مهرجان طيبة للفنون بأسوان يحتفي بتجربة نجاة مكي
يحتفي مهرجان طيبة الدولي للفنون التلقائية ومسرح الطفل، والذي تُقام دورته الثامنة بمدينة أسوان خلال الفترة من 10 وحتى 15 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بتجربة الفنانة التشكيلية الإماراتية الدكتورة نجاة مكي التي تُعد من أوائل روّاد الفنون التشكيلية ببلادها وفي منطقة الخليج والعالم العربي.
وقالت الدكتورة هنا مكرم رئيسة المهرجان إنه تم تسليط الضوء على مسيرة الفنانة القديرة الدكتورة نجاة مكي، واستعراض إسهاماتها الكبيرة في الحركة التشكيلية العربية، والتوقف عند أهم المحطات في رحلتها مع الفنون التشكيلية التي كانت قد بدأتها من مصر التي درست بها الفنون، ونالت منها درجتى الماجستير والدكتوراه.
وأشارت مكرم إلى أن الاحتفاء بتجربة الفنانة نجاة مكي يأتي في إطار الاهتمام بالرموز، ونقل تجارب جيل الروّاد لجيل الشباب من الفنانين، وتقديم باقة ورد لكل من أسهم في إثراء المشهد الثقافي والفني العربي.
يُذكر أن الفنانة نجاة مكي هي أحد الوجوه التشكيلية الأكثر حضورا في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي، وأحد العلامات البارزة في مسيرة التشكيل الإماراتي، حيث أسهمت بدور كبير في الحركة الفنية المعاصرة في وطنها الإمارات ومنطقة الخليج والعالم العربي، كما تُعد أول امرأة إماراتية تحصل على منحة من الحكومة الإماراتية لدراسة الفنون بالخارج وذلك عام 1977.
ومنذ حصولها على درجة البكالوريوس، ثم درجتي الماجستير والدكتوراه في الفنون من كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان المصرية، وعلى مدار ما يزيد على 4 عقود مضت تواصل مكي مسيرتها التشكيلية التي شهدت الكثير من النجاحات والتكريمات المحلية والعربية والدولية، والتي كانت محط اهتمام الكتاب والنقاد والأكاديميين الذين كتبوا الكثير من الكتب والدراسات التي تناولت تجربة الدكتورة نجاة مكي وأضاءت على مختلف جوانبها باعتبارها تجربة تميّزت بالعمق والثراء، والغوص في بحور التراث الإماراتي الذي كان عنوانا بارزا للكثير من أعمال مكي التي تصنف ضمن قائمة الكبار ممن منحوا التراث الكثير من الاهتمام في أعمالهم الفنية في إطار النظر إلى ذلك التراث بأنه أحد مكونات الهوية الوطنية للشعوب.
وقد تأثرت الفنانة نجاة مكي بالعديد من الفنانين المصريين الرواد أمثال محمود مختار، ومحمد سعيد، وحامد ندا، والإخوة وانلي، والسجيني، وسعيد الصدر. كما تأثر إبداع نجاة أيضًا بطبيعة البيئة الإماراتية وخاصة الصحراء، والبحر، والفولكلور.
ومرت الفنانة نجاة مكي بالكثير من المحطات الفنية المهمة في مسيرتها الثريّة مع الفنون التشكيلية، ونتذكر من بين تلك المحطات محطتين: الأولى معرض "مدارج الدائرة" الذي ضم لوحات الكتاب المشترك لها مع الشاعر المغربي حكيم عنكر، وعن ذلك المعرض تقول مكي إنه خلال تلك التجربة المشتركة – تجربة معرض وكتاب مدارج الدائرة – تطورت مفاهيم ومعاني الدائرة في تجربتها الفنية من مجرد معطى بصري أو تزويقي في أعمالها إلى محمول فلسفي، وجدية صوفية، ممتزجة بمسافة متداخلة في عالم اللون والالتماعات من خلال تدرج الأخضر الدال على المقام الصوفي، إلى عنفوان الأزرق الذي بات التماسا للصفاء واقتفاء حركة الوجود مرورا بتوهج الأبيض الذي يمنح النور ويسمو بالكلمة إلى مراتب الصمت، واشتقاقات تعود بالعناصر إلى الأصل الذي يتوق إلى الجوهر والتوحد فيه، لتظل محاولة البحث عن الاكتمال والخروج من الخفاء إلى التجلي قائمة.
وأما المحطة الثانية من المحطات المهمة التي مرّت بها الفنانة التشكيلية الإماراتية الدكتورة نجاة مكي، نتذكر - هنا – معرضها الذي حمل عنوان "انوار القلوب"، الذي وصفه الكاتب الكبير والفنان القدير الدكتور عمر عبدالعزيز، بأنه حمل "مقترحات بصرية جمالية جديدة"، وأنه مثّل انطلاقة لمكي من مفهوم التوحيد الإسلامي المقرون برحلة المعارج الطويلة.. من المُجسَّد الملموس الخاضع لقوانين الفيزياء الوجودية الأرضية، إلى المجرد اللامرئي السابح في فضاء الأثير الماورائي متعدد الأنساق والأبعاد، ورأى بأن المعرض تجلى فيه المعنى الجوهري للفراغ الدلالي المُتمثِّل في المحراب، وهو المعنى الذي يتَّصل ضمناً بعمارة المساجد التي تستظهر أنصاف الدوائر، وتواليات الشكل الهندسي المكرور حدِّ الامتداد، وانفساحات الإضاءات على الداخل والخارج المرئيين؛ فكأن ضوء الداخل في حالة تشرُّب للمُتَّسعات والفراغات.. ناقلاً دفقات الأنوار الداخلية، ومن الخارج مثّل الزجاج الملون المُعشَّق كوة نور وألوان قادمة من انعكاسات ضوء الشمس، وهي بجملتها نماذج لفكرة الفنانة، مؤكدا على أنه في معرض "أنورا القلوب" لم يكن هناك حواجز بين الجدران، ولا انغلاق ميكانيكي في أربع جهات، بل الجهات هي المنطلق لتعددٍ لا متناهٍ لمفهوم الجهات ذاتها، فاليمين واليسار، والأمام والخلف، والفوق والتحت.. انطلاقة مؤكدة نحو وجود أشمل وأرقى.
نجاة مكي فنانة اهتمت بالإيقاع اللوني والشكلي وركزت في أعمالها الفنية على النمط التعبيري الرمزي كما كان للزمان والمكان حضور مباشر وقوي في بداية مشوارها الفني، وبمرور الوقت أخذت منحني آخر من خلال عناصر التكوين وارتباطها مع بعضها البعض وذلك في تجريد إيقاعي متناغم، ظهرت لها عدة تجارب منها تجربة الألوان الفسفورية التي بدأتها سنة 1987 في أول معرض احتضنه نادي الوصل بدبي، وقد سبق وأن أقامت في مدينة الفنون العالمية في باريس مدة أربعة شهور بدعم من مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي سنة 2012، خلال تواجدها نفدت عدد من التجارب والورش الفنية، بالإضافة إلى تجربة أخرى وهى المزاوجة بين الشعر والتشكيل مع شاعر فرنسي، كما حصلت على إقامة فنية لمدة ثلاثة أسابيع في مدينة دسلدوف (ألمانيا) لتنفيذ عدة تجارب في الطباعة الحريرية.
كما شاركت في جمهورية الصين ملتقى النحت الدولي ونفدت مجسم يعبر عن التعاون بين الرجل والمرأة في منظومة الحياة.