مَن يحتاج إلى الحرب في المنطقة؟

اليوم وقد حوصرت إيران وباءت محاولات أوروبا البلهاء في انقاذها بالفشل فإنها أشد الدول حاجة إلى الحرب.

بالتأكيد هي ليست مصر ولا سوريا ولا تركيا ولا السعودية ولا إسرائيل. باستثناء تركيا فإن تلك الدول لا تتطلع إلى ما يقع خارج حدودها باعتباره شأنا يهمها وإن كانت إسرائيل تسعى إلى تحييد ذلك الخارج.

بالنسبة لتركيا فإن مسألة الأكراد وحدها هي التي تدفعها إلى النظر إلى الخارج باعتباره مصدرا للخطر. فالمسألة الكردية تمثل بالنسبة لتركيا مسألة مصير، لا يمكن أن تناقش بغض النظر عمَن يحكم.

اما العراق ولبنان فهما دولتان مغلوبتان على أمرهما. فرضت الحروب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود على الأولى أما الثانية فإنها وضعت على صفيح الحرب المؤجلة الذي يبرد ويسخن حسب إرادة أطراف إقليمية امتدت أيديها إلى المائدة اللبنانية وصارت تعبث بمكوناتها.

العراق ولبنان هما مجرد ساحتين لعبث مؤلم.

بقيت إيران.

اعتبر الملالي حين سيطروا على إيران عام 1979 الخارج عدوا يجب الحذر منه واخضاعه إن تيسر ذلك الأمر عن طريق الحرب.

لذلك ليست لإيران مشكلة مع الخارج يمكن حلها. ويظهر الاوروبيون في ذلك المجال باعتبارهم أشد الناس حماقة حين يعرضون المال على إيران، اغراء لها وطمعا في تهدئة مخاوفها.

طبعا لا تملك إيران سوى أن تجاريهم غير انها في الوقت نفسه تبتزهم من خلال تلويحها بإمكانية انسحابها من الاتفاق النووي كما فعلت الولايات المتحدة من قبل.

في ذلك الجدل ينبغي الانتباه إلى أن طموح إيران في أن تكون دولة نووية "غير سلمية" هو الأساس الذي سعت إلى اخفائه من أجل أن تحصل على الوقت الكافي لتطوير قدراتها النووية كما أنها حصلت بعد أن وقعت على الاتفاق النووي على أموال، ما كانت تحلم بالحصول عليها لولا المكيدة البشعة التي دبرها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعد أن استجاب لنصائح جماعات الضغط الموالية لإيران في واشنطن.

هناك من يسر لإيران أن تضحك على الجميع من خلال الاتفاق النووي. وإذا ما كان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامئني ومن حوله المتشددون المحافظون قد أظهروا غضبهم عام 2015 من أن الحكومة الإيرانية قد وقعت على ذلك الاتفاق فإنهم اليوم يدافعون عنه باعتباره حيلتهم الأخيرة وهو ما يكشف كم كانوا منافقين في موقفهم الأول.

إيران في سلوكها وفي تعاملها مع الخارج تقدم أعظم مثال للنفاق السياسي.

ففي ظل توقيعها على الاتفاق النووي الذي يفترض أنه كان تمهيدا لعودتها إلى المجتمع الدولي كانت إيران قد وسعت من انتشار ميليشياتها في العالم العربي، بل إنها استطاعت أن تستعمل الأموال التي جنتها من ذلك الاتفاق في تمويل تلك الميليشيات ودعمها وهو ما دفع بها إلى الموقع الذي صارت تهدد من خلاله السلم والأمن الدوليين.

بعكس ما توهم الاوروبيون فإن الاتفاق النووي لم يحد من طموحات إيران النووية. ما فعلته إيران لم يخرج عن نطاق سياستها في تصدير الثورة أولا وثانيا فإنها كرست كل جهود علمائها في انتظار اللحظة التي تنعتق فيها من شروط ذلك الاتفاق عام 2025 لتعلن عن انضمامها إلى النادي النووي. يومها سيتم التفاوض معها على أسس جديدة، كما هو حال كوريا الشمالية.

غير أن إيران أشد خطرا من كوريا الشمالية التي لا تهدد سوى بلد واحد.

إيران تهدد منطقة كبيرة يصدر منها الجزء الأكبر من الطاقة إلى العالم.

اليوم وقد حوصرت إيران وباءت محاولات أوروبا البلهاء في انقاذها بالفشل فإنها أشد الدول حاجة إلى الحرب. ذلك هو ناموسها القديم الذي أحيته العقوبات الأميركية التي ستؤدي إلى خنقها من غير حرب.

إيران هي الدولة الوحيدة التي تحتاج إلى الحرب. لا لأن الأميركان يحاصرونها اقتصاديا بل لأنها لا تملك حلا لمشكلتها مع الخارج سوى الحرب.