نجيب محفوظ ومحمود الخطيب .. حوار في الثقافة الكروية

صاحب نوبل يؤكد أن كرة القدم تعكس الحياة الاجتماعية أكثر من أي لعبة أخرى.
محفوظ للخطيب: أوصيك بالتقوى ومقاومة الشهوات
إذا كانت لديك موهبة التمثيل فلا تتردد

حوار نادر في الثقافة الكروية . حوار بين الكابتن محمود الخطيب "بيبو" لاعب الكرة الشهير بالنادي الأهلي ومنتحب مصر (والآن هو رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي) وبين كاتبنا الكبير نجيب محفوظ.
أعد الحوار ورتَّب له الناقد الرياضي عباس لبيب (الذي توفي في عام 1984 عن 58 عاما). أما الحوار نفسه فقد نُشر في مجلة "الطليعة" في شهر يوليو عام 1977. وذكر لبيب أنه لقاء العمالقة، لقاء قائم ومستمر، بين عملاقين كل منهما يتربع على عرش بعيد تماما عن الآخر، ميدانان مختلفان في نوعية الخلق والأداء، بل وفي أسلوب العرض والإنتاج. حوار بين عملاق القصة المصرية صاحب الثلاثية والكرنك وثرثرة فوق النيل وميرامار الروائي الكبير نجيب محفوظ، ونجم مصر الكبير محمود الخطيب.
جرى الحوار (وجها لوجه) في الدور السادس بمبنى الأهرام، حيث صومعة نجيب محفوظ الذي كان بتعبيره الخاص "لعيّبا في صباي ولم تكن تفوتني أية مباراة للكرة رحم الله حجازي والتتش".
الحوار الذي يمتد بين الأدب والرياضة والقصة وكرة القدم يبدأه نجيب محفوظ بقوله: أهلا .. احنا عجّزنا وكنا نتمنى لو قدرنا نتتبعك في المباريات، ولكن السن والظروف لا تسمح.
•    الخطيب: إني أشكر الحظ الذي أتاح لي لقاء عملاق القصة. وهل تقبل الدعوة لحضور مباراة لفريقي الأهلي، وما هي آخر مباراة شهدتها؟
-    أنا لعبت زمان كورة كقلب دفاع في ثانوي، وبعدين ظروف دراسة الجامعة منعتني عن الاستمرار. وآخر مباراة شهدتها عام 1930. وما كانش يفوتني ماتش، زي السينما بالضبط. وأنا آسف بالنسبة للدعوة. فصحتي لا تتحمل الانفعال الشديد. ساعات وأنا بآكل يصادف رؤيتي للقطات كورة، أروح مندمج وناسي الأكل، فألحق نفسي واروح منسحب من أمام التلفزيون.

الثقافة الرياضية
نجيب محفوظ والخطيب في جريدة الأهرام

•    من يعجبك من نجوم زمانك؟
-    التتش وحجازي، وأنا سمعت أنك تتعرض للخشونة، ودي حاجة قديمة في الملاعب. واحنا زمان كنا بنمزج السياسة بالكورة خلال اللعب مع الفرق الإنجليزية. ونعمل على الفوز عليهم حتى بالعنف، كسبيل لرد الاعتبار.
•    ما رأيك في تعصب الجماهير لأندية معينة؟
-    التعصب موجود من زمان. والزيادة جاءت من التلفزيون، ولكن الحماس والتعصب كان موجودا، وكل واحد له ناديه، وكان فيه أتوبيس شرطة للطوارئ.
•    قيل بأن الكرة كانت من أسباب هزيمة 1967؟
-    هذه سخافة، ولا أساس لذلك من الصحة. طيب ما كان فيه كورة أيام حرب أكتوبر المجيدة. أسباب الهزيمة معروفة. وعيب نلزقها في الكورة وأم كلثوم. الرياضة قوة ونشاط. وانجلترا في عز مجدها السياسي كانت مجنونة كورة.
•    ما هو تفسير عشق الجماهير في العالم لكرة القدم؟
-    بمقارنتها بجميع الألعاب نجدها تختلف. السباحة والمصارعة لا يراها إلا قلة. أما الكرة فتلعب في مساحة كبيرة. ويشهدها مجموعات ضخمة، وهي تعكس الحياة الاجتماعية أكثر من أي لعبة أخرى، فهناك التعاون والأخلاق، بل والروح السياسية. ويندمج فيها المتفرج بكل حواسه، وبالتالي فهي قمة الألعاب. ولا شك أن الأداء المرتفع المستوى يعطي إحساسا بالجمال تماما كالصوت الحلو أو النغم الشجي.
•    لماذا يفلت الزمام أحيانا ويحدث الشغب؟
-    تلك هي طبيعة الإنسان، يحب الفوز ويكره الهزيمة. ومن ثم يأتي رد الفعل خاصة لو أحس أنه قد ظلم، وبالتالي نرى انفلات الأعصاب.
•    لو عاد بك العمر هل كنت ستستمر في الرياضة؟
-    كنت عاشقا ولهانا لها في صباي. وكان يتهيأ لي أن عمري ما أتركها، وسبحان الله فقد حصل.
•    هل يمكن أن يحدث ذلك لي؟
-    ما تقدرش .. احنا كنا على الهامش، ولكنك فنان مشهور، وستضحي بالتالي بأي شيء في سبيل حبك لها. وذلك تماما كالأدب بالنسبة لي، خاصة وأن الكرة مستقبل مضمون الآن.
•    بالعكس .. إننا نعيش ليومنا ولا ضمان للمستقبل؟
-    ذلك خطأ، مادام هناك دخل كبير، وهناك متعة مؤكدة للجماهير، فيجب أن يكون هناك ضمان للمستقبل بعد الاعتزال. 

sports culture
الخطيب لاعبا

•    نصدم أحيانا، عندما نقرأ عن آراء تستهين بالكرة ولاعبيها، ولقد تعرضت للنقد الشديد وبلا ذنب بسبب تأليف كتاب عني؟
-    العملية اختلاف في الأفكار، وقد يعجب الأب باللعبة ويتعلق بها بشدة، ولكنه قد يحرم ابنه من مزاولتها. وتأليف كتاب عنك شيء طبيعي في حسباني، مادام الجمهور مهتم، وهناك ضمان من الناحية التجارية، وعادة تحب الجماهير معرفة كل دقائق حياة النجوم التي تعشقها. وأنت شخصيا لك مكانة خاصة في نفوس أولادي، ويا ترى ما هو تأثير الشهرة الكبيرة عليك؟
•    وجدت أنها نعمة من الله. يجب أن أحافظ عليها، بالبعد عن أية تصرفات شخصية قد تسيء إلى سمعتي، وحرمت نفسي من أشياء كثيرة جدا.
-    الشهرة ثمنها غالي، وهي مقياس النجاح، الشهرة في حلاوتها وجمالها في نفس الوقت هي مسألة وحرمان وعبء والدنيا آخذ وعطاء. في رمضان مثلا أتمنى لو أقعد في الفيشاوي؛ ما اقدرش.
•    شخصيات قصصك تكاد تنبض بالحياة، فهل قصصك من الواقع أم من الخيال. وهل هناك احتمال في أن نقرأ عن شخصية لاعب كرة في قصة جديدة لك؟
-    شوف الفن بياخد من الواقع ويرجع للواقع. والمادة حتى من الحياة. وقد يلهمني الخطيب مثلا شخصية، وأن كادت تتغير خلال القصة، إلى حد قد لا تتبينه. وقد يحدث أن تتضمن قصة لي شخصية لاعب كرة، ولم لا ولقد سبقني الكاتب أرنولو ينيت في الكتابة عن كرة القدم.
•    أحس بقلق شديد قبل كل مباراة خشية ألا أجيد فهل ده طبيعي؟
-    القلق في حياة المشاهير حقيقة واقعة. وأنت ماشي لفوق المسئولية محدودة ولا يعرفك أحد، ولكن لما توصل القمة، فهنا المشكلة. فالمحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها، فهناك جيش زاحف لمنافستك، في الأول يمكن تظهر بحالة 60 في المائة، ولكن دلوقت أي حركة، البلد كلها بتبص للخطيب. وأنا شخصيا أشعر بالقلق دوما، ولا تصدق أن أحدا لا يحس به، أما إذا زال القلق فهنا الغرور والنزول من القمة.
•    يسعدني أن أجد ذلك التقدير لكرة القدم من قمة أدبية.
-    الرياضة أمر خطير، وهي من أسباب وحدة الإغريق، وبالتالي الوحدة العالمية في الألعاب الأوليمبية، والرياضة إحدى العوامل الرئيسية للتربية، وفيما يتعلق بكرة القدم فعندما نتوصل بحسن مستواها إلى إمتاع الجماهير، فيجب أن تعتبر كفن مثل أي فن آخر كالغناء مثلا. ولي سؤال لك، ما هو رد الفعل إزاء هتاف الجماهير وتعلقهم بك؟
•    أحس بجميلهم حول عنقي، والتزامي نحوهم بتقديم كل ما أستطيع لأسعدهم. وأدعو الله دواما أن يوفقني.
-    شيء جميل، وأنا أحيي فيك ذلك الوفاء. وأنا سعيد بأن نجم الكرة الأول على هذا الإيمان، وأنا أوصيك بالتقوى ومقاومة الشهوات، لقد عرفت في زماني أبطالا عظاما، كانوا ضحية للشهوات، وقوام الإنسانية القيم والسمعة الطيبة، والإيمان ثقة بالنفس وقوة على بذل الجهد، ويحمي من شرور لا حصر لها. وعلى فكره هل تقبل التمثيل بالسينما لو عرض عليك؟
•    الحقيقة لم أفكر في الأمر.
-    من رأيي ألا ترفض، ولكن بشرط ألا تعتمد على شهرتك كلاعب فحسب، فيجب أن يكون لديك موهبة التمثيل. الجمهور حيروح علشان الاسم، وبعد دقائق من بداية الفيلم يبحث عن الممثل، فإذا كانت لديك الموهبة فلا تتردد، وبشرط أن تقدم وتحصل على ما يوازي اسمك.
•    لقد زادت محبتي للكرة، فلقد مكنتني من لقاء نجيب محفوظ.
-    يا ابني أنا اللي سعيد، لقد أعدتني إلى شبابي والذكريات الحلوة. وعلى فكرة أنا أهلاوي قديم جدا. وإن كنت نقلت تعلقي إلى نادي المختلط (الزمالك فيما بعد) لما انتقل له حسين حجازي. على كل حال أنا أعدك بمتابعة كل مباراة لك في التلفزيون وفقك الله وأكثر من أمثالك في الرياضة.