيعة الموقف الفلسفي وملامحه العامة عند الإمام  والذي يتجلى عبر مسيرته الفكرية: من "رسالة التوحيد" التي ظهرت في شبابه المبكر إلى درسه الفلسفي غير المسبوق، بمدرسة دار العلوم عام 1878، عن فلسفة التاريخ من خلال "مقدمة ابن خلدون"، إلى تفسيره الفذ لبعض أجزاء من القرآن الكريم في سنوات عمره الأخيرة، وهو التفسير الذي يراه البعض تعبيراً حقيقياً عن فكره الناضج .

استباق باهر لبعض نظرات التأويل المعاصرة وما تموج به من دعاوي

يقول: "الإمام رجل دين ليست الفلسفة بضاعته، بل لعل مصطلح الفلسفة لم يكن وارداً وروداً واضحاً ضمن مفردات الثقافة المصرية على تنوع صورها في عصره، وما أطلق عليه من بعد دراسات فلسفية لهو من نتاج عصرنا لا عصر الإمام، وربما يكون في أذهان المعترضين نموذج بعينه للفلسفة يتحدد من خلاله موضوعها ومنهجها وغايتها بين أنساق المعرفة البشرية. 
غير أننا نعرض للإمام هنا من حيث هو مفكر مصري مسلم يستلهم موروثاً روحياً وعقلياً ضارباً بجذوره في أعماق التاريخ، ويستلهم دونما حرج متضمنات الوحي وما يقدمه على الدوام من مدد للعقل الصحيح الذي هو محض فاعلية وليس بنية مغلقة، وهو إذ لم ينحصر في إطار فكري بعينه ولم يفتأ يصرح على الدوام بأن هدفه الذي حدده لنفسه ولقومه منذ البداية هو تحرير الفكر من قيد التقليد".
وقد كشفت تجربة الإمام المعرفية عن ذاتها بمعيار للتقويم السليم حينما عبر عن ثقته الكاملة بالعقل الإنساني وعن إيمانه بالتطور بمعنى السعي الدائم إلى الاكتمال وعن تقديره للعالم – لا باعتباره لمجرد الرؤية أو التصور وإنما باعتباره موجوداً يتشكل بالعمل المستمر، وفي وعي الذات الإنسانية بذلك كله تتحقق الغبطة العظمى. 
على هذا النحو جاءت تجربة الإمام، وهي إذ تنظر بعين الاعتبار- نظرة نقدية رشيدة - إلى مذاهب الإسلاميين من قبل، وإلى ما طرأ على المعرفة الإنسانية كذلك من تطور لم يبلغ بعد غايته، ومنطلقها أن التجربة الدينية للفرد ترتقي على طريق صاعد مراحله المتتابعة هي: الإيمان والفكر والاستكشاف.
يكشف الكتاب كيف أخذ محمد عبده على عاتقه مهمة إعادة بناء التفكير الديني، واقترنت هذه المهمة عنده بمنهج في تأويل النص كشف عن استباق باهر لبعض نظرات التأويل المعاصرة وما تموج به من دعاوي. وكان التأويل عنده وهو يسترشد بجهود المفسرين السابقين ويراجع أحاكمهم سبيله إلى فض حجب الدلالة وتفتح الوجود انطلاقاً من التسليم بأن اللغة الإنسانية هي مسكن الموجود وأنها مظهر الألفة والطريق إليها مع الأشخاص والأشياء ومن خلالها أيضاً يتم تجاوز الاغتراب.
يذكر أن كتاب "نظرات في فكر الإمام محمد عبده" للدكتور مصطفى لبيب، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة. (وكالة الصحافة العربية)