نصرالله زعيم لبنان الرث لا يرى شعبا لا يحبه

يمثل الشعب اللبناني الجبهة الأكثر خطرا على زعيم حزب الله بالمقارنة بجبهة إسرائيل.
لم يتصدر لبنان جبهة الممانعة كما يزعم نصرالله
أخطأ نصرالله في التعبير عن سروره بهزيمة واشنطن في أفغانستان حين أشرك اللبنانيين معه في السعادة

حين يتحدث حسن نصرالله زعيم حزب الله عن لبنان فإنه يتحدث عن بلد آخر غير لبنان وعن شعب آخر غير الشعب اللبناني.

صحيح أن الأميركان الذين يحاول نصرالله تعليق مشكلات لبنان برقابهم موجودون في المنطقة، كانت ولا تزال لديهم مصالح فيها، غير أن ذلك لا يعني أن لهم يدا في الانهيار المالي الذي شهده لبنان وألقى بظلاله الكئيبة على اقتصاده وعلى لقمة العيش فيه.

لم يتصدر لبنان جبهة الممانعة كما يزعم نصرالله. لم يعلن شعبه حربا مفتوحة على إسرائيل وإن كان لا يميل إلى تطبيع العلاقات معها. الحرب شيء والامتناع عن التطبيع شيء آخر. أما أن ينظر نصرالله من خلال ثقب تنظيمه الإيراني المسلح ويتوهم أن كل لبنان يقوم بذلك فإن ذلك يؤكد عمق الانفصام النفسي الذي يعاني منه الرجل الموهوم بعظمة لا تستقيم مع الواقع المزري الذي نتج عن سياساته.

فليس مؤكدا أن اللبنانيين كلهم يكرهون الولايات المتحدة وإن كرهها بعضهم فإنه لا يتفق بأسباب كراهيته مع أسباب كراهية حزب الله النابعة من التبعية الإيرانية. وفي المقابل فإن الولايات المتحدة لا تملك مصلحة في تجويع وحرمان وتفقير وتشريد وتهجير اللبنانيين. كما أنها لا تملك وسيلة للقيام بذلك.

إسرائيل نفسها لا تقوى على الاضرار بالاقتصاد اللبناني وحياة الناس العاديين وليس لديها من الأسباب ما يجعلها أن تقوم بذلك. إسرائيل تنظر بأمل إلى المستقبل الذي يحاول نصرالله أن يكون وصيا عليه مثلما هو حاله مع الحاضر الذي يتمنى اللبنانيون زواله كما لو أنه كابوس.

أخطأ نصرالله في التعبير عن سروره بهزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان حين أشرك اللبنانيين معه في السعادة. من وجهة نظره فإن ذلك الانتصار يُسجل للشعب اللبناني الذي يقف في مقدمة الصفوف التي تقاوم الولايات المتحدة وإسرائيل وتعاني من سياساتهما.

في ذلك الكلام الكثير من إنكار الحقيقة والضحك على العقول غير أنه ينطوي أيضا على قدر هائل من التجرد الأخلاقي. فنصرالله الذي لا أعرف له أية صفة رسمية كان يظهر في خطاباته بعناوين كثيرة. هو قائد عسكري وخبير اقتصادي ومحلل سياسي وواضع خطط استراتيجية في مجالات التعليم والصحة والمجتمع والثقافة، كان يلقي نصائحه فيما الطبقة السياسية الفاسدة تجلس أمام الشاشة مشدودة إلى مآثر عبقريته.

ولكن ذلك لا يبيح له أن يحدد للشعب اللبناني الجهة التي يجب أن يوجه لها اللوم كونها الطرف الذي كان السبب في ما يعيشه اليوم من حالة ترد على المستويات كافة وفي مقدمتها الغذاء والدواء والكهرباء والماء. فإذا كانت الطبقة السياسية غير ناضجة وتتألف من مجموعة من اللصوص والمنتفعين والانتهازيين وورثة الكراسي فإن الشعب الذي يوجه إليه نصرالله خطابه ويسعى إلى تلقينه دروسا في الوطنية وفهم السياسة هو شعب راشد، عرف الحرية ومارسها وكان بلده لعقود من الزمن رمزا للتحرر والكلمة الحرة والرخاء الكريم.

لا أحد في إمكانه أن يقول للسيد نصرالله "هناك سوء فهم بنيت عليه كل لستنتاجاتك. هناك شيء لم تفهه. ذلك الشيء هو الشعب اللبناني الذي تخاطبه. يمكنك أن تخاطب أفراد عصابتك بكل ما يخطر في ذهنك فهم مغسولو العقول وهم يصدقون أن الحقيقة لا تصدر إلا من فمك بل هم غير معنيين بالحقيقة ما داموا يبجلون أصنام طهران."

فالسيد الذي يؤثث جنونه بجمل مفخمة مستعارة من الخطاب الإيراني يعرف أن الشعب اللبناني يمكن أن يهزمه بيسر إذا ما تُرك باب السجال مفتوحا. لذلك فإنه حدد سلفا ثمن أي نقد يوجه إليه وإلى حزبه من الرصاصة إلى إعلان الحرب. إنه يشعر براحة عظيمة لأن اللبنانيين لا يرفعون أيديهم عن قلوبهم وهم يتساءلون "متى تبدأ الحرب؟" ليس مهما ضد مَن. ولكن لبنان هو الذي سيدفع تكلفتها الباهظة. اما بالنسبة لنصرالله فلا فرق بين أن يشن حربا على اللبنانيين المارقين أو يدخل في حرب مع إسرائيل.

يعرف نصرالله أنه يحارب على جبهتين. يمثل الشعب اللبناني الجبهة الأكثر خطرا بالمقارنة بجبهة إسرائيل. وهو يعرف أيضا أن كل أكاذيبه عن العدوين الأميركي والإسرائيلي لن تغطي على مسؤوليته ومن ورائه إيران عما انتهى إليه لبنان من وضع رث، يصعب على الدول المانحة التعامل معه. لذلك يمكن اعتبار استخفافه بالعقل اللبناني بمثابة رسالة إلى العالم. وهي من أكثر الرسائل الإيرانية امعانا في الخبث واللؤم والاستهتار. "إن أردتم لبنان فعليكم القبول بصيغته الإيرانية التي يديرها سماحة السيد".