نحن هنا لنرتكب الخطأ الذهبي

خلف سياج (أخطائه/أحلامه)، يترك لنا أمجد توفيق إضاءات وصلبانا، كمسوغات لإرتكاب أخطائه الذهبية.
هل من علاقة تربط بين فعل اجتراح الكلمة ووزر ارتكاب الفكرة؟
اجتراح المزيد من فعل اللغة الذي يطوح بركائز القناعات ويستبدلها بشكوك السؤال

لكي نرتكب أحلامنا الشخصية (الشخصية بمعنى أنها لا تُهم غير جزئنا العصي على الكشف)، فعلينا أن نتوضأ بزمزم الشعر؛ أما لكي نرتكب أخطاءنا الذهبية فعلينا أن نغسل العالم عن جلودنا بأحزاننا السرية، التي لا يمكن أن نتحدث بها لغير أنفسنا، في ليالي ضياعنا منا... من أنفسنا.
هل من رابط بين الحلم والخطأ، داخل فصول وأروقة كاتب أديب؟ وفق فهم أن فعل الكتابة الأدبية ارتكاب، نعم.
هل من علاقة تربط بين فعل اجتراح الكلمة ووزر ارتكاب الفكرة؟ نعم، إنه الجدل، جدل بحث الأسباب عن مسبباتها أو بحث فضاء الكتابة عن تشوفاته: تطلع الكاتب أو مخياله لاجتراح المزيد من فعل اللغة الذي يطوح بركائز القناعات ويستبدلها بشكوك السؤال.
لندع الكاتب، وهو هنا كاتب مخصوص (أمجد توفيق) يتلظى على نار فرضياته الأولية، (التي بناها على افتراضات صديقه المتشوق لفعل بناء تاريخه من الأحلام)، ولننظر نحن إلى ما خلف سياج فرضياته، وهذا ما يتيحه لنا فراغه من ارتكابات فعل القص (في مجموعته القصصية "الخطأ الذهبي") وتقديمها لنا لننظر فيها وفي ارتكاباتها، لأنها الآن صارت ملكنا، بعد أن نفض يديه وغسلها من (خطيئة ارتكابها).
خلف سياج (أخطائه/أحلامه)، يترك لنا أمجد توفيق إضاءات وصلبان، كمسوغات لإرتكاب أخطائه الذهبية، وهي القناعات المترجرجة أو المجتزأة من جلود مرورنا بوادي الأحلام، وهو المشابه لوادي عبقر الشعراء.
هل من وادٍ محدد تأتي منه الأحلام؟ لا أحد يعرف.
هل من سقف يجب أن يحدد لون سماء الأحلام؟ 

short story
قناعات منتصف الطريق

هل يجب أن تمر الأحلام (وأخطائها) على نقاط تفتيش أو فلاتر تنقية؟ وحدهم أصحاب القناعات يقولون نعم!
أما سعيد المسعودي، ومن شاكله من أبطال القصص، فيقولون: الحلم بحيرتنا الدافئة وعلينا السباحة فيها مادام ماؤها ساخناً، أما عندما ينقطع عنه الدفء فعلينا أن ندفئه بطرقنا الخاصة أو بذات الطريقة التي يكمل بها، سعيد المسعودي، رؤية فيلم سهرته، عندما ينقطع التيار الكهربائي عن تلفزيون صالة استراحته: بتخيل الأحداث المكملة لقصة الفيلم وبوضع النهاية التي يحب له، من خياله. 
دعونا نبقِ الخيط مشدوداً بين ناصية الحكاية ووتد خطأ ارتكابها (الحلم الذي يقودنا إليه مجبرين)، من أجل ملء فراغات الوجود من حولنا، العالم، المعيش اليومي، وأخطائنا السرية التي لا نطلع عليها أحد (رغم أن بعض النساء لها القدرة على استشفافها، بدفعنا إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء الذهبية!)... وأيضاً مرارتنا التي يُعاقب عليها أصحاب القناعات! فعلى هذا الخيط أن لا يتهدل، لأن تهدله إنما يعني أننا سنصير في مدى الإجابة التي تقتل السؤال، والسؤال هو أداة وفعل التحريك الذي يدرأ عنا موات القناعات المرتجلة أو التي تتعب في منتصف الطريق، ونحن مازلنا في أول مسيرنا باتجاه خطأنا الذهبي. وأول الزمن الذي يحول عنقود العنب إلى نبيذ، بلغة صديق (المنشئ السارد) المغترب.
إذاً لنبقِ الخيط مشدوداً من أجل أن نبقى تحت سقف الحلم (الرحيم) (لأنه يوفر للإنسان إعفاءً مطلقاً من كل مسؤولية أو ذنب. كما يقول راوي أمجد توفيق، لأن "الحلم يطعن المنطق بمنطق مغاير تماماً، قوامه الانتصار على محددات العقل" كما يضيف موضحاً الراوي ذاتها، وهذا يعني أن الحلم مراح وعراء الرب المفتوح، كحضن أمنا الطبيعة، الذي يتيح لنا أن نصرخ ونصرح بما تمنعنا منع قناعات ومحددات كل السلطات في صحو الواقع، إضافة إلى إنه يوفر لنا، نحن الصارخين تحت لجاجة السؤال ونخزه، إعفاءً مطلقاً من كل مسؤولية أو حساب أو عقاب، بعد أن صرنا في زمن (قناعات منتصف الطريق) بما يحمل من قمع وترهيب وتكميم.
إذا هي الحرية من باب الحلم الذي يطعن منطق أصحاب القناعات، بمنطق مغاير ويعيد للعقل عرشه وصولجانه.
هل هذا تحريض على ارتكاب الأخطاء؟
كلا! علينا أن نتساءل أولاً، ومادامت كل حياتنا قد بدأت بخطأ أو فعل غواية، كما يقول الموروث الديني: هل الخطأ طارئ على الحياة أم هو فعل تحريك فيها؟ هل كان للحياة أن تستمر وتتطور لولا كم الأخطاء التي ارتكبنا ومازلنا نرتكب؟ إذا هل نحن هنا لنرتكب الأخطاء...؟ على الأقل من أجل أن نرتكب الاخطاء الذهبية، أي أن نحلم، نحلم كثيراً من أجل أن نرتكب أخطاءنا الذهبية ونطفو على أخطاء أصحاب القناعات المترجرجة أو قناعات منتصف الطريق.