هكذا يتحول الرصيد الفني إلى أصوات انتخابية

قصة تحول رونالد ريغان من نجم سينمائي إلى رئيس لأميركا تمثل أيقونة لا يزال الكثير من الفنانين يحاول النسج على منوالها.
تونس

لا يمكن اعتبار ظاهرة انتقال نجوم الفن والسينما إلى سياسيين مشهورين في بلدانهم بالظاهرة الجديدة. ولكن ربما هي ظاهرة أميركية بالدرجة الأولى انتشرت في عدد من دول العالم، ووصلت اخيرا الى الشرق الأوسط مع تولي النجم التلفزيوني السابق يائير لابيد قيادة اسرائيل.
وفي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي نجح الممثل الأميركي رونالد ريغان في أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة. وكذلك فعل دونالد ترامب الذي شغل منصب الرئيس ما بين 2017 و2021.
وما بين الرجلين برز نجوم فن آخرون في العالم ليعتلوا سدة الحكم على غرار فولوديمير زيلنسكي في أوكرانيا.
وتقول شارون كوين أستاذة علم نفس الإعلام في جامعة سالفورد لبي بي سي إن "خلفية بعض هؤلاء الممثلين والنجوم في التمثيل قد تكون من العوامل التي تجعلهم مناسبين للعمل السياسي"، مرجحة أن هؤلاء النجوم "مدربون على التواصل الفعال مع الجمهور". وأشارت إلى أن أبحاثا أظهرت أن "المهارات غير اللفظية لا تقل أهمية عند خطاب الناخبين عما يقوله المرشحون".
وتضيف كوين أن تحول ريغان من ممثل إلى رئيس يتحكم في السياسات الداخلية والخارجية لدولة عظمى يمثل أيقونة ومثالا يحاول العديد من الفنانين الاحتذاء به.
ونجح ريغان في أن يصبح الرئيس الأربعين للولايات المتحدة في الفترة الممتدة بين 1981 و1989 عن الحزب الجمهوري وتفوق على منافسه جيمي كارتر.
وقبلها عمل ريغان معلقا رياضيا وممثلا سينمائيا، ليشتغل بالسياسة ويحكم ولاية كاليفورنيا خلال الفترة ما بين 1967 و1975.
ورغم أن ريغان شارك في حوالي 57 فيلما سينمائيا بين 1937 و1964 إلا أن العديد من النقاد لا يرون أنه ممثل بارع وموهوب. لكن حظه مع الشهرة قفز بشكل لافت عندما تقمص أدوار "الكاو بوي" (راعي البقر) بصورة نمطية أثرت في الشباب والمراهقين في تلك الفترة.

في أوكرانيا يُنظر الى زيلنسكي كممثل مشهور تحول إلى رئيس بالصدفة بناء على قاعدة شعبية جناها من أدواره الفكاهية

ومنذ رحيل ريغان مكّن الطموح السياسي عددا من الفنانين من تقلد مناصب حزبية ومحلية في أميركا. ولم ينتخب الأميركيون ممثلا رئيسا بعد ريغان إلا ترامب.
ورغم أن اسم ترامب ذيّل أسماء فريق العمل في عدد من الأفلام والمسلسلات، فإنه لا يقدّم عند عرض سيرته باعتباره ممثلا سينمائيا كما كان يحدث مع الرئيس ريغان أو مع أرنولد شوارزينيغر حاكم كاليفونيا السابق. وربما يعود ذلك لكون ظهور ترامب في أغلب الأفلام سريعا جدا لا يؤثر في مسار الأحداث، ولم يكن غيابه يشكل خسارة لها أو إرباكا لأحداثها.
وظهر ترامب لأول مرة على الشاشة الكبيرة في فيلم "الأشباح لا يستطيعون فعل ذلك" (1989) الذي أخرجه جون دارك. وظهر في إحدى لقطاته مع النجم أنتوني كوين. ويقول النقاد السينمائيون إن ارتباكه كان جليا ومتعثرا. 
وفي أوكرانيا ظل أغلب الأوكرانيين ينظرون إلى زيلنسكي على أنه "ممثل كوميدي مشهور تحول إلى رئيس لبلادهم بالصدفة" بناء على القاعدة الشعبية العريضة التي كانت تتمتع بها أدواره الفكاهية خاصة بين أوساط الشباب.
ويرى الناشط ماتيو برغاميني في مقال كتبه لهافنغتون بوست في بريطانيا، أن "هناك مغالطة فيما يدعيه البعض من أن الاعتماد على النجوم لإضفاء قدر أكبر من الجاذبية على العمل السياسي يعمل بفاعلية أكبر مع فئة الشباب".
وأضاف أن "هذا يكرس للأسطورة التي تقول إن الشباب ليس لديهم الاهتمام الكافي بمستقبلهم".
ونجح زيلينسكي البالغ من العمر 44 عاما في الولوج لعالم السياسة كرئيس لأوكرانيا عام 2019.
ويقول محللون إن زيلينسكي "نجح في استقطاب الأوكرانيين والاستفادة من إحباطهم من النخبة السياسية التي حكمت البلاد في مرحلة ما بعد الحقبة السوفياتية".
ويربط بعض النقاد بين شخصيته كرئيس يدير حربا عنيفة مع روسيا وبين دوره كمدرس تاريخ سليط اللسان في المسلسل التلفزيوني "خادم الشعب" حيث صار رئيسا في المسلسل بعدما صوّره أحد تلاميذه وهو يتكلّم بحماسة ضد الفساد ونشر المقطع على الإنترنت. وحقّق العرض الكوميدي نجاحا أكسبه شعبية متزايدة.
وفي إسرائيل لم يأخذ الجمهور على محمل الجد توجهات النجم التلفزيوني يائير لابيد لاقتحام عالم السياسة. 
وحين اعتزل لابيد العمل التلفزيوني في 2012 لتأسيس حزبه "يش عتيد" (هناك مستقبل)، اتهمه منتقدوه باستغلال شعبيته كمقّم برامج ناجح لجذب الطبقة الوسطى.

في البداية استخف الإسرائيليون بنية نجم التلفزيون يائير لابيد دخول معترك السياسة

ونجح لابيد في اكتساب مصداقية بعد عشر سنوات على انخراطه في السياسة الإسرائيلية خاصة في اعقاب نجاحه بإقصاء رئيس الوزراء الإسرائيلي المخضرم بنيامين نتانياهو من الحكم، بعد أن جمع أحزابا من كل التيارات في حكومة واحدة.
وفي انتخابات كانون الثاني/يناير 2013 حصل على المركز الثاني على إثر حملة انتخابية ركزت على الطبقة الوسطى المتعثرة في إسرائيل التي كانت قد خاضت احتجاجات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة وتمتع فئة بعينها بمكاسب النمو الاقتصادي للدولة.
ويقول عضو البرلمان من حزب لابيد، دوف ليبمان إن دافع لابيد لدخول المعترك السياسي ليس شخصيا ولا علاقة له بتعزيز العلامة التجارية التي يمتلكها.
ويضيف ليبمان الذي اعتزل السياسة وانسحب من الحزب لاحقا لوكالة فرانس برس "لم يكن (لابيد) بحاجة إلى ذلك، كان وضعه الاقتصادي مستقرا ويتمتع بالشهرة"، مشيرا إلى أنه انخرط في السياسة لأنه شعر أن الأمور في إسرائيل بحاجة إلى تغيير".
وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في 23 آذار/مارس 2021، حلّ حزبه في المرتبة الثانية وراء الليكود بزعامة نتانياهو وعلى إثر إخفاق رئيس الوزراء السابق بتشكيل الحكومة، أوكلت المهمة للبيد.
وترأس نفتالي بينيت الحكومة الإسرائيلية بينما أوكلت حقيبة الخارجية للابيد.
وبعد حل البرلمان وإلى حين إجراء الانتخابات سيتولى لبيد الذي يشغل منصب وزير الخارجية، رئاسة الوزراء.
وفي العالم العربي تم ترشيح أسماء عدة فنانين لمناصب سياسية على غرار المطربة التونسية سنية مبارك التي شغلت منصب وزيرة الثقافة في بلادها.
وفي فترة ما انتشرت شائعات حول تكليف الفنانة السورية رغدة التي تساند نظام الرئيس بشار الأسد، بمنصب سياسي مرموق في بلادها. لكن ذلك لم يحصل كما نفته بنفسها.