نزيهة في البرلمان العراقي


العراق المخطوف يعيش هزيمته التاريخية، لكن النساء أكبر الخاسرين فيه، والتراجيديا الرثة للانتخابات البرلمانية تجسد لنا ذلك.
عن أي خيبة نتحدث عندما نستمع إلى هراء ممثلة النساء في العراق المخطوف؟ لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئا لنا بعد الانتخابات البرلمانية.

ردت الروائية العراقية الراحلة ناصرة السعدون التي ارتدت الحجاب في سنوات عمرها الأخيرة، على سؤال محاورها التلفزيوني عما إذا كان سبق لها وأن ارتدت العباءة العراقية، بالنفي من دون أن تحط من قيمة تلك القطعة السوداء الطويلة التي مثلت هوية نسبة كبيرة من العراقيات في القرى والأرياف وأقل منها في المدن.

تكاد السعدون أن تكون مثالا معبرا بامتياز عن المرأة العراقية بذهنها المنفتح وثقافتها الموسوعية، وقبل ذلك وطنيتها التي لم تتنازل عنها.

لم ينظر إلى العباءة العراقية بأي دلالة دينية كما يحصل اليوم مع النقاب والحجاب. ولم تؤرخ الذاكرة العراقية إلى أن أول وزيرة عراقية في العالم العربي نزيهة الدليمي التي تقلدت المنصب عام 1958 قد ارتدت العباءة!

كما أن الدولة العراقية “عندما كانت دولة وتحولت اليوم إلى مسجد وحسينية” وتقلدت فيها النساء مناصب عليا، لم يحصل في أسوأ مراحلها أن تكون ممثلة النساء معبرة عن التخلف المدني والعشائري أو الطائفي كما يحصل اليوم. لذلك لن يكون مفاجأة لنا أن تمثل نسبة كبيرة من المرشحات للانتخابات العراقية من فازت منهن ومن خسرت أمس مثالا عن الانهيار عما كانت عليه المرأة العراقية.

ومع تكرار السؤال عمن يمتلك الحق في إضفاء الطابع الديني على الدولة، تحول النقاش إلى نوع من اللغو لا يشبه إلا المرويات الخرافية التي تتلى من أعلى منابر المجالس الطائفية.

أرى أن العراق المخطوف يعيش هزيمته التاريخية، لكن النساء أكبر الخاسرين فيه، والتراجيديا الرثة للانتخابات البرلمانية تجسد لنا ذلك، عندما تتحول النائبة في البرلمان إلى مدافعة شرسة عن إعادة المرأة العراقية إلى الكيس الأسود! لدينا العشرات من الأمثلة الموثقة عند السيد يوتيوب.

والتاريخ مع حال المرأة العراقية هنا يملك سطوته ليكون المثال الأدق عندما نستعين به.

قبل مئة وخمسين عاما رفعت امرأة تُدعى ميرا برادويل دعوى أمام المحكمة العليا الأميركية تطالب بحقها الدستوري في الانضمام إلى نقابة المحامين في ولاية إلينوي وبعد أن اجتازت امتحان النقابة في الولاية بامتياز مع مرتبة الشرف.

وفي عام 1940 أكملت صبيحة الشيخ داود دراسة الحقوق فحازت على لقب الحقوقية العراقية الأولى، بعدها انضمت إلى نقابة المحامين، إلى أن وصلت إلى قاضية في المحاكم العراقية.

كانت أول جملة لنانسي أستور أول امرأة تصبح عضوا في البرلمان البريطاني عام 1919 “يجب ألا يحتكر عرق واحد الحكم في العالم، فإحدى المصائب الكبرى في الحضارة، هي سيادة وسيطرة عنصر واحد”.

لكن عن أي خيبة نتحدث عندما نستمع إلى هراء ممثلة النساء في العراق المخطوف؟ لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئا لنا بعد الانتخابات البرلمانية.