نتنياهو مهزوما في كل أحواله

الحكاية الفلسطينية لم تبدأ بحماس وهي لن تنتهي بها.

لن يخرج نتنياهو منتصرا من حربه في غزة. لا يعني ذلك أن جيشه سيُهزم عسكريا، بل لأنه قاد ذلك الجيش إلى موقع، لن يخرج منه إلا مكللا بعار قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعاجزين والمرضى. أما عدوه فإنه لن يعثر عليه بعد كل هذا الركام من الجرائم التي حاول ويحاول من خلالها التغطية على فشله الذي يعرف أنه سيدفع ثمنه سياسيا في أقرب وقت وأسرع مما يتوقع.

لا أقول ذلك من باب رفع المعنويات. أعرف أن معنوياتنا قد تعبت من محاولات رفعها من غير جدوى. فكل شيء فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني يدعو إلى اليأس بعد أن تخلى المجتمع الدولي عن مسؤوليته عن تنفيذ القرارات الدولية التي سبق له وأن تبناها من أجل وضع حل نهائي للمأساة الفلسطينية التي صارت اليوم أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل رحلة العودة إلى رام الله التي لم تسفر عنها ولادة شرق أوسط جديد متحرر من ماض استعماري ثقيل.

لا تزال إسرائيل تمثل لحظة سوداء غادرتها البشرية هي لحظة الاستعمار البغيض. فمهما تواطأ الغرب من أجل أن يزين تلك الجريمة باعتبارها حلا لضياع شعب فإنه ذلك الحل قد أدى إلى ضياع شعب أُغتصبت أرضه وعاش عبر سبعين سنة مشردا لا تغادر خياله فكرة العودة. هي فكرة قاوم من أجل صيانتها وتطويرها جيلا بعد جيل. لم تكن تلك المقاومة حكرا بالسلاح، بل أن الفلسطينيين عرفوا كيف يروضوا وحشية العالم بالمعرفة فصارت قضيتهم واضحة بالنسبة للكثيرين حول العالم وهو ما كشفت عنه الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها مدن العالم.

وبغض النظر عن الموقف الغربي المناصر لإسرائيل في حربها فإن ما كسبه الفلسطينيون على مستوى التعريف بقضيتهم لن يتراجع، بل أن الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة ستفتح الباب على سؤال يتعلق بمسؤولية المجتمع الدولي عما يجري. وهي مسؤولية لن يسقطها قيام حركة حماس بخطف مدنيين، هم في حقيقتهم مستوطنون قرروا بمحض إرادتهم الإقامة على أرض مغتصبة لا يزال سكانها الأصليون يحلمون باستعادتها.

فالحكاية الفلسطينية لم تبدأ بـ"حماس" وهي لن تنتهي بها. ما صار يعرفه العالم من فصول تلك الحكاية لا علاقة له بمنظمة مسلحة، أضطر الكثير من الفلسطينيين إلى الوقوف خلفها إحياء لقضيتهم التي يشعرون أن جزءا من العالم وهو الجزء الأقوى إعلاميا صار يعمل على إلحاقها بالتاريخ، كما لو أن شعب تلك القضية صار من المخلفات التي يجب نسيانها كما حدث للشعوب الأصلية في الولايات المتحدة وإستراليا وسواهما من الأراضي التي أُبتليت بغزوات الرجل الأبيض. تعاطف الفلسطينيين مع حماس لم يجر حبا بها، بل شعورا بالواجب إزاء قضيتهم التي يجب أن تظل حاضرة تأكيدا لحضورهم على الخريطة الإنسانية.

لذلك فإن نتنياهو هُزم حين تخيل أن حربه قي غزة ستكون مبررة من خلال محاولته اقتلاع حركة حماس ونسي أو تناسى أن هناك شعبا لا يقيم في غزة وحدها، بل في مختلف أنحاء العالم سيقاومه لا من أجل الدفاع عن حركة حماس بل من أجل التأكيد على الهوية الفلسطينية لغزة، وهي هوية ارتبطت بالنضال الوطني الفلسطيني بأشكاله المتعددة. فغزة ليست حماس وحماس وليست غزة. أما وقد التبس الأمر على عقل نتنياهو المريض بعنصريته فقد صار واجبا على العالم أن يوقظه ويضمه إلى العقول الشريرة التي ذهبت إلى بقعة مظلمة من التاريخ. وبهذا يكون نتنياهو قد خسر حربه قبل أن يبدأها. ما وقد زين حربه بجرائم ضد الإنسانية لا يزال الوقت أمام الغرب مبكرا ليعترف بها فإنه قد وضع الغرب كله على مفترق طريق. أما أن ينتصر لقيمه الإنسانية أو يعلن بكل وقاحة أن تلك القيم يُمكن أن تُداس من أجل عيني نتنياهو.

ربح نتنياهو تعاطف العالم الغربي ونصرته مؤقتا غير أنه وما دام لم يربح الحقيقة فإن مستقبله السياسي قد انتهى بغض النظر عما يمكن أن تنتهي إليه مغامرته في غزة. لقد ارتكب من الجرائم ما لا يتحمله ضمير أي شعب. وهي جرائم لا يمكن الدفاع عنها. أراده الغرب منتصرا. أما أن يخرج مهزوما من وجهة نظر شعبه فلا أحد سيلتفت إليه. كانت مغامرته في غزة أسوأ رد على ما قامت به حماس التي لم تكن مغامرتها إلا رد فعل طبيعيا على جريمة صار عمرها أكثر من سبعين سنة.