نظرة في الصراع الدرامي

قيمة المسرحية في اجتماع شخصياتها إزاء قضية أو فكرة تتصارع فيما بينها فتتفق أو تختلف لتنتهي غلبة وجهة نظر هذه الشخصية أو تلك فتتأزم الأمور نحو الذروة حتى نصل إلى ذروة الحدث وهذا يجعل المشاهد في حاله ترقب ومتابعه واستمتاع.

في قراءاتي المتعددة لنصوص مسرحيه كتبها شعراء وكتاب وأدباء، وقد اهتموا كثيرا باللغة وموسيقاها وشكليتها واهتموا كثيرًا بالحوار والشخصيات، ولكنهم نسوا أهم عامل في الدراما بكل أنواعها وهو "الصراع". وحين تسألهم يقولون إنها للقراءة فقط. لا يا سيدي إن الدراما قائمة ومعتمدة في الأساس على الصراع.

 والصراع المسرحي كما عرفه النقاد هو ذلك الاختلاف الناتج عن اختلاف الآراء ووجهات النظر بالنسبة لموضوع أو فكرة ما بين شخصيات المسرحية، ولذلك يقول النقاد: لا يوجد دراما بلا صراع.

فلو َكتب الكاتب شخصياته المسرحية دون أن يجعلها  تُظهر ما فيها من صراع؛ فإنه لا يكون قد كتب مسرحية بالمعنى.

إنما قيمة المسرحية في اجتماع شخصياتها إزاء قضية أو فكرة تتصارع فيما بينها  فتتفق أو تختلف لتنتهي غلبة وجهة نظر هذه الشخصية أو تلك فتتأزم الأمور نحو الذروة حتى نصل إلى ذروة الحدث الدرامي وهذا يجعل المشاهد في حاله ترقب ومتابعه واستمتاع بالدراما التي يشاهدها.

والصراع الدرامي أنواع عدة:

1- شخصية تصارع شخصيه أخرى.

2- الصراع بين الشخصية والمجتمع.

3- الصراع بين الشخصية والطبيعة.            

4 - والصراع بين الشخصية والتكنولوجيا.

5 - الصراع بين الشخصية والنفس.

6 - الصراع بين الشخصية والخارقة للطبيعة.

وهكذا نجد مجموعة كبيرة من أنواع الصراع التي تدفع العمل الدرامي للتصاعد.

ولننظر نظرة سريعة للصراع في بعض الأعمال المسرحية الشهيرة مثل "هاملت" لشكسبير ومسرحية "بيت دميه" لابسن ومسرحية "مأساه الحلاج" لصلاح عبدالصبور.

ففي "هاملت"، ينبع الكثير من الصراع من المعلومات التي يعطيها الشبح لهاملت، مما يؤدي في النهاية إلى وفاته.  والصراع في مسرحية "بيت الدمية" لهنريك ابسن حيث تتصاعد الأحداث ويظهر الصراع الرئيسي، حين يدور الحديث بين نورا وكروجستاد، الذي اقترضت منه المال، فيحاول ابتزازها وإفشاء ما قامت به، فهي لم تقترض المال فحسب، بل إنها زورت توقيع والدها للحصول على  المال. ذلك الصراع الذي يجعلها تمر برحلة لاكتشاف وجودها ومواطن قوتها. ومن هنا يستمر تصاعد الأحداث ويتضح نضوج وتطور شخصية نورا بشدة، من تلك المرأة الساذجة لتظهر بمظهر الزوجة التي تفكِّر ملياً وتحيك الخطط للحفاظ على حياة أسرتها مهما كلَّفها الأمر. تأتي الذروة عند قراءة الزوج هيلمر خطاب كروجستاد الذي يذكر فيه كل شيء عن اقتراض نورا النقود منه، فينفجر غاضباً.

وتنتهي المسرحية بمغادرة نورا للمنزل وصفع الباب خلفها إشارة لثورتها على حياتها في بيت الزوجية. وكما يقول أستاذنا فخري قسطندي تلك الصفعة التي غيرت تاريخ المسرح المعاصر.

ومسرحية "مأساة الحلاج" للشاعر الكبير صلاح عبدالصبور، وبرغم أنها تدور حول شخصية الحلاج وهو أحد أقطاب الصوفية إلا أن لها أبعادًا سياسية، فهي تدرس العلاقة بين السلطة المتحالفة مع الدين والمعارضة، وكأنه فيها يرصد حال المجتمع وما سيؤول إليه وضع الشعب المصري، الذي يحاول البعض استغلال فقره لقتل الحب والرحمة بداخله، وزرع الفتنه والبغضاء.

نخلص من ذلك أنه لولا الصراع ما كانت دراما من أي نوع من الأنواع، وأهمس في اذن بعض الكتاب لا تهتموا كل الاهتمام باللغة وجمالياتها على حساب تتبعكم الصراع والتصاعد الدرامي في العمل الذي تقدمه.