'نصيحة غراب' من الكاتبة سحر الشامي الى الأطفال

المجموعة المسرحية تضم نصوصا ناجحة فنيا أصابت الهدف التربوي بدقة وعرضت الواقع الطفولي من خلال الكوميديا والتراجيديا والأغنية المؤثرة والرقصة بين شعبية وتعبيرية وبالرمزية حينا والمباشرة أحيانا.

صدرت مؤخراً المجموعة المسرحية "نصيحة غراب"عن دار "المتن" للطباعة والنشر 2020 ومن القطع المتوسط وقد صمم الغلاف الفنان حيدر الشويلي.

والمجموعة هي نصوص مسرحية لسحر الشامي، كاتبة سخرت جهودها لعالم الطفولة وانتجت الكثير من النصوص المسرحية والتي تحاكي عالمه المحاصر بعالم وهموم الكبار والوطن الممتحن.

وكتب مقدمة العمل الكاتب المسرحي علي عبدالنبي؛ وطرح فيها سؤالاً "ماذا يمكن أن نكتب للطفل الآن؟ ما هي المواضيع والعوالم التي يمكن أن تضع الطفل فيها مع وجود كوارث مروّعة عاشتها الطفولة في مناطق متعددة من العالم وصارت جزءاً من ضحايا الفقر والأمّية والحروب".

في الآونة الأخيرة أخذت مفاهيم ومفردات جديدة في الظهور، لتشعل فتيل التحولات من جديد، وتحرك الرؤى لتستمر حركة المسرح من خلال مفاهيم تتلائم وتطورات لغة الميديا، ففي غمرة الانشغال بالدراسات الثقافية نلمح تحولا وبروزا لأنماط في التعاطي مع حداثة وسائل الاتصال الرقمية، التي شكلت نهجا جديدا في التشكيل الفكري والثقافي للإنسان المعاصر لاسيما عالم الطفولة.

ومما لا شك فيه أننا نشهد الآن تكون جيل من الكتاب يمتلكون نمط كتابي جديد من النصوص ان كان على مستوى مسرح الطفل، بالإضافة إلى خلق نمط تواصل جديد بين المبدع والطفل من خلال ميزة ابتكار نصوص بصرية وصوتية تحاكي خيال طفل المستقبل.

إن المشكلة الحقيقة التي يعيشها اطفالنا اليوم ثقافيا، وحتى في أبسط الصور، ولنتخذ النص المسرحي فضاء معرفيا والذي ما زال يراوح في فضاءات بعيدة عن الأزمات المحيطة في واقعنا المتأزم، اذن هي دعوة التعبير عن المخاضات التي نعانيها في رقعة العالم المتسع، فما أحوجنا الآن إلى نصوص متأملة في تحليل تردي واقع البراءة، والجرأة على كشف المعيب في وجودنا.

نعود الى الكاتبة سحر الشامي ومجموعتها المسرحية والتي تضمّ مجموعة نصوص "نصيحة غراب".

خمسة نصوص مسرحية هي: "لا تقل كاو كاو"، و"ليس الذئب وحشاً"، و"نصيحة غراب"، و"حكاية ضفدع"، و"من يخدع الثعلب". ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تقارب فيها الشامي عالم الطفولة؛ فقد سبق وأن أصدرت مجموعة قصصية للأطفال هي "طائر الكناري" عام 2007.

تستوقفنا تجربة الكاتبة سحر الشامي في تعاطيها مع ثيمة "انسنة الحيوانات" بحيث تبدو كما لو أنها حيوات تحاور عالم الطفولة والذي يشكل متن التجربة البصرية، والنسغ الذي يمد عالم الطفولة بالرواء والنضوج. وتبرز جل النصوص حرصها على التشبث بهذا الجانب الانساني.

النصوص المسرحية في المجموعة كانت نصوصا ناجحة فنيا وأوصلت الرسالة بوضوح، وقد أصابت الهدف التربوي بدقة، عرضت الواقع الطفولي مرة من خلال الكوميديا تارة و بالتراجيديا تارة ثانية، والأغنية المؤثرة، والرقصة بين شعبية وتعبيرية، وكذلك ان عموم النصوص على الرمزية ك فكرة، وعلى المباشرة حيناً من خلال الحوار المسترسل، علماً أنها اعتمدت على التعبير بالرقص والحركة مما خفف من الحوار الممل للأطفال مما اتاح فرصة للاندماج معها.

اللغة تقوم بتخليق عوالم جديدة من تعالق الدلالات ويقوم المتلقي بكشف تلك العوالم الطفولية حبث قامت الكاتبة بتنظيمها على نحو خاص يومى او يقرب او يسهل ولادة العالم المتخيل في ذهنه. فالألفاظ مفاتيح يستعين بها القارئ لإنشاء مدينة التخيل العجيبة.

وفي هذا يكمن دور الرمز "الفكر" في تجسيد تصور الطفل لعالمهم , فالمكان حامل لمعنى وحقيقة أبعد من حقيقته الملموسه. واخيرا وليس اخرا اؤكد ان تلك النصوص المسرحية علامة مميزة في المشهد المسرحي لطفل المستقبل .

ان توظيف الكاتبة لثيمة "الألفة" والرأفة للحيوانات الشريرة التي تحفز الرؤيا الإنسانية للاخر وتوجه أبعاد التجربة الخلاقة للتعاون . ومن ذلك القبيل ما نجده في نص "الذئب ليس وحشا".

"الذئب ليس وحشا" من نصوص المجموعة الملفت للانتباه، هي دعوة للرفق بالحيوان حتى وان كان متوحشا كالذئب الذي هو من صنف الكلاب التي دجنت وأصبحت تعيش مع الانسان حتى تحميه.

بما انه عطف على ليلى وجدتها وإدانته تكون من طرف حيوانات مفترسة لا تحب التخلي عن وحشيتها .وهناك اشياء كثيرة ارادت قولها علي لسان الحيوانات مثل الظلم والاستيلاء علي حق الغير اذ يقوم حارس السجن الذي كلف بحراسة الذئب المتهم يقوم بالاستحواذ علي الطعام الذي يرسله والدي الذئب ولا يسلمه له بل يأكله هو وهناك عنصر العاطفة وهو العنصر الذي تم التركيز عليه أكثر من غيره.

واخيرا.. مما لاشك فيه ان النصوص في هذه المجموعة تحيل الى ذروة القيم المعرفية والثقافية والتربوية عبر مناخاتها المتقنة المفارقات التي تطرحها من خلال اختلاط الأوراق وضياع لقيمة الوجود الانساني حين يصير عالم الطفولة هدفاً طازجاً لخروقات التطهير العرقي او الطائفي..

والكاتبة هنا تلامس عبر نصوصها البصرية عوالم الخير والشر ولتوثق أحداثا مهمة عبر اشتباك ترميزي متقن كشفت حقيقة مايجري وانعكاس ذاك على عالم الطفولة ـ وايضا عن علاقة الذات بالأخر وعن خسارة كل الأطراف بدون الوحدة والتعاون.

وهكذا يبقى النص البصري كمرآة نرى فيها أنفسنا إذ ما فقدنا به صلاتنا المعرفية، فالنص يسهم في بناء الشكل الثقافي لمجتمع ما، ومن هنا كان علينا لزاما أن نعمل تقنية الحفر المعرفي في حقل الطفولة الجديد، وسبر أغوار النص على أكثر من مستوى، والكشف عن حاجاته وصولا إلى النسق الفكري الخاص والمميز به.

والكاتبة سحر الشامي من مواليد العراق الناصرية 1974، إصداراتها:

–  طائر الكناري: مجموعة قصصية في مجال أدب الطفل صدرت عن دار ثقافة الطفل في وزارة الثقافة والإعلام عام 2007

–  مجموعة قصصية للكبار بعنوان "أمنيات مؤجلة" عن دار المتن للطباعة والنشر

– كتاب نقدي بعنوان "مختارات من مسرح الطفل السعودي" عن دار الوفاء للطباعة والنشر

– "مونومانيا" مجموعة نصوص مسرحية للكبار

 – "نصيحة غراب" مجموعة نصوص مسرحية للاطفال عن دار المتن للطباعة والنشر

–  مجموعة أخرى من النتاجات في مجال المسرح والقصة القصيرة والخواطر نشرت في عدد من الصحف.

*في مجال البحوث التاريخية:

–  "الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في صلح الإمام الحسن عليه السلام"