معجب العدواني يتناول السرد في كتاب "التيجان"

الكتاب يحاول الوصول إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة البحثية مثل مَن مؤلف كتاب "التيجان في ملوك حمير"؟
مراجعات كتاب "التِّيجان" اقتصرت على آراء متنوعة، وشظايا نقدية، لم تسهم في منحه ما يستحق من البحث والتمحيص
الكتاب يضم عددًا كبيرًا من المرويّات التي يمكن إدراجها في نوعين رئيسين

صدر حديثاً كتاب "السرد في كتاب التيجان: الآليات والوظائف" للدكتور معجب العدواني أستاذ النقد والنظرية بجامعة الملك سعود والباحث السعودي عن دار جامعة الملك سعود للنشر.  
يحاول الكتاب الوصول إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة البحثية، وهي: من مؤلف كتاب "التيجان في ملوك حمير"؟ وما النوع الذي يمكن أن ينتمي إليه كتاب "التِّيجان"؟ وكيف يتمكن التحقق من ذلك؟ ويستدعي ذلك سؤالًا آخر، يتطلع إلى الكشف عن بنيات كتاب "التِّيجان" البسيطة منها، والمعقدة، وهل يمكن أن نصنفه في إطار السّرد التاريخي أم السّرد المتخيل؟ وما الآليات السّردية العامة التي اعتمدها راويه؟ 
لذلك فحصت هذه الدراسة أربع قضايا جوهرية تتصل بكتاب "التِّيجان"، وجاءت وفق ترتيب الأسئلة السابقة كما يأتي: نسبة الكتاب إلى ابن مُنَبِّه، وتصنيفه، والآليات المحفزة فيه، ووظائف مصادر التناص في الكتاب.
ومن المهم أن نشير أولًا إلى أهمية كتاب "التيجان في ملوك حمير" لراويه وهب بن منبه؛ إذ يضم عددًا كبيرًا من المرويّات التي يمكن إدراجها في نوعين رئيسين، هما: الحكايات السيرية لبعض الأنبياء، وملوك اليمن وفرسانها، وعدد أقل من الحكايات القصيرة، وقد تناقلته الأفواه من جيل إلى جيل، حتى وصل إلينا مطبوعًا. ولما كان الكتاب مثل غيره من كتب السّرد القديم، يقف متهمًا أمام الثقافة الرسمية، التي أشاحت النظر عنه، بوصفه شكلًا مهمشًا من أشكال الثقافة، يروج الكذب ويميل إلى التلفيق، فإن الحاجة إلى مراجعة هذا الكتاب وغيره، بصورة علمية ومحايدة أضحت ماسّة، على أن تتناول هذه الدراسات الجوانب الفنية فيها، دون النظر إلى صدق الأحداث أو كذبها، ولو وجِّهت الدراسات النقدية العربية المتخصصة إلى هذا الاتجاه لخرجت بمزيد من الأطروحات التي ستغير المنظور العام تجاه الآداب الشعبية العربية. 
ويعد هذا الكتاب أحد أبرز الكتب التي مثلت بدايات تجسيد القصّ الشعبي في الثقافة العربية؛ إذ حمل إلينا بدايات تشكل السيرة الشعبية العربية، وكانت عنوان مرحلة الاستهلال لها، لذلك كانت دراسة الكتاب ومحاولة فهمه، في ضوء المناهج النقدية الحديثة، خطوة أولية لمعرفة سمات بدايات التشكل للوعي السّردي العربي، المتصل بالثقافة الشفاهية الشعبية، فكما كان الكتاب تمثيلًا لمرحلة تاريخية مهمة في موقعه، فهو يمثل مرحلة فنية لا تقل أهمية في صياغات السّرد الشعبي، وتحولات أنواعه، ولذلك فإن دراسته ستسهم في الكشف عن أبعاد أكثر أهمية؛ تتصل بالأنواع السّردية القديمة وتحولاتها، وبالبنيات الحكائية فيه، وبالسياقات الثقافية له.
إن الهدف العام لهذه الدراسة هو الوصول إلى تحديد منهجي علمي، يُعرف به أصل كتاب "التِّيجان"، والنوع الذي ينتمي إليه، وآلياته الداخلية التي تتحكم في إنتاج حكاياته. ولن يتحقق هذا الهدف إلا باستخراج القوانين السّردية، التي تحكَّم راوي الكتاب فيها، وبثّها في مرويّاته، ولذلك كانت محاولة الكشف عن جماليَّات الكتاب باستخراج قوانينه العامة مطلبًا للدراسة، وخطوة أولية في تحديد سماته، وإبراز ما يضمّه من التقنيات السّردية المحفزة، والوظائف المتصلة بمصادر التناص فيه.

تراث
د. معجب العدواني

اقتصرت مراجعات كتاب "التِّيجان" على آراء متنوعة، وشظايا نقدية، لم تسهم في منحه ما يستحق من البحث والتمحيص؛ ولهذا جاءت هذه الدراسة الموسومة "السّرد في كتاب التيجان: الآليات والوظائف" لتكون الدراسة الأولى، حسب علمي، التي تخصص له في هذا السياق، معتمدة على استثمار مناهج حديثة، في درس حكايات الكتاب وتحليلها، بوصفها الخطوة الأولى في طريق طويل، ولعل القارئ يجد فيها ما يضيف إليه، وأن تكون عونًا لباحثين آخرين، يستكملون هذا الدرب الشاق والممتع معًا في آن، وينيرون في جنباته مشاعل المعرفة.
تشتمل هذه الدراسة على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، تحاول فيها أن تقدم تحليلًا نقديًا حياديًا عن الكتاب ومؤلفه، وأن تضعه في سياقه المعرفي، دون إفراط أو تفريط؛ إذ حاول الباحث أن يقع في موقع الحياد والنزاهة؛ فلا ميل إلى المبالغة والغلو في تبيان قيمته، ولا سعي إلى هضم حق الكتاب، أو الانتقاص من مؤلفه؛ ولذلك جاء عنوان التمهيد "انتماءات وَهْب بن مُنَبِّه"، ويضم هذا التمهيد خمسة مباحث، أربعة منها تتناول انتماءات ابن مُنَبِّه، التي تمكن من الاطلاع على سياقات سيرته، كونه المؤلف الذي نُسب إليه الكتاب، أو الراوي الذي نَقل مرويّات كثيرة فيه، وتشتمل على الانتماء العِرقي، والانتماء الديني، والانتماء الوظيفي، والانتماء المعرفي، ويهدف هذا التمهيد إلى فحص موقع ابن مُنَبِّه في الثقافة العربية، والإجابة عن أسئلة تصل إلى إنكار وجوده، وعرض المبحث الأخير في هذا التمهيد ما يتصل بمواقف بعض العلماء من منجزه بصورة عامة.
أما الفصل الأول الذي بعنوان "أبعاد كتاب التِّيجان"، فيصف كتاب "التِّيجان في ملوك حمير" في أبعاد وروده مرويّا ثم مطبوعًا، ويتناول، بعد ذلك، مستويات تلقيه النقدي إيجابًا وسلبًا، ويعرض بعد ذلك التصنيف الأجناسي؛ بتحديد تصنيف حكايات الكتاب، والتعرف على النوع السّردي الذي تنتمي إليه.
يتناول الفصل الثاني الآليات السّردية المحفزة، بالوصف والتحليل؛ وذلك بدراسة ست تقنيات سردية متواترة في الكتاب، إذ تتكرر في التشكيل البنائي لحكاياته وسيره، لكونها من الأسس المهمة في البناء السّردي الشفاهي فيه، وهي: تعدد الرواة، والتدرج السّردي، والتعليل، واللغز السّردي، والرؤيا السّردية، وأسطرة البدايات. وتهدف دراسة الآليات السابقة إلى التعرف على حركة السّرد في الكتاب، وتناميها في حكاياته.
يهتم الفصل الثالث من الدراسة بوظائف مصادر التناص في "التِّيجان"، وذلك بدراسة علاقات توظيف النصوص المتداخلة مع حكايات الكتاب وسيره، واعتمد هذا الفصل على أربعة مصادر رئيسة، وهي: القرآن الكريم والحديث الشريف، الشعر، الوصايا وكتابات المدافن، الخطابة.
ثم نصل إلى خاتمة الدراسة التي تضم النتائج التطبيقية، التي تركز على نتائج المباحث العشرة السابقة الذكر وصفًا وتحليلًا وتعليلًا، إلى جانب نتائج الفصل الأول التي حاولت إنصاف المؤلف، وإنزاله منزلته التي له أن يتبوأها، والكشف عن الحقل الذي تنتمي إليه حكايات كتاب "التِّيجان" وسيره.