من شيطان زيوس إلى شيطان أبو نواس إلى شيطان الدول العربية

الشيطان يدخل إلى الإنسان من ثلاث أبواب لا رابع لهم هم نقاط ضعف الإنسان أي إنسان، المعرفة المال والجنس، ونحن لو نظرنا في الشارع وما يحدث ويدور فيه من مناقشات واتفاقيات وسرقات وسخافات وشتائم من كل شكل ولون سوف نكتشف أن الشيطان قريب منا بدرجة تدعو للدهشة.

إن من يفكر في الحديث عن الشيطان (في الأدب) لابد أن يبدأ حديثه بذكر رائعة الأديب والشاعر الألماني "غوته فاوست" والشيطان فى هذه المسرحية، يحمل اسم "مفستوفليس" وهذا الشيطان كما صوره غوته، يصنع أكسير الحياة ليطيل العمر ويرد به الشباب الى العجائز ويتلاعب به على الضمائر الضعيفة.

وهذا الشيطان هو شيطان المعرفة. فبطل المسرحية باع روحه مقابل العلم والمعرفة التي منحها إياه "مفستوفليس" وقد حدث هذا بعد أن وقعا عقدا بينهما بذلك؟!

وكان (غوته" قد استلهم واقعة وقعت في بداية القرن السادس عشر حيث كان يوجد دكتور اسمه "فاوست" وكان ماهرا فى السحر والكهانة وذاع انه باع روحه للشيطان فى مقابل المعرفة.. ثم اختفى فى ظروف غامضة.

وكتب الأدب تقول لنا أن اقدم الشياطين المتمردين فى آداب العالم هو "برومثيوس" الذى تمرد على رب الأرباب "زيوس" ليعلم أبناء آدم ما اخفاه الأرباب عنهم ومن ثمة يتخذ من هؤلاء الأدميين تلاميذ له وهذا الشيطان يرمز الي التمرد والكبرياء بعكس شيطان غوته "مفستوفليس" شيطان السحر والمعرفة.

ونحن هنا لا يمكن أن ننسى شيطان الشاعر الإنكليزي ملتون ولا شيطان الشاعر الإيطالي كردوتشى والذي يجمع بين هؤلاء الشياطين. هو التمرد ونحن كما نعلم أن شيطان غوته فضل العلم والسحر حسب الفترة التي كان يعيش فيها فاوست، بعكس شيطان الشاعر الايطالي والشاعر الانكليزي كان شيطانهما شيطان الغضب و التحدي حسب الفترة التي كانا يعيشان فيها مداخله هامة جداً "إنني أحاول أن أتخيل غواية شيطان مصر بعد 30 يونيو"، أي الغاوية التي يغوى بها هذا الشيطان شعب مصر، حيث نرى مصر الآن تتكلم فى السياسة وفى الدين، إن غواية شيطان تلك المرحة هي السياسة والدين، من أجل السيطرة على الناس ومن ثمة أخذهم، كما كان يفعل "برومثيوس" عندما تمرد على رب الأرباب "زيوس" وأخذ يعلمهم ما أخفاه عنهم الأخير، لكي يكونوا  اتباع له وقد نشط هذا الشيطان ومارس عمله فى همة ونشط في مناطق مصر التي أوشكت أن تكون منطقة شيطانية يلهو فيها الشيطان ويفعل بها ما يحب مستغلاً كل شيء من السياسة والدين الرجال والأطفال النساء والفتيات من أجل تحويل مصر إلى منطقة شيطانية أو افغانستان ثانية.

ولدينا شاعر شرقي اسمه "السعدي" تعامل مع الشيطان من وجهة نظر مختلفة حيث كتب هذا الشاعر شعرا كثيرا عن الشيطان وكأنه رآه وجلس معه وتسامر ونقرأ له "رأيت الشيطان في حلم... فيما عجبا لما رأيت" "رأيته على غير ما وهمت من صورة شنعاء تخيف من ينظر إليها" "قامة كفرع البان. عينان كأعين أعور. طلعه كأنها تضئ بأشعة النغم" " قاربته وسألت احقا أنت الشيطان المريد؟ أحق ذاك ولا أرى ملكا. له جمال محياك ولا عينا قد نظرت إلى شبيه سيماك" "ما بال أبناء آدم يتخذونك لهم ضحكة فيما يصورونك" "وفى وسعك أن تجلو لهم وجها لصفحة البدر ونظره تنهل ببهجة الرضوان؟ وابتسامة تشرف بالنعيم؟".

والسعدي شاعر سافر كثير إلى بلاد فارس والعراق والهند وعاش وشاهد وشايات العصور بين الأمراء والوزراء والخدم فخطر على باله أن الشيطان مخادع محتال وأنه لا يمكن أن يغوي بنى آدم بوجه منفر، قبيح لذا تخيله الشاعر، حسن الشكل.

وأيضا لدينا الشاعر الروسى "ليرمنتوف" فهذا الشاعر الذي عاش في أوائل القرن التاسع عشر قد اخترع شيطانه على هواه (كما فعل أبو نواس – الذى سوف نلقاه بعد قليل) فهذا الشيطان الذي اخترعه ليرمنتوف هو ليرمنتوف ذاته ومزيدا عليه ما يتمناه ويحب أن يكون موجود به.

وهذا الشيطان ضعيف غلبان معرض للغاوية فهو يحب فتاة من الإنس ويظهر لها فى أحلى شكل وأحسن حله من أجل أن تهواه وتهواه وتقرر أن تترك خطيبها من أجله ويغار الشيطان من ذلك الخطيب الذي رفض ترك فتاته ويقرر قتله وبالفعل يقتله ويحمل الشيطان جثه الخطيب إلى الفتاة لكي تتأكد من موته لكن ما حدث كان غير متوقع من الفتاة التي حزنت حزناً شديداً على خطيبها ويجن الشيطان ويصاب بأزمة عاطفية (حلو هذا التعبير) ويلاحق الفتاة في كل مكان تذهب إليه أو تتواجد فيه وفى أحد المرات تصدى له الحارس عند باب الدير فتصارعا، الشيطان ممثل قوة الشر والحارس ممثل قوة الخير فينهزم الحارس وينتصر الشيطان ويتسلل إلى حجرة الفتاة ويحتضن جسد الفتاة فتصعد روحها الى السماء ويبقى الجسد بين يدى الشيطان ينظر إليه في حسرة عصفت بقبله (وهل للشيطان قلب) وفكرة رواية " إمراة هزمت الشيطان لتوفيق الحكيم  قريبة الشبه من تلك الرواية

ونحن لدينا أهم شيطان في الأدب العربي كله، هو شيطان أبو نواس.

فهذا الشيطان تفوق على جميع الشياطين، حيث أن أبو نواس قد اخترع هذا الشيطان كما يحب هو، وكما ينظم القصائد وقد نظم في هذا الشيطان.

"عجبت من إبليس فى تيهه

وخبث ما أظهر من نيته

تاه على آدم في سجده

وصار قوادا لذريته"

"لم يرض إبليس الظريف فعلنا

حتى أعان فسادنا بفساد"

من الصعب أن أذكر الأبيات الكثيرة التي قالها أبو نواس متغزلا بالشيطان، لكنى أود أن أؤكد على أن أبو نواس تعامل الشيطان من منطلق أن الأول شخص نرجسي يحب ذاته لحد العبادة، ويفعل أي شيء يحسن من شخصه وجسده، حتى احتار الناس فيه، لأنه من ناحية يميل الى الأنوثة ومن ناحية أخرى يميل الى الرجولة، أى يفعل الشيء ونقيضه، وتعامله من الشيطان يؤكد وجهة نظرنا، وكما يقول النقاد، أن أبو نواس تعامل مع الشيطان تعامل التلميذ مع الأستاذ أي أن الشيطان كان هو أستاذ أبو نواس وعنه أخذ ما هو معروف به وكان يطلق عليه شيخه.

ولا أدرى هل هو قائل هذا البيت أم شيطانه

"ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ... ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر"

وفى الأدب العربي الحديث قدم لنا نجيب محفوظ الشيطان من خلال أنيس الجليس في روايته "ليالي ألف ليلة" وأيضا قدم لنا الشيطان في "أولاد حارتنا" وفي "الشيطان يعظ" وقدمه توفيق الحكيم في رواية "عهد الشيطان" وقدمه يوسف أدريس من خلال قصته "أكان لابد لي أن تضئ النور" ويجب علينا الأنسى مؤلف "عباس محموم العقاد" (أبليس).

ونخرج من هذا كله بأن الشيطان يدخل إلى الإنسان من ثلاث أبواب لا رابع لهم هم نقطة ضعف الإنسان أي إنسان، المعرفة – المال - الجنس، ونحن لو نظرنا في الشارع وما يحدث ويدور فيه من مناقشات واتفاقيات وسرقات وسخافات وشتائم من كل شكل ولون فهذا سوف يوضح لنا أن الشيطان موجود في الشارع وليس في الأماكن الخربة فقط بل هو ليس بعيداً لأنه قريباً منا بدرجة تدعو للدهشة حيث أننا نفعل الشيء ونقيضه نذهب إلى المسجد ندعوا ونستغفر ونطلب من الله الهداية والرحمة والعفو وما أن نخرج الى الشارع حتى نعيد التعامل من جديد مع شيطان المال وشيطان الشهرة وشيطان الرغبة وشيطان التفوق وشيطان المزاج وشيطان السلطة وعندما يلام أحد من هؤلاء الذين يتعاملون مع الشيطان فيقول الحكمة الخالدة "الشيطان شاطر" مع أن العكس هو الصحيح حيث يمكن لاي كان هزيمة الشيطان إن أراد بطريقة سهلة ومعروفة للجميع وهى الاستقامة.

فهل كل ما يحدث في مصر الآن هو طريق الاستقامة الذي عن طريقة سوف نهزم الشيطان أظن وبعد الظن صدق أننا نعيش في وهم لأننا نعلي من الشيطان ومن أعماله وأفعاله رغم أننا نستعيذ به كل لحظة. ألستم معي في ذلك؟

ونخرج من هذا بأنه يوجد في مصر الآن شيطاناً يمرح فيها كما يحب ويحرك الناس كما يرغب لينفذوا له ما يريد ويتمنى وهو جالس في منطقة آمنه يتابع ما يحدث وما سوف تؤول إليه مصر بعد كل مباراة يهبط فيها إلى أرض الملعب "أرض مصر" لكي يمارس تخريبه بنشاط وحيوية على أمل أن تنهار مصر ومن ثم تعود و تصبح كما الكرة الكل يتلاعب بها حتى تصل لمن يفكر ويمول ما يحدث في مصر والوطن العربي منذ 25 يناير/كانون الثاني إن ما يحدث الآن لم يحدث في الوطن العربي كله على مر تاريخه حتى عندما استتب الأمر للإسلام.

فالذي يحدث الآن أعظم بكثير مما فعله كفار قريش بل أن كفار قريش بجوارهم أقل قسوة وأكثر فهماً لما يحدث. رغم أن الكل يتكلم باسم الدين مدافعاً عن أفعاله وأهوائه التي سوف توصله إلى ما يريد شيطان الدول العربية.

في مذكراتي يقدم لنا الصادق المهدي قول سيلفا كير "أنه لولا الحياء لأقام الجنوبيون تماثيل لكل أعضاء قيادة الثورة ثورة الإنقاذ وأشخاص حكومات البشير المتعاقبة لأنهم الذين أطمعوا بسياساتهم المعتمدة على الحرب والتصفية للجنوبيين للتوجه إلى الانفصال".

والآن لمن سوف نقيم تماثيل للسادة الذين يحاولون تخريب وإشعال البلد من أجل إرضاء شيطانهم الذي يحركهم ويدفعهم لكي يفككوا البلد لحسن البنا صناعة المخابرات الغربية لسيد قطب صاحب الشخصية النرجسية  والذي بسببها باع كل شي من اجل أن يرضيها ويريها ما دامت قد حرمت في ان تأخذ أي شي من كعكه ثورة يوليو  وهو الذي دافع عنها بكل ما أوتي من قوة  على أمل ان يتولى وزارة، لكن تذهب الوزارة الى زميل جمال عبد الناصر في ثورة 1935 المنسية الشيخ احمد حسن الباقوري، وهو ما لا يمكن السكوت عليه فأنقلب على كل شي، ثورة ووطن بناسه بدينه بكل شي، ينتقم منهم جميعا واضعا طريقة الانتقام في برنامج  يحمل اسم "معالم في الطريق".