هربا من صقيع أوروبا قريبا موسم الهجرة إلى الجنوب

بزيادة الضغط على سوق الغاز سيرتفع الطلب على هذه المادة الخام في قطاعيْ التدفئة والطاقة، مما يعني أن أوروبا تتجه نحو أغلى فصل شتاء وأعلى فاتورة باهظة الثمن للمستهلكين الأوروبيين.
توقعات بأن يعكس أوروبيون السير ويهاجرون نحو إفريقيا الدافئة
الألمان والبريطانيون والفرنسيون في مقدمة المهاجرين نحو شمال إفريقيا
تونس

يتوقع مراقبون أن تشهد ضفتا البحر الأبيض المتوسط موجات هجرة معاكسة من الشمال نحو الجنوب بسبب أزمة الغاز المرجحة للتفاقم مع حلول الشتاء القادم.
وانخفضت شحنات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم منذ يوليو/ تموز الماضي بنسبة 20 في المئة تقريبا مما يعزز خطر حدوث نقص خلال فصل الشتاء المقبل في العديد من الدول الأوروبية.
وبررت شركة غازبروم هذا التخفيض الكبير في تدفق الغاز الروسي بخضوع الخط لعملية صيانة.
 وقالت موسكو إن إصلاحه "صعب للغاية" بسبب العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا، في تلميح إلى أن على الدول الأوروبية تحمل جزء من تبعات إجراءاتها المتخذة ضد روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا.
وجرت العادة منذ سنوات أن تشهد يعْبر مواطنو الضفة الإفريقية للبحر المتوسط  نحو الضفة الأوروبية بحثا عن حياة أفضل توفر الشغل والسكن.
ولطالما تذمرت دول جنوب أوروبا وأبرزها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا من تدفق أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين خلسة على سواحلها.
وأفادت وسائل إعلام أوروبية أن بعض الحكومات هناك بدأت في اتخاذ إجراءات تحسبا لشتاء قارس خاصة في تلك الدول التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.

موجات الهجرة نحو إفريقيا ستشمل خاصة كبار السن الذين لا يتحملون كثيرا موجات الباردة القاسية 

ومن بين تلك الحلول المطروحة أن يهاجر عدد من الأوروبيين نحو بلدان شمال إفريقيا بشكل مؤقت.
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل عبد اللطيف في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين إن "مساعي البحث عن أسواق بديلة اصطدمت بعائق البنية التحتية كالأنابيب الناقلة للغاز التي يتطلب إنجازها فترة زمنية قد تتجاوز فترة الشتاء".
وأضاف أن اتصالاته ترجح أن البعض "بدأ يفكر جديا في حجز مكان له بأحد بلدان المغرب العربي خاصة من كبار السن الذين لا يتحملون كثيرا موجات الباردة القاسية التي كثيرا ما تعصف بأوروبا خلال فصل الشتاء".
ووفقا لمحلل سوق الطاقة الأوروبي، في شركة "ريستاد أينيرجي"، فابيان رونينغن، فإن ثلاثة قطاعات كبيرة تستخدم غالبية الغاز الطبيعي في أوروبا.
ففي عام 2021، استهلك قطاع الطاقة حوالي 27 بالمئة، والقطاع الصناعي 26 بالمئة، والقطاع السكني 26 بالمئة. ويتم تقسيم الحصة المتبقية بين القطاعات الأصغر.
وتوقع أنه "في حال استمرار السيناريو الحالي فسيزيد الضغط على سوق الغاز حيث سيرتفع الطلب على هذه المادة الخام في قطاع التدفئة، وكذلك في قطاع الطاقة. مما يعني أن أوروبا تتجه نحو أغلى فصل شتاء وستنتج عنه فاتورة باهظة الثمن للمستهلكين الأوروبيين".
واتفقت الدول الـ27 على "حل تاريخي" لمواجهة الوضع الجديد من أجل تقليص استهلاكها من الغاز بطريقة منسقة. وتنص الخطة التي تم تبنيها بالأغلبية على تقليص كل دولة أوروبية استخدامها للغاز، بين شهر آب/ أغسطس الجاري وآذار/ مارس 2023، بنسبة 15 بالمئة على الأقل مقارنة بمتوسط السنوات الخمس الماضية في نفس الفترة.
وتهدف الخطة لتوفير حوالي 45 مليار متر مكعب من الغاز، وهي كمية معادلة لما قد ينقص إذا قطعت روسيا التدفقات بالكامل وفي حالة شتاء شديد البرودة.
ولكن يبدو أن الأمور تسير بشكل سيء بعد معارضة فرنسا هدف التخفيض المشترك من أجل مساعدة برلين على وجه الخصوص المحاصرة بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي، معتبرة أن "الأهداف الموحدة لن تتكيف مع واقع الجميع".

مخاوف من أن يصدر الأوروبيون جزءا من أزمتهم مع الغاز نحو دول شمال إفريقيا 

وتفيد الأرقام الأوروبية أن إيطاليا وألمانيا تُعدان بشكل عام من كبار المستهلكين للغاز، إذ تُعتبر ألمانيا أكبر مستهلك للغاز الروسي بإجمالي 48 مليار متر مكعب من الغاز الروسي الذي تم توريده في عام 2021، أي ما يقرب من 55 بالمئة من إجمالي الغاز المستهلك في أوروبا.
ونشر موقع بيلد الألماني أن مدنا ألمانية بدأت في تشكيل مجموعات أزمات ووضع خطط الطوارئ. 
وأضاف مدينة لودفيغشافن بولاية راينلاند بفالس تخطط لإنشاء قاعات حيث يمكن للمواطنين الذين لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف تدفئة منازلهم أن يحصلوا على قدر من الدفء.
ونقل الموقع عن رئيسة بلدية المدينة يوتا شتاينروك قولها "نستعد حاليا لجميع سيناريوهات الطوارئ لمواجهة الخريف والشتاء". لذلك فمن المقرر أن تعمل قاعة فريدريش إيبرت كمحطة مركزية للتدفئة.
ويُعتبر السياح الألمان حرفاء تاريخيين وتقليديين لدول شمال إفريقيا خاصة تونس والمغرب. لذلك يتوقع عبد اللطيف أن يتوافد على تونس مع بداية حلول الشتاء أعداد كبيرة من السياح الألمان الذين سيقيمون بتونس إلى فصل الربيع.
وتوقع أن يتوافد كذلك عدد مهم من البريطانيين أولا ثم الإيطاليين والفرنسيين والبلجيكيين، قائلا "يجب ألا ننسى أن في تقاليد العديد من المواطنين الإيطاليين والفرنسيين التنقل للإقامة في تونس والمغرب بدرجة أولى ثم في الجزائر ومصر بدرجة ثانية، فور إحالتهم على المعاش وذلك لاعتبارات عديدة تتعلق بالمناخ المعتدل نسبيا الذي تتمتع به دول شمال إفريقيا، وبانخفاض تكلفة العيش في تلك الدول مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي".
ويختم عبد اللطيف حديثه مع "ميدل إيست أونلاين" بالقول إن الأمر بقدر ما سيُعتبر إيجابيا للاقتصاد التونسي مثلا الذي يعيش أزمات متعددة وذلك عبر ضخ مبالغ مهمة من العملة الصعبة، فإنه يحمل مساوئ للمثل خاصة في أن الأوروبيين سيصدرون جزءا من أزمتهم مع الغاز نحو دول شمال إفريقيا التي ستتضرر هي الأخرى، وإنْ بشكل أخف، من أزمة الطاقة العالمية المنجرة عن الحرب الروسية الأوكرانية.