نقطة تحوّل في لبنان؟

يختزل المأساة اللبنانية العجز عن وجود سلطة شرعيّة تقول لـ"حزب الله" أنّه سقط في فخّ نصبه لنفسه وللبنان.

في غياب رئيس للجمهورية، يمنع "حزب الله" انتخابه، يبدو كلّ شيء جائزا في لبنان. الدليل على ذلك الخطاب الرسمي الذي يعطي فكرة عن رغبة مستمرّة بالهرب من واقع يتمثّل في أنّ "حزب الله" قرّر عن سابق تصوّر وتصميم فتح جبهة جنوب لبنان من دون استشارة أحد. هل يمثّل الكلام الأخير لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عن بداية استعداد لدى لبنان لتطبيق القرار 1701، نقطة تحوّل في اتجاه استعادة الدولة اللبنانيّة للدور الذي يفترض أن تلعبه؟

تكمن أهمّية هذه الكلمة في أنّها جاءت بعد لقاء بين ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي من جهة وتجاهله الإشارة إلى ربط حرب لبنان بحرب غزّة من جهة أخرى. مثل هذا الربط جريمة في حق البلد وشعبه لا أكثر.

لا يدرك لبنان الرسمي أنّه يستحيل، بأيّ شكل، الدفاع عن لبنان وكرامة لبنان عن طريق تجاهل الحقيقة الأهم، أي قرار الحزب الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني، بأخذ لبنان إلى حرب خاسرة سلفا وربط مصيره بمصير غزّة. تسبّب يحيى السنوار بالقضاء على غزّة. يقضي الحزب على لبنان بعد ربطه بغزّة في غياب نقاش بين اللبنانيين محوره إلى أين تأخذ إيران لبنان؟

في غياب القدرة على الإعتراف بالجريمة التي ارتكبها "حزب الله"، ومن خلفه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران في حق لبنان، من الأفضل لأي مسؤول لبناني اعتماد السكوت. عندما يتعلّق الأمر بغزّة من الضروري إعطاء السكوت معنى بدل توفير غطاء لما إرتكبه الحزب في حقّ لبنان واللبنانيين ومستقبل أولادهم.

ليس مطلوبا من لبنان الرسمي، ممثلا بحكومة تصريف الأعمال، التي على رأسها نجيب ميقاتي، دخول مواجهة مع "حزب الله"، خصوصا في ضوء إغتيال إسرائيل للأمين العام للحزب حسن نصرالله. مثل هذا التصرّف ليس ممكنا، لكنه لا يجوز في الوقت ذاته التعامي عن الحقيقة. على العكس من ذلك، مطلوب الإعتراف بأنّ لبنان عاجز عن إمتلاك قراره... وأنّه رهينة لدى إيران التي تتحكّم بـ"حزب الله" التي تسيطر كلّيا على البلد وتعتبره أداة من أدواتها في المنطقة.

مع الكلام الأخير لنجيب ميقاتي، ظهرت بوادر موقف رسمي لبناني يسمّي الأشياء بأسمائها ويرفض الإنجرار وراء دخول حرب خاسرة سلفا، لا لشيء سوى لأن موازين القوى في مصلحة إسرائيل؟ لا تمتلك إسرائيل التطور التكنولوجي فحسب، بل تتمتع أيضا بغطاء دولي ناجم عن "طوفان الأقصى" أوّلا وعن فتح "حزب الله"، بطلب إيراني، جبهة جنوب لبنان ثانيا وأخيرا.

ليس سرّا أن إسرائيل ليست جمعية خيريّة وأن رئيس الحكومة فيها بنيامين نتانياهو مجرّد وحش يعتقد أن الفرصة سانحة لتصفية القضيّة الفلسطينية. مثل هذا الأمر مستحيل لأسباب عدّة في مقدّمها أنّ الشعب الفلسطيني موجود بقوّة على أرضه فضلا عن أنّ اليمين الإسرائيلي لا يمتلك مشروعا سياسيا قابلا للحياة بأي شكل. أمّا بالنسبة إلى لبنان، فإنّه لا تزال لدى إسرائيل ورقة في غاية الأهمّية يمكن أن تلجأ إليها. تتمثل هذه الورقة في ضرب النبطية وما حولها، مع ما يعنيه ذلك من تهجير مزيد من أبناء الطائفة الشيعيّة.

في ضوء هذه المعطيات، يبدو مستغربا إصرار "حزب الله" على زجّ لبنان بحرب غزّة، وهي حرب انتهت من دون أن تنتهي. هذه الحرب انتهت عسكريا بالقضاء على غزّة وإزالتها عن الوجود وتهجير شعبها. لم تنته الحرب نظرا إلى أنّ "بيبي" نتانياهو يريد لها أن تستمرّ لأسباب خاصة بمستقبله السياسي. يبدو مصرّا على متابعة حرب غزّة على الرغم من عدم وجود أهداف عسكريّة تصلح للقصف في حين أن يحيى السنوار لا يزال يجد مكانا يخبّئ فيه الرهائن الإسرائيليّة التي لا يزال يحتجزها منذ السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي.

يزداد الوضع اللبناني والإقليمي تعقيدا مع إقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة والفراغ في القيادة الذي تعاني منه واشنطن، يبدو لبنان في وضع لا يحسد عليه. يختزل المأساة اللبنانية العجز عن وجود سلطة شرعيّة تقول لـ"حزب الله" أنّه سقط في فخّ نصبه لنفسه وللبنان. سقط الحزب في هذا الفخّ بعدما صدّق أنّ إسرائيل نمر من ورق وأن لديه الأسلحة التي تسمح له بردعها، بل بتحقيق انتصار ساحق عليها.

لم تكتف إسرائيل بتوجيه ضربات متلاحقة للحزب الذي لم يفهم منذ الخامس والعشرين من آب – أغسطس الماضي لماذا لم يستطع الردّ على إغتيال القيادي فؤاد شكر. وقتذاك، نفّذت إسرائيل هجوما استباقيا حال دون إطلاق أي صواريخ في إتجاه الأراضي الإسرائيلية. حصل ذلك في وقت تجاهلت إيران القيام بأي ردّ فعل على إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة في طهران نفسها. لن تقدم إيران على أي ردّ فعل بعد إغتيال حسن نصرالله.

كان مفترضا في "حزب الله" استيعاب أن هناك حسابات إيرانيّة مختلفة عن حساباته وأنّه في مأزق حقيقي. في أساس هذا المأزق رغبة "الجمهوريّة الإسلاميّة" في التقرّب من الولايات المتحدة بدل الدخول في مواجهة معها. مثل هذه الرغبة موجودة لدى "المرشد الأعلى" علي خامنئي وكانت وراء إنتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيسا للجهورية خلفا لإبراهيم رئيسي الذي قتل في حادث تحطم طائرة هليكوبتر يحيط به الغموض.

الأسوأ من ذلك كلّه أن لبنان الرسمي، ممثلا بحكومة تصريف الأعمال، لا يستطيع القول لـ"حزب الله" أنّ ليس أمامه سوى التراجع وقبول القرار 1701 والإعلان صراحة أنّ ربط لبنان بحرب غزّة جريمة موصوفة لا أكثر. هل بدأ ميقاتي يشعر بأن لا خيار أمامه غير قول الكلام الذي لا بدّ من قوله وأن "الدويلة اللبنانيّة" تتجه إلى إزاحة "دولة حزب الله"؟