من القيروان إلى قصر قرطاج

جريمة الغنوشي الكبرى أنه يخدع البسطاء من الناس حين يريهم وجهه الديني ويخفي عنهم وجهه السياسي.

ليس المسوغ الذي تقدمه حركة النهضة لتأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة مقنعا. إلا إذا أرادت الحركة أن تضع الديني في مقابل السياسي مفتعلة التناقض الذي من شأنه أن يثير خلافا عبثيا لا طائل منه.

"النهضة" هي جماعة دينية وهي في الوقت نفسه حزب سياسي.

وباعتبارها فرعا من فروع جماعة الاخوان المسلمين لا ترى تناقضا بين الوظيفتين. وهو ما يجعل خطابها مراوغا في تنقله بين الجانبين. لذلك عمدت إلى ادخال مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي في خضم مسألة سياسية، كانت قد حسمت رسميا قبل أن تقرر حركة النهضة الاحتفال بالقيروان باعتبارها مدينة دينية وهي ليست كذلك. القيروان مدينة تاريخية ليس إلا.

الغنوشي وهو حرباء النهضة يسعى إلى واحد من أمرين. اما أن يدفع السياسيين في العاصمة إلى الانحناء من أجل أن تمر العاصفة الدينية أو أن يدفع بالقيروان إلى الواجهة باعتبارها عاصمة دينية.

لقد عُرف الرجل بميله إلى المغامرة مع الإبقاء على هامش قدرته على التماهي مع الحلول الوسطية متاحا. وهو ما حفظ له حصته من السلطة بالرغم من أنه في طويته لم يكن يؤمن بتلك الحلول.

يمتزج الرجاء بالضغط في طلبه تأجيل الانتخابات الرئاسية. الغنوشي يخطط كما أرى لاستغلال الاحتفال بالمولد النبوي في القيروان للتجييش. تلك صفة مناسبة لما يمكن أن ينطوي عليه احتفال ديني يُقام من أجل الحصول على مكتسبات سياسية.

ليس في ما يفعله الغنوشي ما هو مستغرب. فلطالما اعتبرت جماعة الاخوان المسلمين الدين مطية للسياسة. لطالما ضحك حزبيو الإسلام السياسي على جمهورهم باسم الدين. لطالما استغلت منابر المساجد لتضليل وخداع الفقراء وشراء أصواتهم مجانا.

يحاول الغنوشي أن يسبق الانتخابات بالمولد النبوي.

سيكون في إمكانه حينها أن يحشد الأصوات التي ستنقل حركته إلى قصر قرطاج. من هناك سيصمم مستقبل تونس باعتبارها امارة إسلامية وباعتبار التونسيين والتونسيات مجرد رعايا.

كل ما يطرحه الغنوشي انما يستدعي الريبة والشك.

فالرجل الذي هو خريج مدرسة جماعة الاخوان المسلمين لم ولن يتخلى عن نهجه. وهو لا يرى في شراكة سياسيي الدولة المدنية إلا مرحلة سيكون لزاما عليه أن يعبرها معتمدا على دعاته الذين يتنقلون بين القرى والبلدات الصغيرة ناشرين رسالته المضللة التي تستمد تأثيرها العاطفي من الدين.

لذلك يمكنني القول أن مطالبته بتأجيل الانتخابات الرئاسية لا تنطوي على أي نوع من الاحترام لمناسبة الاحتفال بميلاد النبي بقدر ما تعبر عن محاولة دنيئة لاستغلال تلك المناسبة من أجل صنع رأي عام مناصر له سياسيا.

ينظر الغنوشي إلى القيروان باعتبارها المحطة التي سينطلق منها قطاره إلى قصر قرطاج. وهو إذ يضفي عليها صفات ليست لها فلأنه اعتاد أن يكذب باسم الدين. وهو أمر مسموح به بالنسبة للإخوانيين إذا ما تعلق الامر بغايات سياسية وبالأخص الوصول إلى السلطة.

يكذب الغنوشي ويرى في كذبه فعلا حلالا. وهو ما يجب أن يتوقعه خصومه منه. فمن الخطأ أن يُعامل الغنوشي باعتباره رجل دين أو رجلا ملتزما بما يفرضه الدين في شريعته. ذلك لأنه زعيم حزب سياسي يحاول أن يستعمل الدين لأغراض سياسية. وهو ما لا تقره القوانين.

جريمة الغنوشي الكبرى أنه يخدع البسطاء من الناس حين يريهم وجهه الديني ويخفي عنهم وجهه السياسي. في بلد غير تونس ربما أحيل الرجل إلى القضاء بسبب تلك الجريمة.

الغنوشي يستعمل الدين باعتباره رشوة.

تلك جريمة تُضاف إلى جريمته بتجريد القيروان من طابعها التاريخي واعتبارها مدينة دينية وحزبية في الوقت نفسه. ولإن القيروان جزء من تراث الإنسانية فإن للدولة التونسية الحق في أن تمنع الغنوشي من احتلالها بذريعة الاحتفال بالملد النبوي.

من واجب الدولة التونسية أن تمنع الغنوشي وأتباعه من الاستيلاء على المدينة. وتلك ليست حكاية أخرى. بل هي أساس الحكاية التي يسعى الغنوشي من خلالها الوصول إلى قصر قرطاج.