ناقد مصري يقرأ المشهد المعاصر للشعر السعودي

إبراهيم النحاس في كتابه "في المشهد الشعري السعودي المعاصر.. مقاربات نقدية" يقترب من المشهد الشعري السعودي المعاصر الذي يصعب الإلمام به بشكل كامل.
النحاس يؤكد أن الوطن أيقونة يشترك فيها معظم الشعراء
الصراع وصلت حِدَّته إلى درجة إلغاء البعض للمنجز الشعري للفريق الآخر أحيانًا

يحاول الشاعر والناقد إبراهيم موسى النحاس في كتابه "في المشهد الشعري السعودي المعاصر.. مقاربات نقدية" الاقتراب من المشهد الشعري السعودي المعاصر، ذلك المشهد الذي وصفه في مقدمة كتابه بأنَّه يتسم بالثراء والتنوُّع مِمَّا يؤدي إلى صعوبة الإلمام به بشكل كامل من جميع النواحي، حيث يقرأ ويحلل أعمال للشعراء صالح زمانان، عادل عسلان بالحارث، عيد الحجيلي، معبر النهاري، مروان المزيني، نادية البوشي، محمد بن حمران، بشير الصاعدي، مارية الأحمدي، عبدالمحسن يوسف، سعيد العواجي.
وقد أشار النحَّاس في حوار لنا معه حول كتابه الصادر بالتعاون بين نادي نجران الأدبي ومؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بأنَّه اختار المشهد السعودي المعاصر انطلاقًا من أهمية الإبداع السعودي ذلك الإبداع الضارب بقوة في جذور تاريخ أدبنا العربي، باعتبار المملكة العربية السعودية مهد اللغة العربية فجد العرب جميعًا سيدنا إسماعيل عليه السلام، وهي قِبلة العرب جميعًا بل والعالم الإسلامي كله حتى قيام الساعة، وباعتبار خبرة شعرائها في الكتابة، تلك الخبرة التي ارتبطت بالشعر العربي منذ بداية ظهوره في شبه الجزيرة العربية.
وأضاف أنَّ جدلية الحراك الشعري بين التيار التقليدي المحافظ والتيار التجديدي صارت واقعًا ملموسًا في أدبنا العربي، ومنذ قرون طويلة والصراع الفنيّ قائم بين التيَّارين ذلك الصراع الذي وصلت حِدَّته إلى درجة إلغاء البعض للمنجز الشعري للفريق الآخر أحيانًا.
وأكد النحاس على أنَّ حركة المشهد الشعري في المملكة العربية السعودية لا تبتعد كثيرًا عن تلك الجدلية وهذا الصراع، ليحاول الكتاب الإجابة عن التساؤل حول موقع الإبداع السعودي من تلك القضية خصوصًا أنَّ هناك تجارب شعرية تنطلق بقوة نحو آفاق واسعة من التجريب سواء على مستوى الرؤية، أو آليات التشكيل الفني للقصيدة وفلسفة التعامل مع النص الشعري إضافة لقضية الشكل والبناء. 

المشهد الشعري

وأوضح النحّاس أنَّ هذا الصراع الفني واكبه بُعْدٌ دلالي اشترك فيه معظم الشعراء، وهو تقدير وتعظيم المكان أي الوطن والانتماء إليه، لقيمة هذا الوطن على المستوى الدينيّ أوَّلا، وللقيمة الإنسانية المرتبطة بحُب الوطن والانتماء إليه عند الشاعر ـ كإنسان ـ ثانيًا. لهذا لا يخلو ديوان مهما جنح كاتبه نحو الذاتية من قصائد تتغنَّى بحُب الوطن والانتماء إليه والفخر بمكانته الدينية بين الأمم على مَرِّ التاريخ. لنجد حُبَّ الوطن والفخر به أيقونة يشترك فيها معظم الشعراء في المشهد الشعري بالمملكة.
وقد اكتفى الكاتب بتناول تجارب شعرية معاصرة باعتبار أن التجارب السابقة قد تناولها كثيرون غيره بالنقد والبحث والتحليل فشملت القائمة تجارب للشعراء صالح زمانان وعادل عسلان وبشير الصاعدي وعيد الحجيلي ومحمد بن حمران ونادية البوشي ومعبر النهاري ومارية الأحمدي وآخرين.
وأكد النحاس أن النماذج التي قام بتحليلها في هذا الكتاب ليست وحدها هي الممثل الوحيد للمشهد الشعري في المملكة، لوجود تجارب شعرية كثيرة ثريَّة خصوصًا أن تلك القراءات النقدية لا تحمل حُكمًا بالقيمة على تلك الدواوين ولا تتبنى فكرة المقارنة بينها وبين تجارب أخرى في الكتابة، لكن جاء اختيار تلك الدواوين الشعرية - موضوع الدراسة - من خلال القرب منها في جناح إصدارات نادي نجران الأدبي في معرض الجزائر الدولي للكتاب، وفي معروضات مؤسسة" أروقة" للدراسات والترجمة والنشر والتوزيع بالقاهرة، وتحدَّث عن دور الروائي الناقد سعيد آل مرضمة والشاعر هاني الصلوي في إمداده بالدواوين الشعرية ومعلومات قيِّمة عن شعرائها. وأيضا من خلال اللقاء المباشر ببعض الشعراء خصوصًا شعراء المدينة المنورة خلال زيارته القصيرة لها لعامين متتابعين.
وأوضَح النحَّاس أن تلك الأسماء جاء اختيارها لسببين: الأول أن بها تجارب فنية جريئة تجنح نحو التجريب لدرجة الدهشة الفنيَّة، حيث نجد قصائد تنتمي بقوة نحو ما بعد الحداثة في طريقة التعامل مع شكل القصيدة، والصورة الشعرية، وتوظيف العتبات الأساسية كالهوامش، وتوظيف الفراغ الطباعي، وفضاء الصفحة والتكثيف الدلالي.
وقال "كما في تجربة الشاعر صالح زمانان خصوصًا في ديوانه "عائدٌ من أبيه" ذلك الديوان الذي يُقدِّم لنا العمق الإنساني في قصيدة النثر مع البُعد الفلسفي تجاه الذات والكون والأشياء، بل وتجاه قصيدة النثر نفسها باعتبارها قصيدة إنسانية تقوم على التشكيل البصري وليس الصوتي، ليستفيد الشاعر من الأنواع الأدبية الأخرى كالمسرح والقصة القصيرة موظفًا الهامش وفضاء الصفحة أو الفراغ الطباعي، وامتداد هذا البُعد الفلسفي ليشمل أولى العتبات النصية التي تساهم في فهم المتن وهي العناوين.
وعرض الكتاب لتجربة الشاعر عيد الحجيلي في ديوانه الثاني "جوامع الكمد" حيث بيَّنَتْ الدراسة النقدية للنحَّاس أنَّ "الشاعر يُعبّر عن حالة إنسانية وجودية تتمرد على الواقع الآني فتخلق واقعاً موازيًا يسعى نحو الخير والجمال، هذا الوقع الموازي يقوم على الإحساس بالذات وقيمتها، كذلك الجمال الذي تضيفه المرأة – بالمفهوم الفلسفيّ المُجرّد – للحياة، ثم الشِعر الذي يبقى ملاذاً للذات الشاعرة. 
وقد عبّر الشاعر عن رؤيته من خلال القصيدة القصيرة التي تستفيد من المُنجَز الإنسانيّ العالميّ المتمثل في قصيدة "الإبيجرام" اليونانية و"الهايكو" اليابانية، موظفاً لغة شعرية تقوم على التكثيف والتركيز وتوظيف اليومي والمعيشي مع الصوفي في معجمها، والانطلاق من الأصالة المتمثلة في تأثر الشاعر بثقافته الدينية من خلال التناص مع القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف نحو التجديد في قصيدة تشكيلية تستغل الفراغ الطباعيّ وفضاء الصفحة ولغة المفارقة وكسر أفق التوقع لدى القارئ من أجل خلق نص تفاعليّ، يجعل من القارئ مشاركاً في صنع الدلالة داخل النص، في تجربة تتجه بقوة نحو التجريب، وتؤصل لقيم جمالية جديدة تتجاوز التقليديّ المستهلك ـ لدى البعض ـ في ذائقتنا الشعرية العربية مع الحفاظ على أصالتها.
وحول ديوان "بسملة" للشاعر مُعبِّر النهاري رأى النحَّاس أنَّ الشاعر يجعل من المكان محورا ً للرؤية، مع اتساع للحقل الدلاليّ لكلمة المكان ليحتضن بالحُب والجمال كل ما حوله: الأماكن والأشخاص والمرأة، هذا الحُب الذي يدفع الذات إلى التعبير عن قلقها من الاغتراب ومن أيَّة سلبيات قبيحة قد تشوِّه هذا المكان/ الجمال/ الحُب، لتنتهي كل المحاور الفرعيّة إلى المحور المركزي وهو الوطن بمكانته الرُوحيّة والنفسيّة والماديّة، مستخدِما لغة تقوم على الثراء في توظيف المجاز والخيال، ليصبح جمال اللغة في تجليها التصويريّ معادلا موضوعيا لجمال الرؤية التي ترتكز على عظمة المكان وجمال الأشخاص والمرأة والحياة.

أما عن ديوان "مدارج عشق" للشاعر محمد بن حمران، فلفت النحاس إلى أن تنوُّع البنية الإيقاعية في الديوان هو أحد السمات الفنية البارزة، تلك البِنية التي تميَّزت بالتنوع و الثراء، فمع التزام قصائد القِسم الأول بالشكل العمودي التقليدي في بناء القصيدة التي تقوم على وحدة الوزن العروضي والقافية، نجد القِسم الثاني يتنوع بين قصائد التفعيلة مثل قصيدة "دكاكين الغرام" وقصيدة النثر مثل قصيدة "المحبة"، وقد تميزَتْ البنية الإيقاعية بالحساسية الشديدة، لدرجة أنّه يربط بين الإيقاع الموسيقي للقصيدة ودلالتها، فنجد توظيف الشاعر للبحور العروضية ذات الإيقاع السريع الراقص في قصائد الغزل مثل استخدام مجزوء بحر الرَّمَل بتفعيلته الراقصة السريعة "فاعلاتن"، كما في قصيدة "سُكْر عِشقٍ"، وفي نفس الوقت يستخدم الشاعر البحور الشعرية ذات الإيقاع الموسيقي الهادئ الرصين مع الموضوعات التي تتناسب مع هذا الإيقاع، كما في قصائد الفخر والاعتزاز بالوطن كاستخدامه لبحر الكامل في قصيدة "بلادي"، مِمِّا يؤكد نزوع الكاتب نحو التجديد والتطوير المستمر لأدواته الفنية على مستوى البنية الإيقاعية للقصيدة والخيال واللغة مع الحفاظ على الأصالة في ذات الوقت.
تناول النحاس للمكان وتجلياته في المشهد الشعري السعودي حضر في قراءته لتجربة الشاعر مروان المزيني في ديوانه "رداء الشِعر" فقد توَحَّدَ الشاعر روحيَّا بالمكان الذي صبغ عليه القيم الأخلاقية والإنسانية الرفيعة، وامتزجت تلك القيم بمرآته – أي الشِعر – ليُمثِّل رداء الشِعر في جوهره صورة تلك القيم الرفيعة التي تجلّتْ في المكان ونفس الشاعر وشِعره لتفوح بعبقها وتأثيرها على كل مظاهر وتفاصيل الحياة حوله. وذلك في قصيدة تتميز بالتنوُّع في توظيف الصورة الشِعرية والمعجم اللغويّ وشكل القصيدة وبنيتها الإيقاعية، ليصنع الشاعر عن وعي وقصديّة فنيّة نسيجا متناغما يجمع بين الأصالة والحداثة دون انحياز جمالي أو فني لأحدهما على حساب الآخر، حتى وإن بدا ـ ظاهريَّا ـ سطوة الأصالة على الحداثة داخل الديوان.
وقد كانت المرأة حاضرة داخل الكتاب ولم تغب عن المشهد الشعري وكان هذا من خلال تجربتين متميزتين الأولى للشاعرة نادية البوشي في ديوانها "بما سيَجِدُّ من تأويل" ذلك الديوان الذي يسعى في رؤيته لتحقيق واقع عربيّ أفضل يتجاوز ما فيه من عيوب وسلبيات وانحراف فكري وعقائدي، ويسعى من خلال الدعوة إلى الحُب وقبول الآخر والإيمان بحقه في الاختلاف وتعظيم دور الفكر والتنوير والفن/ الشِعر إلى الرقي بالقضية الكبرى في واقعنا تلك القضية هي الإنسان، في قصيدة حملت على عاتقها شعلة التجريب ورفضت الانكفاء على آليات تقليدية مستهلَكة. 
كما تناول الكتاب تجربة الشاعرة مارية الأحمدي في ديوانها "تعاويذ أولَى" الذي يحمل في داخله الشعور بوجع الذات نتيجة لغياب الآخَر، مع الحُب الشديد للوطن والانتماء إليه، وإعلاء قيمة الشِعر ليكون الملاذ والحماية للذات الشاعرة من كل ما يؤلمها، وقد قامت الشاعرة في سبيل التعبير عن رؤيتها بتوظيف القصيدة القصيرة جداً التي تقوم على التكثيف الدلاليّ، وكسر أفق التوقع لدى القارئ.