هرتس باشا معماري برع في إدارة وإنقاذ أهم الآثار الإسلامية

وزارة السياحة المصرية بجامع الرفاعي تقيم معرضا ومحاضرة للمؤرخ المجري استيفان أورموش الذي ترجم له د.مصطفى رياض أخيرا كتابه 'ماكس هرتس باشا ولجنة حفظ الآثار العربية'، تكريما وتقديرا لإنجازات الأخير.

بعد أن أمضى عشر سنوات في مناصب ثانوية في المكتب الفني لوزارة الأوقاف المصرية، أصبح المعماري النمساوي المجري ماكس هرتس باشا (1856 ـ 1919) المهندس المعماري الرئيسي للجنة المصرية  للحفاظ على الآثار العربية "دار الآثار العربية" التي أسسها الخديوي إسماعيل عام 1869 وكان مقرها الأول في مسجد الخليفة الحاكم بأمر الله، وذلك إلى أن تم بناء دار خاصة بها افتتحت عام 1903. هذا وقد كان عين الخديوي إسماعيل "ماكس هيرس" كبير مهندسي الدار عام 1890، وهو منصب الذي تم إنشاؤه له شخصيًا وبقي فيه حتى نهاية عام 1914. وبصفته كبير المعماريين، لعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على الآثار المعمارية العربية الإسلامية في مصر وخاصة في القاهرة..

تكريما وتقديرا لإنجازات هذا المعماري الذيي برع في إدارة وإنقاذ أهم الآثار الإسلامية، أقامت وزارة السياحة المصرية بجامع الرفاعي معرضا ومحاضرة للمؤرخ المجري استيفان أورموش الذي ترجم له د.مصطفى رياض أخيرا كتابه "ماكس هرتس باشا ولجنة حفظ الآثار العربية". وقد ضم المعرض تعريفا بالأعمال التي قام هرتس ترميمها من الآثار المعمارية الإسلامية في القاهرة، ومنها: مدرسة وجامع السلطان حسن وجامع الرفاعي والجامع الأزهر، باب زويلة ومسجد المؤيد شيخ، الجامع الأقمر، مدرسة وقبة السلطان قلاوون، ومسجد ألطنبغا المارداني، مدرسة السلطان برقوق، مدرسة وقبة السلطان قايتباي، قصر جناكليس.

شرح أورموش في محاضرته الكثير من تفاصيل أروع وأهم الترميمات التي قام بها هرتس، وقدم مجموعة كبيرة من الصور والرسومات المعمارية الخاصة بالأعمال الهندسية للجنة حفظ الآثار العربية على مدى عقود تأسيسها وقال "على الرغم من أن هرتس باشا لم يكن الرئيس دائما للجنة، فقد كان الرئيس دائما هو ناظر الأوقاف بحكم منصبه، فإنه من الناحية التنظيمية وكذلك من ناحية الأنشطة كان يشغل أهم منصب كبير المهندسين المعماريين، وفي حالة هرتس باشا نرى أن شغفه بعمله واهتمامه البالغ به، ونشاطه الذي لا يعرف الكلل ولا الملل، أضاف وزنا معتبرا لهذا المنصب، الذي كان له عادة أهمية كبرى على أساس الجوانب التنظيمية المرتبطة به، وهكذا كان هرتس باشا على مدى خمسة وعشرين عاما يتحمل مسئولية مطلقة فيما يخص الآثار العربية الإسلامية والقبطية في مصر.

 وأضاف أن هرتس باشا كان يمارس أنشطة الحفظ والترميم بمنهج محافظ، فهو بفضل الحفظ على الترميم، وحين يلجأ إلى الترميم كان يسعى لدرجة لا متناهية من الدقة كي يرمم العناصر والأشياء التي يثبت له دون أدنى شك أنها كانت قائمة يوما ما، ولا يصدق هذا الحكم على أعمال هرتس الذي نقرأه في أحد المصادرة المهمة، إلا بقدر من التحفظ. فلاشك أن هرتس مارس ضبطا للنفس إلى أبعد حد في مجال ترميم الآثار التي تعود إلى عصور لم يعرف الكثير عن قنها المعماري، كالعصر الفاطمي على سبيل المثال، ولكن حين كان الأمر يتعلق بالآثار التي تنتمي لعصور تتوفر فيها للعمارة مثل العصر المملوكي، فإن هرتس كان يلجأ إلى إدخال استكمالات موازية لما فقد ولم يستدل عليه من اجزاء، حين تضطره الظروف إلى ذلك.

ورأى أن هرتس كان ملتزما في منهجه هذا بالممارسات الشائعة في عصره؛ إذ لا ينبغي أن ننسي أنه عاش وعمل في عصر اتصف بالميل إلى الولاء الكامل للأصول، فقد كان الهدف الأسمى لأي مهندس معماري أن بعيد لأي أثر تفاصيل طرازه، أي إعادته لصورته الأولى في أغلب الأحيان، غير أن هذا المنهج كان يتراجع تدريجيا، وشرع المرممون في العناية بالنظر في المعلومات المتوفرة والاعتماد عليها وحدها، وذلك تحت ضغط النقد المتزايد الموجه ضد مناصري الولاء التامل للأصل ممن أطلق عليهم المرممون المخربون.

ولفت إلى أن معظم الآثار التي كانت موضع اهتمام هرتس ومحل عمله كان لها أهمية وظيفية، فقد كان يعمل في المساجد والأسبلة والبيوت، ولذلك فقد كان استخدامها يتكرر ويتوالى، كما أن منهج الحفظ وحده الذي يرمي إلى إبقاء الأثر في حالة شبه خربة لم يعد ممكنا على الاطلاق، ولذلك فإننا نرى أن اللجنة استرشدت بآرائه وانصاعت لسلطته في إدخال بعض أعمال الترميم وإعادة البناء الصغرى في عدد كبير من الآثار التي كانت في حاجة إلى إصلاحات عاجلة، ولم تنفذ الترميم الكامل إلا في حالات محدودة نسبيا، وكان هذا النهج مبشرا بالخير ولو أن نتائجه لم تكن لافتة للنظر؛ إذ نجحت اللجنة باتخاذها هذا السبيل في الحفاظ على عدد كبير من الآثار للأجيال القادمة، فإذا ما تصورنا أن اللجنة لم تبد هذا الاهتمام فإن كثيرا من المباني والمنشآت كانت لتندرس ولتصبح أثرا بعد عين.