حين تضيء النخلة عتمة الروح في لوحة عبير عربيد

الفنانة اللبنانية تمتلك شاعريّة في الرسم تعبر عن ما في داخلها بمزيج من شفافية ذات حساسيّة عالية تطبع أعمالها المبهرة.

لوحة الفنانة عبير عربيد تحيلك الى مشهدية الحلم حيث الغزارة بالنهم الجمالي، كونها معادل بصري مفعم بالصوفية يثري البصيرة وهي تسجل حالات إنسانيّة وجماليّة ويتضح على سطح اللوحة هنا سحر المكان وفتنة الاشياء معا ومن دقة اختيار اللون - بدرجاتٌ من الأزرق والأخضر مع قليلٍ من الأحمر والأصفر لتضيء عتمة الروح.

بتناغمٍ تام باختزال وتبسيط ترى فيوضات سحرية وحميمية تتوهج امام مخيلتك ضمن وحدة لونية وصياغة واحدة تسيطر عليها مبادئ الاتجاه التعبيري التي تظهر في تقاطعات اللون واندماجها بحرارة وبرودة معا، بالتأكيد هي محاولة إبداعية واضحة في ابتكار منظور يخدم اتجاه وأسلوب الفنانة ومشروعها الجمالي.

تتميّز لوحة الفنانة بالفرجة المشهدية من تداخل الالوان الحزن -الفرح وباعتمادها الحركة ضد السكونية في بناء العمل الفني، نقاء اللون، الانتقاء المتميز للموضوع وبنائه الجمالي وهوفنٌ في جوهره تحديا للوجود غير النخلة العراقية تتوسط اللوحة وكانها نسغ صاعد الى السماء حيث العطاء والشموخ وكأنها روح تسري بعروق كي تمنحها الحياة.

وإذا كان استخدام الرمز في اللوحة بشكل عام يعكس منهجاً فكرياً -انساني للفنانة بل لوحتها تحمل خطاباً انساني لا يفصل بين الذاتي والموضوعي فالوطن واحد، الارز والنخلة دليل على الاصالة والشموخ العربي الواحد.

في هذه اللوحة استطاعت أن توصل الفنانة رسالة،  والحياة رسالة سلام فالأثر الفني حين ينفصل عن رسالته وضمن إطارها الثقافي تصبح أثراَ عبثيا أي لا يروق للإحساس الجمالي في بلد آخر، لكن الفنانة عبير جعلت لوحتها أثراً خالدا ينظر الآخرون إلى أحداثه الجمالية من ناحية تفوق جمالية المشهد الى شعرية الحدث الفني.

وعن اسلوب الفنانة نجد انها تأتي أكثر تلقائية وانسيابية، دون أن تنسى الحِرفية في التكنيك، وهي هنا تكون المهارة واضحة في تجسيد ماتريد وتوصله الى المتلقي من احساس جميل ومؤثر شفاف .حيث حاولت تحقيق معادلة متوازنة بين الشكل والموضوع.

ما يؤكد ذلك ــ تماهي الذاكرة ــ والذي تنتهجه الفنانة في تشكيل اللوحة ومكوناتها من حيث شغل المساحات اللونية، والتكوينات والفضاء العام للوحة/البيئة، وكذلك التوحد التام ما بينهما، وكأنها تحاول التعبير عن الحدث التوثيق باللون، وهوأيضاً ما يُعد حافزا للذاكرة على عدم نسيان هذه اللحظة الفارقة، بكل توتراتها، حتى تبدومثل قصيدة شعر، وكأنها في تشكيلها وطريقة توزيع الكتل اللونية أشبه بأختام تراثية .

ومن اجل خلق حالة من التماهي، والتواصل دون عوائق مع الآخر خاصة في ما يخص أسلوبها الفني في الرسم ولخلق حالة من الوعي الجمعي حاولت الفنانة جاهدة أن تُدخِل المُتلقي معها في التجربة البصرية . حتى يخلق شكلاً تفاعليا من القراءة في اللوحة ككل.

واخيرا فاللوحة هنا تعتمد على تشكيلة لونيّة واسعة، لا تعرف الحدود والقيود شأنها شأن أعمالها السابقة واللاحقة، اقول الفنانة عبير تمتلك شاعريّة في الرسم هوتعبير مافي داخلها هومزيج من الشفافية ذات الحساسيّة العالية الذي طبع أعمالها المبهرة.