ملتقى الشارقة الدولي للراوي يختتم دورته الرابعة والعشرين

البرنامج الفكري للملتقى يحتفي هذا العام بالمعارف الشعبية وحكايات الطيور عبر مشاركات جادة سعت لاكتشاف كنوز التراث ومكنوناته.
عبدالعزيز المسلّم: الكثير من التراث والمفردات يضيع إذا لم يدون

تُختتم الأحد، فعاليات الدورة  الـ24 من دورات ملتقى الشارقة الدولي للراوي، والتي انطلقت في الثامن عشر من شهر سبتمبر/أيلول الجاري، بمشاركة 145 راويا وخبيرا وباحثا ينتمون لأكثر من 32 دولة.

الملتقى الذي يُنظمه سنويا معهد الشارقة للتراث، وحمل هذا العام شعار "حكايات الطيور"، واصل نجاحاته في الإضاءة على دور الرّواة في حماية الموروث الشعبي الإماراتي والعربي والإنساني، وقدّم مجموعة كبيرة من الإصدارات التي دارت في فلك حكايات الطيور وحضورها في التراث.

وبحسب قول رئيس معهد الشارقة للتراث، ورئيس اللجنة العليا للملتقى، الدكتور عبدالعزيز المسلّم، فإن الملتقى عبر مختلف دوراته استطاع أن يكون بمثابة "منصة لاستعراض ثراء وتنوع الثقافة الشعبية وأهمية التراث الشفهي في حفظ الهوية الوطنية والثقافية. وأصبح قِبلة يؤمها حملة التراث الشعبي من كل حدبٍ".

ونوّه المسلّم بالجهود المخلصة والمتواصلة للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ودعمه لكل ما يخدم الثقافة والتراث العربي والإنساني، الأمر الذي جعل من الشارقة عاصمة للثقافة والتراث، ومقصدا للمُبدعين والباحثين العرب والأجانب.

وكان الملتقى قد اختار في دورته هذا العام دولة موريتانيا، لتكون ضيف شرف هذه الدورة التي تُختتم الأحد، فيما اختير الدكتور موسى ولد أبنو الشخصية الفخرية والراوي الراحل يحي ولد الراجل الشخصية الاعتبارية، مع الإضاءة على التراث الحكائي الموريتاني.

وقالت عائشة الحصان الشامسي مدير مركز التراث العربي التابع للمعهد إنه تم اختيار "حكايات الطيور" لتكون العنوان الرئيسي لفعاليات تلك الدورة من الملتقى، لما تُمثله الطيور من رمزية وحضور في مختلف الثقافات والحضارات، لافتة إلى أن الملتقى يهدف إلى صون التراث الشفهي وحفظه ونقله للأجيال جيلاً بعد جيل.

إلى ذلك أشاد متخصصون وباحثون في الشأن التراثي الموريتاني بدعم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لموريتانيا - ضيف شرف الدورة الحالية لملتقى الشارقة الدُولي للراوي 24 - معتبرين أن هذا الدعم يرسي أواصر المحبة والأخوة، ويعزز مجالات التبادل الثقافي والمعرفي، ويدفع باتجاه استدامة رعاية علوم وثقافة وتراث العرب ونقله بين الأجيال.

جاء ذلك خلال الجلسة الرئيسية للبرنامج العلمي للملتقى، والتي شارك فيها الباحثون عبدالرحمن أبنو، ود. أحمد مولود أيد الهلال، ود. الشيخ سيدي عبدالله، وأدارها الدكتور منّـي بونعامة مدير إدارة المحتوى والنشر بالمعهد، تحدثوا خلالها عن حفظ التقاليد المروية في موسوعة الثقافة الشعبية الموريتانية، وما بذل فيها من جهود.

وبين عبدالرحمن أبنو أن دور حاكم الشارقة في دعم ثقافة موريتانيا ليس وليد اليوم، إذ كان له دور مهم في افتتاح بيت الشعر في نواكشوط عام 2015، دعما للشعر والشعراء، وتنظيم مهرجان نواكشوط للشعر العربي عام 2016، وهو امتداد لمهرجان الشارقة الشعري للشباب، وتوجيهه بدعم وتأسيس مجلس اللسان العربي في موريتانيا عام 2017، ليتكلل ذلك بافتتاح مقر مجلس اللسان العربي في موريتانيا عام 2019، ليكون عونا للعلماء والباحثين.

وفي سياق متصل، أكد عدد من المهتمين بالشأن التراثي المحلي أن التعاون بين مؤسسات الدولة أثمر عن تعزيز حضور التراث في الحياة العامة، والانتقال به من المحيط المحلي إلى صدارة تراثات الشعوب في المحيط الإقليمي والعالمي، بعد أن حاز على الإعجاب والثناء بدوره البارز في دعم التراث العالمي، داعين المؤسسات إلى المزيد من التعاون لتحقيق أفضل النتائج والنجاحات.

حيث تم خلال الجلسة الرئيسية من البرنامج العلمي بعنوان "دراسة الطيور بين الشفاهية والمكتوب"، بمشاركة الدكتور عبدالعزيز المسلم ومجموعة من المتخصصين وإدارة الباحث الدكتور حمد بن صراي.

وقال المسلم في ورقته "إن الكثير من التراث والمفردات يضيع إذا لم يدون، وقد قام المعهد بإثراء المكتبة الوطنية بالأبحاث والدراسات التراثية العامة، والتراث الثقافي للطيور بشكل خاص. ولديه الكثير من الخطوات التي ترسخ أصالة الموروث، انطلق بها من الطفولة، حيث خصص فعاليات عدة للتعريف بالتراث الشعبي والمفردات الشعبية، لإيمان المعهد بأن التمسك بالتراث الثقافي هو جزء أصيل وحي من التمسك بالهوية الوطنية".

وتحدث حمد الحميري مدير إدارة البحوث والخدمات المعرفية في الأرشيف والمكتبة الوطنية، عن دور الأرشيف والمكتبة الوطنية في حفظ تراث الطيور في الإمارات، قائلاً "إن الطير رمز عظيم من رموز الدولة، والصقر خير مثال على ذلك. وكان الشيخ زايد رحمه الله الداعم الأول لهذا التراث منذ البدايات، ولاسيما إقامة مؤتمر البيزرة الأول في أبوظبي عام 1976. وقد سُمي في مهرجان الصداقة لأن حب الصقر يجمع الكثير من الشعوب، فكانت هذه فرصة لجمعهم ولقائهم في أجواء من المحبة في بلد المحبة والسلام".

وبيّنت فاطمة المنصوري، مدير مركز زايد للدراسات والبحوث بنادي تراث الإمارات أن الطيور تشكل ثقلاً معرفيا وتاريخيا واقتصاديا، ولها اهتمام كبير في دولة الإمارات. وقد انعكس ذلك في جهودها بتسجيل رياضة الصيد بالصقور في التراث العالمي لليونسكو بعد محاولات طويلة بذلتها في هذا المجال.

أما الباحث الإماراتي جمعة بن ثالث، فقد تحدث عن ببليوغرافيا الطير في المكتبة التراثية العربية، وبين أن للطيور فوائد عظيمة في تحديد بداية المواسم ونهاياتها، والإشارة إلى وجود الرياح والأمطار، وظهور نجم معين. وقد تصدر الطيور بعض الأصوات خلال هجرتها في الليل لإرشاد بقية الطيور إليها، مبينا أن هناك طيورا برية وأخرى بحرية وأخرى تعيش في البيوت، ولكل منها دور وتأثير وحضور في حياة الإنسان عبر العصور، لذلك تستحق كل الاهتمام والرعاية.

واختتم الدكتور عيسى صالح الحمادي مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالشارقة الجلسة بالحديث عن تصورات الطير في التراث اللغوي العربي، منطلقا من قصص "كليلة ودمنة" التي تحمل الكثير من القيم والرسائل الموجهة لمختلف شرائح المجتمع. ودعا إلى ضرورة تأليف المزيد من الكتب والدراسات في مجال الطير في الأدب والشعر العربي والإماراتي لسد الفراغ الحاصل في هذا المجال، بما يمكن ربط الأدب الماضي بالأدب الحاضر كحلقة وصل بين الأجيال.

وضمن فعاليات الملتقى، أبدع مسرح القاهرة للعرائس في تقديم المسرحية الفنية التراثية المصرية "الليلة الكبيرة" بحضور الدكتور عبدالعزيز المسلم، حيث نالت المسرحية إعجاب الجمهور الغفير من مختلف الفئات العمرية، بعد عرض الفقرات المتنوعة التي صوّرت جوانب متعددة من تاريخ مصر الاجتماعي بأسلوب فني محترف وجميل.

وبهذه المناسبة، قال الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية ومقرر لجنة التراث الثقافي غير المادي في المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة "يمثل هذا العرض فرصة لاستذكار الزمن الجميل، رغم أنه لا يزال يؤثر في أطفال اليوم. تجد في هذا العرض مختلف عناصر الثقافة الشعبية مثل الآلات الموسيقية، والملابس التقليدية، والمهن القديمة، والحكايات، والأمثال، والقصص، وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية القديمة بصورة قريبة".

وأضاف "الليلة الكبيرة عمل تراثي بكل المعايير، وقد دخل في الملكية التراثية الإنسانية بعد مرور أكثر من 63 عامًا على عرضه الأول. نشكر معهد الشارقة للتراث على هذه الدعوة، ونحن سعداء بالحضور هنا في الشارقة، لما تمثله لنا من مكانة كبيرة ومحبة عميقة بين أدباء ومثقفي وفناني مصر".

وكانت قاعات ‏ومرافق معهد الشارقة للتراث، قد تزيّنت خلال الأيام الماضية بالعديد من الصور التراثية والمجسمات التي تنسجم مع ‏موضوع الدورة الحالية لملتقى الشارقة الدُولي للراوي بدورته الـ24.

حيث حرص المعهد على تزويد أرض الفعاليات بأجواء تراثية ‏تتجاوز الزمان والمكان الحاضرين، لتكون فرصة تستنطق الماضي وتقدم مجموعة من الصور الشعبية عبر الألحان والكلمات والقصائد المحلية والخليجية التي تفاعل معها جمهور الملتقى. وكان هذا من نصيب فرقة زينة الشارقة للفنون ‏الخليجية التي تشارك ضمن برنامج "كرنفال الراوي".

‏وعن هذه المشاركة، قال علي خميس السويدي، مدير فرقة زينة الشارقة للفنون التراثية الخليجية "نحن فرقة تراثية يتدفق التراث في عروقنا كما يتدفق الدم، ونعيش معه متجاوزين المرحلة الزمنية الحالية، فنحرص على تصوير أنواع الفنون ‏الغنائية التي نقدمها كي نكون قادرين على أداء الرسالة التي تحملها عبر العصور والأجيال. نحن فخورون بأن تسمية الفرقة أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الداعم الأول للتراث في الإمارات العزيزة، وهي مسؤولية كبيرة ‏نحرص على أن نكون جديرين بها".

وعن طبيعة الفنون الغنائية الشعبية التي ‏قدمتها الفرقة خلال ملتقى الشارقة الدولي للراوي 24، أضاف السويدي "نتوجه بالشكر لمعهد الشارقة للتراث على منحنا هذه الفرصة لنكون جزءا من التشكيلة التراثية المهمة للملتقى. ثانيا، هناك العديد من الفنون، منها: فن العاشوري وفن الدزة، ‏ولكل منهما مجموعة من الأغاني المرتبطة بالفنون الخليجية، وهناك أيضا الفنون البحرية كالفتري، والمخولفي، والحساوي، والعدساني وغيرها. وسيتم أداؤها لجمهور الزائرين من محبي التراث تباعاً طيلة أيام الملتقى".

يُذكر أن البرنامج الفكري للملتقى احتفى هذا العام بالمعارفِ الشعبيةِ وحملةِ الموروثِ الثقافي وحكاياتِ الطيور عبر مشاركات جادة سعت لاكتشاف كنوز التراث ومكنوناته، إضافة إلى إقامة 37 ورشة وفعاليات وأنشطة أخرى متنوعة دارت جميعها في فلك حكايات الطيور، وذلك بمشاركة مجموعة كبيرة من الدول العربية والأجنبية بينها: اليمن، والسودان، وكينيا، والنمسا، وجزر القمر، والبحرين، والأردن، والعراق، وتركيا، وإنكلترا، والكاميرون، والسعودية، وفلسطين، ومصر، وقيرغيزستان، واسكتلندا، وعُمان، وسوريا، وتونس، وإيطاليا، وفنلندا، والكويت، والمغرب، والجزائر، وإسبانيا، وسيريلانكا، وقطر، وموريتانيا، والصين، وأستراليا، والهند، بجانب دولة الإمارات العربية المتحدة.