معركة القدس خارج اتفاق الهدنة

حرب الصواريخ أوقفتها هدنة لا يطمئن لمصداقيتها أحد، لكن حرب الدفاع الشعبية عن هوية القدس لن تقف عند هامش مصلحة سياسية ضيقة.
منازلة عابرة للأجواء بين حماس وإسرائيل لم تغير الخارطة الجغرافية
عادت منصات إطلاق الصواريخ إلى مستودعاتها، وتغيرت قوانين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

معركة الدفاع عن القدس لم تنته، جبهتها مازالت مفتوحة، لن يغلقها اتفاق الهدنة غير المشروط بين حماس وإسرائيل ومازال الشعب الفلسطيني الأعزل مرابطا في باحات مسجدها دفاعا عن حرماتها غير القابلة للتدنيس، والممتنعة عن استبدال هويتها، والمالكة لقدرة دحر سياسة التطهير العرقي.

لم يتدخل أحد في صدق أهداف انتفاضة الدفاع الشعبية عن القدس، هي معركة اندفاع روحي، قوتها الإيمان بقضية الوجود، اكتفت بقدرتها الذاتية دون عون محسوب من احد، هي حرب شعبية خالصة فوق أرض مفتوحة تواجه فيها العدو الباغي وجها لوجه، بعيدا عن أي استثمار سياسي، أو مناورات في دائرة صراع إقليمي توسعي ينازع مثيروه لنيل مكاسب لا يقرها شرع أو قانون، ويمدون من أجلها الأذرع الدخيلة.

انتهت حرب الرشقات بين حماس ونتنياهو، لم تتطور إلى حرب برية يدرك الطرفان حجم خسائرها الكبرى، اهتزت إسرائيل وهي تفرغ خزائن قبتها الحديدية دون جدوى في غلق أجواء تل أبيب وهي تتلقى عشرات الصواريخ المصنعة بتقنيات فلسطينية، تلقي ثقل حمولتها المعنوية فوق أهداف فقدت حصانتها.

منازلة عابرة للأجواء، لم تغير الخارطة الجغرافية، فأهدافها المعنوية كانت اكبر من هدف يغير شكل الأرض، أو يسترد حقا مسلوبا، هي جولة في سلسلة حروب يطول أمدها، لن تنتهي باتفاقات هدنة هشة، سرعان ما تنسف بنودها غير المتكافئة طالما كان الهدف الإستراتيجي الأكبر أبعد من مديات أزمة راهنة.

الشعب الفلسطيني خاض المنازلة بمفرده، في غزة والقدس ونابلس وكل مدن فلسطين، ودفع ثمنها تضحيات بشرية ومادية كبرى، جدد فيها وجوده الحي، ومارس دوره النضالي في استرجاع حقه المشروع تاريخيا، وسمع العالم صوته من جديد، لا فضل لأحد يتأهب لنيل مكاسبها، متباهيا بدوره في إعلام سياسي مستهلك لاستمالة عقول مخربة.

عادت منصات إطلاق الصواريخ إلى مستودعاتها، وتغيرت قوانين الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتحمل الشعب الفلسطيني في غزة أعباء رشقاتها لأيام طوال، ووقف صامدا أمام هجمات تدميرية استهدفت المنازل والمدارس والمستشفيات يقودها اليمني المتطرف بنيامين نتنياهو، عاقدا العزم على إعادة بناء ما دمر، في دورة حياة جديدة.

وأضحى طريق غزة بمن يحكم مفاصلها، بعد انتصار صمود الشعب الفلسطيني فيها، طريق ممهد واحد نحو فلسطين الأوسع، يكسر أسوار عزلتها، وينهي حصارها في موقف وطني فلسطيني موحد لا يعرف الانقسام بعيدا عن حاضنات إقليمية توظف أدوات تنفيذ مخططاتها.

حرب الصواريخ أوقفتها هدنة لا يطمئن لمصداقيتها أحد، لكن حرب الدفاع الشعبية عن هوية القدس لن تقف عند هامش مصلحة سياسية ضيقة، ولا تحتاج إلى شحنات سلاح يوظفها لاعبون بأمن الشرق الأوسط في تنفيذ مخطط توسعي يجزئ جغرافيا الوطن الواحد، ويقسم الشعب الواحد إلى فئات تتنازع بولاءاتها المختلفة.

فلسطين انتصرت بقدراتها الوطنية في معركة الوجود، وانفردت بتقديم كبرى التضحيات، وكسرت قواعد "إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي" فلا يحق لكائن من كان إن يقدم هذا النصر هدية متواضعة لأحد يثقل بها موازينه القلقة، ويجعلها غطاء في اندفاعه نحو بناء قواعد نفوذه في المدن العربية، ويرفع فيها عمامته الزائلة بدل العلم الوطني.