هل أنقذ فقراء الأردن أغنياءه من ضريبة الدخل

اندلعت حركة الاحتجاجات بقيادة النقابات المهنية للضغط باتجاه سحب مشروع قانون ضريبة الدخل ونجحت، لكن دون اي تعهدات من رئيس الحكومة المكلف لوقف او تخفيف سياسات رفع الدعم وزيادة الاسعار المؤثرة بشكل مباشر على الشريحة الفقيرة والمتوسطة التي ينتمي اليها اغلب المتظاهرين.
المحتجون أسقطوا الحكومة وبقيت سياستها الاقصادية
الأردنيون شعروا فعليا بتآكل دخولهم قبل قانون الضريبة
رفعات سعرية متلاحقة للطاقة والمواد الاساسية قبل الاحتجاجات

عمان – قلة كانوا يتوقعون ان تلقى دعوة النقابات المهنية الى اضراب عام في الاردن اواخر مايو/ايار تأييدا واسعا للاحتجاج على مشروع قانون لضريبة الدخل يركز على الدخول العليا وإن كان يوسع من شريحة الخاضعين للضريبة.
قبل ليلة من الاضراب امتلأت الساحات المقابلة لمقر رئاسة الوزراء في وسط عمان بمحتجين شبان يطالبون بسحب مشروع القانون الذي يفرض ضريبة على نسبة لا تتجاوز 10 بالمئة من الأردنيين.
وكان لهم ما طلبوا. لكن ذلك لم يتحقق الا بعد استقالة حكومة هاني الملقي التي اقرت مشروع القانون وارسلته الى البرلمان ثم تعهدات رئيس الوزراء المكلف عمر الرزاز بسحب مشروع القانون بمجرد تشكيل الحكومة واداء اليمين الدستورية امام الملك عبدالله الثاني.
وكانت هذه الاحتجاجات هي الأوسع منذ سنوات في الاردن الذي يواجه ازمة اقتصادية خانقة مع عجز مزمن في الموازنة ودين عام يساوي الناتج المحلي تقريبا.
واستقطبت الاحتجاجات اهتمام العالم نحو هذا البلد الذي نجا من اضطرابات الربيع العربي قبل سبع سنوات ويعيش الان في قلب صراعات وازمات المنطقة.
وغلب على المتظاهرين في عمان والمحافظات الاخرى ابناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة الذين وسعوا مطالبهم الى الاحتجاج على السياسات الاقتصادية للحكومة.
يقول خبراء اقتصاد ان اقرار الحكومة لمشروع القانون كان بمثابة "القشة الأخيرة" التي جاءت مع شعور الأردنيين بان دخولهم تتآكل بالفعل بسبب سلسلة من قرارات رفع الاسعار والضرائب الاخرى التي اتخذتها الحكومة منذ مطلع 2018.

الملك يتدخل مرة تلو الاخرى انتهاء بقبول استقالة الحكومة
الملك يتدخل مرة تلو الاخرى انتهاء بقبول استقالة الحكومة

وارتفع سعر الخبز بنسب وصلت الى مئة بالمئة. كما ارتفعت اسعار الكهرباء والمحروقات أكثر من مرة. وتضاعفت ضريبة المبيعات على اكثر من 160 سلعة من اربعة بالمئة الى عشرة، واخضعت سلع اخرى للضرائب بنسب وصلت 5 بالمئة. كما رفعت الحكومة 10 بالمائة أجور النقل على الحافلات وسيارات التاكسي والسرفيس.
وقاد المظاهرات نشطاء شباب من خلال صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعارات اقتصادية بحتة في البداية لكنها سرعان ما طالبت بإسقاط حكومة الملقي التي قررت رفع اسعار المحروقات والكهرباء في اليوم الثاني من اندلاع الاحتجاجات على مشروع القانون. 
وتصاعدت الحركة الاحتجاجية تدريجيا، ما استدعى تدخلا تلو الآخر من العاهل الاردني الذي اوقف قرار رفع المحروقات والكهرباء ثم قبل استقالة الحكومة وطلب اخيرا من الرزاز اجراء "حوار وطني" حول ضريبة الدخل.
ويوسع مشروع القانون شريحة الخاضعين للضريبة الى نحو 8 بالمئة من الأردنيين، لكنه يركز على أصحاب الدخول العليا. وتقول الحكومة ان 90 بالمائة من الاردنيين بموجب مشروع القانون لا يخضعون للضريبة، ووضعت حد الاعفاء للضريبة عند 8 الاف دينار للافراد و 16 الف دينار لدخل الاسرة سنويا .
ويبلغ متوسط الدخل الشهري حوالي 700 دولار (500 دينار) في الاردن الذي يعتبر من أعلى بلدان المنطقة في الاسعار. وصنفت مجلة ايكونوميست الشهر الماضي عمان أغلى العواصم العربية.
ويقول متابعون ان الاحتجاجات على قانون الضريبة ما كانت لتلقى أصداء واسعة وشكلت مفاجأة للحكومة لولا الاجراءات الاقتصادية المؤلمة التي اتخذت في الشهور الاخيرة بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي ضمن حزمة اصلاحات مأمولة.
ورفع المحتجون في ساحة الدوار الرابع، مقر الحكومة، شعارات تندد بمشروع القانون من بين لافتات وهتافات اخرى تطالب بوقف السياسات الاقتصادية التي تمس الفقراء مباشرة قبل الخوض في قانون ضريبة الدخل.
ونجحت نقابات المهندسين والاطباء والمحامين في الحشد للاضراب والاحتجاج على مشروع القانون الذي قالت الحكومة المستقيلة انه "يعمّق الشعور بالعدالة الضريبية" من خلال التركيز على مساهمة اصحاب الدخول الأعلى كما يكافح التهرب الضريبي.

محتجون يسألون النقابات: هل ستقفون معنا مثلما وقفنا معكم
محتجون يسألون النقابات: هل ستقفون معنا مثلما وقفنا معكم

وشرحت حكومة الملقي ضمن استعراضها للاسباب الموجبة لسن القانون ان "متوسطي ومحدودي الدخل سوف يستفيدون من هذا القانون بطريقة غير مباشرة" من خلال الزيادة المتوقعة في النمو الاقتصادي وزيادة معدلات التشغيل والاستفادة من الانفاق العام على الدعم والخدمات الاساسية.
تدهورت مستويات المعيشة بالفعل في الاردن وأخذت فجوة الدخول تتسع. ويعاني الاقتصاد اصلا من أزمة هيكلية كما تواجه المالية العامة صعوبات كبرى في تأمين الموازنة الى جانب مديونية تناهز 35 مليار دولار.
ويؤكد مختصون ان سحب مشروع القانون يفيد الشركات أكثر من الافراد، ويتجنب موظفي القطاعين العام والخاص من ذوي الدخل المحدود والمتوسط في المملكة التي تضم عشرة ملايين نسمة وتعاني من نسبة فقر تناهز 20 بالمئة بحسب الاحصاءات الحكومية وبطالة تتجاوز 18 بالمئة.
القانون الجديد يخفض عتبة الخاضعين للضريبة لكن حجم الضرر الذي يلحق بالطبقة الفقيرة سيكون أخف من اجراءات رفع الدعم الحكومي وزيادات الاسعار التي اتخذتها الحكومة سابقا، بحسب تدوينات وتعليقات اعتبرت ان المحتجين من الطبقة الفقيرة والمتوسطة "أنقذوا الاغنياء" من الضريبة.
مرت الاحتجاجات بسلام. وتعهد منظموها بمعاودة التظاهر اذا لم تلب الحكومة الجديدة مطالبهم. غير ان تحقيق المطالب ربما يتقوض خطة الاصلاحات التي يصعب على الحكومة الجديدة التراجع عنها بسبب الالتزامات مع صندوق النقد.
وكانت نتيجة المظاهرات سحب مشروع القانون دون اي تعهدات حكومية اخرى بوقف او تخفيف سياسة رفع الاسعار وفرض الضرائب والرسوم، وهي فعليا التي اخرجت المتظاهرين الى الشوارع.
ولخص نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي جانبا من تطور الحركة الاحتجاجية بتساؤلات للنقابات المهنية من قبيل: هل ستقفون معنا ضد الحكومة اذا رفعت الاسعار أو الرسوم، مثلما وقفنا معكم في احتجاجات ضريبة الدخل؟