من حكومة اللاحل إلى دولة الميليشيات

عادل عبدالمهدي واجهة يمكن أن تُرمى بالحجارة من غير أن يؤثر انكسارها على استمرار النظام السياسي القائم على المحاصصة الحزبية والتابع بطريقة ذيلية لإيران.

القتل، القمع، الاعتقالات، حرق خيام المعتصمين، الاغتيالات، الخطف والتحذير من نشوب حرب شيعية شيعية. ولا شيء آخر.

الحكومة العراقية لم تفعل شيئا من اجل احتواء التظاهرات تمهيدا لمصالحة وطنية وليس في نيتها أن تفعل شيئا وما من أحد يتوقع أنها في طريقها الى إيجاد حلول للأزمة التي لا يبدو أنها قابلة للانحسار.  

وكما يبدو فإن الاصطفاف وراء حكومة عادل عبدالمهدي من قبل الأحزاب المشاركة في الحكم والمنتفعة منه يُراد منه تكريس عزلة تلك الحكومة والضغط عليها من أجل السير في الاتجاه المقرر إيرانيا وتحدي الرأي العام العراقي وفرض سلطة تلك الأحزاب باعتبارها امرا واقعا لا بديل له ولا مفر منه. كونها أي الأحزاب القوة السياسية الوحيدة التي في إمكانها أن تمنع نشوب الحرب الأهلية.

وإذا ما كان عادل عبدالمهدي قد تقدم باقتراحات ترقيعية لحل الأزمة في بدايتها فإنه اليوم قد تخلى عن وعوده في الإصلاح ومواجهة الفساد واختار أن يمضي في تحدي المحتجين إلى النهاية. بما يعني المضي بالأزمة إلى ذروتها أملا في أن يفقد المحتجون الأمل في تلبية جزء من مطالبهم التي سيكون عليهم أن يتخلوا عنها مهزومين.

رهان يمكن أن يكون انتحاريا في ظل إصرار المحتجين على تعطيل الحياة الطبيعية تكريسا لهدفهم في شل عمل الحكومة التي فقدت شرعيتها بعد أن تحولت بحكم الأمر الواقع إلى حكومة قناصين كما صارت تُسمى من قبل المحتجين.

لم تلجأ الحكومة إلى الحوار وليس في نيتها القيام بذلك.

كان الحوار ممكنا قبل القتل.

لم يكن متعذرا على الحكومة أن تقيم جسرا من التفاهم مع الشعب لو أنها كانت تمتلك الإرادة والاستقلال وحرية الحركة بعيدا عن الهيمنة الإيرانية وسيطرة الأحزاب والميليشيات التابعة والموالية لإيران.

ذلك افتراض أثبت سلوك عادل عبدالمهدي المناور أنه ليس صحيحا. فالرجل لا يملك هامشا للحركة وهو تابع لتلك الأحزاب الذي وضعته في منصبه باعتباره واجهة يمكن أن تُرمى بالحجارة من غير أن يؤثر انكسارها على استمرار النظام السياسي القائم على المحاصصة الحزبية والتابع بطريقة ذيلية لإيران.

تلك حقيقة كانت معروفة بالنسبة للمحتجين. لذلك فإنهم انتقلوا مباشرة وبسرعة من المطالبة بإسقاط الحكومة إلى المطالبة بإسقاط النظام برمته وفك الارتباط بإيران. وهي النقطة التي كانت فاصلة في تاريخ الحركة الاحتجاجية التي صار موضوع النظر إليها إيرانيا خالصا.

لقد دخلت الاحتجاجات طورا جديدا تجاوزت فيه قدرة رئيس الحكومة العراقية على المراوغة واللعب بالقرارات واتباع أساليب الخداع والتضليل عبر تكليف مجلس النواب بإصدار قرارات وهمية تبدو كما لو أنها تستجيب لمطالب الشعب، غير أنها في الحقيقة مجرد كلام غير مسنود بقانون.
وحين اكتشف عبدالمهدي أن أساليبه قد تم فضحها لم يعد يملك سوى أن يضع أجهزته في خدمة الأحزاب لتتصرف بها كما تشاء. وهو ما صعد من القتل ودفع بالأمور إلى الهاوية.

في النهاية فإن الحكومة التي لا يرتجى منها حلا هي ليست الجهة التي يمكن التفاوض معها من أجل انهاء الأزمة، فهي حكومة اللاحل. وهي صفة يمكن أن تتبناها الأحزاب من أجل إسقاط الحكومة تمهيدا لقيام دولة الحشد الشعبي التي ستحول دون نشوب حرب شيعية شيعية.

تلك وجهة نظر لن تعجب المحتجين غير أنهم سيصطدمون بجدارها.

سيكون على العراقيين أن يركنوا إلى إرادتهم من أجل أن ينتصروا على دولة، لم تقم إلا من أجل قمعهم. فحكومة اللاحل ستسلمهم إلى حكومة سيكون القتل هو حلها الوحيد. وليس مستبعدا أن تلجأ الأحزاب إلى التخلي عن الحكومة كونها حجر عثرة أمام قيام دولة الميليشيات.