"مولودة عام 1982" تواجه مجتمع الذكورة في كوريا الجنوبية

رواية تشو نام جو حققت نجاحًا كبيرًا في كوريا؛ كما قدمت مؤلفتها للساحة الأدبية العالمية حيث ترجمت الرواية لأكثر من 18 لغة، وباعت أكثر من مليون نسخة.
الرواية تتبع حياة كيم جي يونج استنادًا إلى ما رواه زوجها وما روته هي شخصيًّا
عندما سمعت القصة لأول مرة من جونج داي هيون، اعتقدت أنه اضطراب الهوية الفصامي

حققت هذه الرواية "مولودة عام 1982" للروائية وكاتبة السيناريو الكورية تشو نام جو نجاحًا كبيرًا في كوريا؛ كما قدمت مؤلفتها للساحة الأدبية العالمية حيث ترجمت الرواية لأكثر من 18 لغة، وباعت أكثر من مليون نسخة، ووصلت للقائمة الطويلة للجائزة الوطنية الأميركية للكتاب لعام 2020 كأفضل عمل أدبي مترجم، واختارتها مجلة "تايم" كأحد أفضل الكتب المترجمة إلى الإنجليزية في عام 2020. والأهم هو تحولها لفيلم سينمائي بعنوان "Kim Ji-Young: Born 1982" حقق نجاحا كبيرا بفضل ما تحمله الرواية من قضايا إنسانية تخص المرأة.
تقوم الرواية على شخصية "كيم جي يونج" التي تعيش في شقة صغيرة في ضواحي العاصمة الكورية "سيول"، تَعبر بهدوء العقد الثالث من عمرها، زواجها مستقر، وقد تركت مؤخرًا وظيفتها لرعاية ابنتها المولودة حديثًا - كما هو متوقع من السيدات الكوريات - لكن خلف هذه الحياة الهادئة تتلاطم أمواج قوية داخل نفس بطلتنا؛ تتبدل أحوال كيم سريعًا مع بقائها في المنزل لفترات أطول، وتبدأ في تقمص شخصيات نساء أخريات.. وبينما تتعمق أكثر في هذه الحالة، يبدأ زوجها المحب رحلته معها لمعرفة أسبابها والبحث عن طريق للخروج منها.
تتبع الرواية حياة السيدة كيم جي يونج استنادًا إلى ما رواه زوجها جونج داي هيون وما روته هي شخصيًّا، حيث تتكشف لنا أبعاد شخصيتها وما عانته، وهو الأمر الذي تجلى عقب حملها وولادتها لابنتها، ودخولها في مرحلة من الاكتئاب، وخضوعها إلى جلسات علاجية مرتين بالأسبوع لمدة 45 دقيقة، وتعاطيها بعض مضادات الاكتئاب والحبوب المنومة لمساعدتها في علاج الاكتئاب والأرق. 

novel
آسفة يا أمي، إنها أيضًا فتاة

يقول طبيبها المعالج "عندما سمعت القصة لأول مرة من السيد جونج داي هيون، اعتقدت أنه اضطراب الهوية الفصامي الذي لم أصادفه في الحقيقة وقرأت عنه بالكتب فقط، لكن عندما قابلت السيدة كيم جي يونج شخصيًّا، خلصت أنها حالة اكتئاب ما بعد الحمل تطور إلى اكتئاب رعاية طفل بلا شك، لكن مع استمرار الجلسات، بدأت ثقتي بهذا التشخيص تقل، لكن لا يعني ذلك أن المريضة أظهرت رفضًا أو عداء للعلاج، كانت لا تشكو من قسوة وظلم واقعها الحالي، وكذلك لا تستغرق في معاناة طفولتها، واجهت في البداية صعوبة في البوح بمكنون صدرها لكن بمجرد أن انحلت عقدة لسانها كشفت عن ذكريات دفينة وبعيدة ووصفتها بدقة وهدوء وروية، وبالنظر إلى مشاهد الحياة التي اختارت أن تشاركها معي، أدركت أن تشخيصي كان متسرعًا، لا أقول إنه خاطئ لكن كان هناك عالم آخر لم أكن على دراية به".
هذه العالم الآخر الذي كشف للطبيب بعد جلسات عديدة مع كيم جي يونج، تمثل في نشأتها وما واجهته من قمع ذكوري، ثم بعد ذلك في الشركة التي عملت بها، والأساليب التي تفضح ما تواجهه المرأة الكورية الجنوبية من قسوة المجتمع الذكوري، فقد عانت كيم من قسوة التفريق بينها وبين شقيقها على يد والدها وأمها وجدتها، هذا العائلة تعلي من قدر وقيمة الذكر في مواجهة الأنثى، والتي كانت تنتقص من وجود البطلة وتطاردها بانتقاداتها لأسلوب تفكيرها وطريقة إرتدائها لملابسها، ثم يأتي المجتمع الخارجي ممثلا في زميلها في العمل الذي وضع كاميرا في دورة مياه السيدات، لذا ما أن ولدت ابنتها حتى استشعرت ما سيحل بها في مجتمع معاد للمرأة ومنحاز للرجل، ومن ثم دخلت في حالة الاكتئاب، وعلى الرغم من ذلك تأتي صورة الزوج مثالية إلى حد بعيد حيث يسعى لاحتواء زوجته والوقوف إلى جانبها في محنتها.
نموذج من الرواية
ولدت كيم جي يونج في الأول من أبريل عام 1982 في إحدى عيادات الولادة في سيول، بوزن 2.9 كيلوجرامات، وطول 50 سنتيمترًا، كان والدها حينئذ يعمل موظفًا حكوميًّا بينما كانت والدتها ربة منزل، ولدت شقيقة جي يونج الكبرى قبل ذلك بعامين، وولد أخوها بعدها بخمسة أعوام، وعاشت مع أبويها وجدتها وأختها وأخيها في منزل مساحته 35 مترًا مكون من غرفتي نوم وغرفة طعام بداخلها مطبخ وحمام واحد.
كان مشهد تناول كيم جي يونج مسحوق الحليب الخاص بأخيها الصغير خلسةً هو أقدم ذكرى مسجلة بعقلها عن طفولتها، وكونها تكبر أخاها بخمس سنوات فلا بدَّ أنها كانت في السادسة أو السابعة من عمرها آنذاك، كان هذا الحليب لذيذًا لدرجة أنها كانت تجلس بجانب أمها وهي تعده لأخيها الصغير، وتلعق إصبعها لتجمع ما سقط على الأرض من بقايا المسحوق، وأحيانًا كانت والدتها ترجع رأس الطفلة للخلف وتفتح فمها وتصب فيه ملء ملعقة من المسحوق الغني حلو المذاق، كان المسحوق يذوب مخالطًا لعابها ليصبح لزجًا، ثم يتحول إلى كتل ناعمة قوامها كالكراميل، وينزلق في حلقها تاركًا فقط إحساسًا غريبًا ليس جافًّا ولا مرًّا.
 لم تستسغ كو بون سون جدة كيم جي يونج المقيمة معهم بالمنزل فكرة تناول جي يونج لحليب أخيها الصغير، فكانت إذا ضبطتها تفعل ذلك، تصفعها بقوة على ظهرها حتى يندفع المسحوق متناثرًا من فمها وأنفها، أما كيم أون يونج شقيقة كيم جي يونج الكبرى فلم تقرُب الحليب ثانية بعدما عنفتها جدتها أول مرة.
"أختي، هل تكرهين طعم هذا الحليب؟".
"إنه لذيذ".
"اذًا لماذا لا تأكلينه؟".
"لأنه مقرف".
"ماذا؟".
"لا آكله لأنه مقرف، لن آكله أبدًا".
برغم من أن كيم جي يونج لم تكن تعرف بالتحديد معنى كلمة مقرف، فإنها كانت تعرف شعور شقيقتها جيدًا، لم تكن جدتهما غاضبة بسبب كبر سنهما على تناول هذا الحليب، أو لخوفها من عدم كفايته للطفل، ولكن نبرة صوتها ونظرتها وميل رأسها مع ارتفاع كتفيها حتى صوت نفسها، كل هذا كان يرسل رسالة من الصعب اختصارها في جملة واحدة، ولكن إذا صح التعبير فهي: "لا أعلم لماذا كل هذا الجشع تجاه ما يخص حفيدي العزيز؟ شقيقكم ثمين ونصيبه ثمين ولا يمكن لأي أحد أن يمسه"، ويبدو أن كيم جي يونج كانت أقل شأنًا من "أي أحد" ويبدو أن شقيقتها كان لديها الشعور نفسه.

حملت أوه مي سوك بطفلها الثالث بعد ميلاد كيم جي يونج بعام واحد، وذات ليلة حلمت الأم أن نمرًا بحجم منزل اقتحم بيتها وقفز بين طيات تنورتها، فكانت متأكدة أن الجنين ذكر هذه المرة

كان الأرز الطازج الساخن يوزع بالترتيب على الأب، الأخ ثم الجدة، وبينما كان من الطبيعي أن تؤول قطع التوفو المثالية والفطائر المستديرة في فم الأخ، كانت الفتيات يأكلن تلك التي تفتت، وكان من الطبيعي أيضًا أن يحظى الأخ بعيدان طعام وجوارب وملابس داخلية وحقيبة مدرسية وحقيبة أحذية، كلها مثالية ومتطابقة الشكل، في حين تشاركت كيم جي يونج وشقيقتها مقتنياتهما في حدود المتاح، فلو كان هناك مظلتان يستخدم الأخ واحدة وتتشارك الشقيقتان الأخرى، ولو كان هناك بطانيتان يأخذ الأخ واحدة وتتشارك الشقيقتان الأخرى، ولو كان هناك قطعتان من الحلوى يتناول الأخ واحدة وتتشارك الشقيقتان الأخرى، في الحقيقة لم تشعر الطفلة جي يونج أن أخاها يحظى بمعاملة خاصة، ولا كانت حتى تحسده عليها، لأنه هكذا سارت الأمور دائمًا، وحتى عندما كانت تشعر أحيانًا بالضيق كانت تمنطق الأحداث أنها تتنازل لأنها الأكبر سنًّا، كما أنها تشارك أغراضها مع شقيقتها لأنهما من الجنس نفسه ليس أكثر، إضافة على ثناء الأم الدائم على الفتيات لاعتنائهن بأخيهن الصغير وعدم وجود غيرة فيما بينهما، ربما بسبب فارق السن، لذا كان من الصعب أن تغار الطفلة مع سماع كل هذا الثناء.
كان ترتيب والد كيم جي يونج هو الثالث من بين أربعة إخوة، توفي أكبرهم في حادث سير قبل حتى أن يتزوج، وهاجر الثاني إلى الولايات المتحدة الأميركية في بداية حياته واستقر هناك، ونشب خلاف بين والد جي يونج وشقيقه الأصغر بسبب الميراث ومسؤولية رعاية والدتهما المسنة ونفقتها، وأدى هذا الخلاف إلى انقطاع العلاقات بينهما.
نشأ الأخوة الأربعة في زمن قاسٍ يصارع فيه المرء للبقاء، وعندما كانت الحرب والجوع والمرض تحصد الأرواح، خرجت كو سون بون لتعمل بالفلاحة في أراضي الغير، والبيع في محال الغير، والخدمة في منازل الغير، بخلاف القيام بواجباتها المنزلية في بيتها وهكذا حاربت لتربية أبنائها الأربعة، بينما لم يكن لدى زوجها أبيض الوجه ذي الأيدي الناعمة التي لم تتسخ أبدًا طوال حياته النية ولا القدرة لإعالة أسرته، ومع ذلك لم تشعر كو سون بون بالاستياء من زوجها، بل كانت تؤمن حقًّا بأنه زوج صالح كونه لا يضربها أو يخونها.
ومن بين أبنائها الأربعة لم يكن بارًّا بها سوى والد كيم جي يونج الذي رعاها في كبرها، وكانت تريح نفسها في هذا الوضع البائس بمنطق غير مفهوم.
"على كل ما زال لدي أربعة أبناء، لذا أتناول وجبة ساخنة وأنام على وسادة دافئة حضرها لي أحدهم، وحتى إذا لم يستطع أي منهم ذلك يجب أن يكون لديك أربعة أبناء".
وبالرغم من أن من أحضر لها الطعام الساخن والفراش الدافئ لم يكن ابنها، بل في الحقيقة كانت كنّتها أوه مي سوك والدة كيم جي يونج، لكن الجدة كانت دائمًا تقول عكس ذلك.
مقدرة الراحة التي تنعم بها بالمقارنة بحياتها السابقة، وحرصًا منها على كنتها على عكس الحموات من جيلها، نصحت كو بون سون كنتها أوه مي سوك قائلة: "لا بدَّ أن تنجبى ولدًا، يجب أن تحظي بابن، بل يجب أن تحظي بابنين على الأقل".
عندما أنجبت أو مي سوك ابنتها كيم أون يونج، حملت الطفلة في حضنها وانتحبت مطأطأة الرأس وقالت لحماتها: 
"آسفة يا أمي".
طمأنت الجدة كنّتها بدفء وقالت: "لا عليك، فالطفل الثاني سيكون ولدًا".
وعندما أنجبت أوه مي سوك طفلتها الثانية كيم جي يونج، حملتها في حضنها وانتحبت مطأطأة الرأس وقالت لحماتها: 
"آسفة يا أمي، إنها أيضًا فتاة".
طمأنت الجدة كنتها بدفء هذه المرة أيضًا وقالت: 
"لا عليك، فالطفل الثالث سيكون ولدًا".
حملت أوه مي سوك بطفلها الثالث بعد ميلاد كيم جي يونج بعام واحد، وذات ليلة حلمت الأم أن نمرًا بحجم منزل اقتحم بيتها وقفز بين طيات تنورتها، فكانت متأكدة أن الجنين ذكر هذه المرة، ومع ذلك، فإن الطبيبة العجوز التي ساعدتها في ولادة كيم أون يونج وكيم جي يونج، قالت بوجه قلق وقلب منقبض بعد أن فحصت أوه مي سوك عدة مرات باستخدام جهاز الموجات فوق الصوتية: 
"الجنين... جميلة جدًّا... تمامًا مثل شقيقاتها".