هل تحب فاغنر؟

كل الحقائق تتعرض للنقض في عالمنا المضطرب. صار المرء لا يصدق أن التفاحة التي يحملها بيده اليمنى يمكن أن تصل إلى يده اليسرى هي لا تزال تفاحة، فهل علينا أن نحب أو لا نحب فاغنر لكي نتأكد من الحقيقة؟   

صار البعض يعبر علنا عن اعتقاده بأن تمرد فاغنر، الميليشيا الروسية المقاتلة في أوكرانيا هو مجرد مسرحية. قبل ذلك كانت إيران على صلة بتنظيم القاعدة الذي أُتهم الرئيس العراقي صدام حسين بإقامة علاقة معه وكان ذلك أحد أسباب الغزو الأميركي المعلنة.

الإدارة الأميركية التي وقفت وراء ذلك الاتهام كانت تعرف أن للقاعدة ارتباط ما بإيران. في مكان آخر تحارب تركيا حزب العمال الكردستاني لأنه من وجهة نظرها تنظيم إرهابي غير أنها عبر عشر سنوات كانت تدرب الإرهابيين القادمين من كل أنحاء العالم على أراضيها ومن ثم تيسر لهم وصول الأموال والسلاح وهم يقاتلون على الأرض السورية.

يقيم زعماء حركة حماس الفلسطينية في قطر وهم لا يكفون عن إعلان ولائهم لسياسة الولي الفقيه الإيراني فيما تشكل إيران الداعم الإقليمي للرئيس بشار الأسد الذي وقفت حركة حماس ضده حين نشوب الثورة السورية.

غالبا ما تشهد المنطقة حروبا متقطعة تشنها إسرائيل على قطاع غزة فهل هي تسعى حقيقة إلى التخلص من الخطر الذي تشكله التنظيمات الإسلامية العاملة في ذلك القطاع أم أنها تقوم بذلك تلبية لحاجات حكوماتها الداخلية؟ أما كان العراق ضحية لمجموعة من الأكاذيب التي تم تلفيقها من أجل غزوه ومن ثم احتلاله؟ كان القذافي في ليبيا يعوم على بحر من الكراهية. كرهه ساركوزي وهو الذي مول حملته الانتخابية وكرهته إيطاليا التي كانت لها صولات وجولات في محافل سياستها السرية.

لم يكن صدام حسين على تلك الدرجة من الخطورة على السلام العالمي لكي يتم إسقاط نظامه ومن ثم إعدامه بتلك الطريقة التي لم تذله شخصيا بقدر ما أذلت العراقيين. لو مشينا على الخارطة السياسية لاكتشفنا الكثير من القصص الصادمة التي هي أشبه بالألغام.

هناك عالم نراه ونسمعه ونعتقد أنه حقيقي. ذلك عالم لا يكف عن غزونا حتى وإن كنا في أسرة النوم. لقد حلم الكثيرون بطريقة مأساوية بالحرب العالمية الثالثة حين غزت روسيا الأراضي الأوكرانية.

هناك من وضع الصاروخ الكوري الشمالي تحت وسادته لينام وهو يحلم بأن الولايات المتحدة قد تعرضت لقصف النووي الكوري. لقد قيل الكثير عن الزر النووي الذي يقع قريبا من رأس الرئيس الروسي بوتين. عن طريق الخطأ يمكن أن لا يذهب آلاف البشر إلى أعمالهم في اليوم التالي لأنهم سيكونون موتى.

تلك واحدة من أعظم الأكاذيب، روجها الطرفان وصدقتها البشرية التي صارت تعترف إن في إمكان الذكاء الاصطناعي أن يضع حدا لتاريخها ليبدا بكتابة تاريخه. لو كان هيتشكوك حيا لصنع أعظم أفلامه مستلهما لحظة خوف كوني غير مسبوقة. لم تتعرض أوكرانيا لما تعرض له العراق عام 2003. دُمرت سوريا بطريقة ممنهجة وهو ما لم يحدث في أوكرانيا. غير أن العالم لم يشعر بالخطر إلا حين حكت روسيا جلدها. لقد أودعت روسيا أيام الاتحاد السوفييتي أعظم ما أنتجته على المستوى النووي في أوكرانيا. هل علينا أن نخاف الواقع أم نمرر الكذبة لكي تكون الأرض سوية كما يريدها الأميركان؟ تملك روسيا حصة في أوكرانيا يسعى الغرب كله إلى إلغائها. تلك هي حصتها من الإرث السوفييتي. 

 لم تكن شركة فاغنر سوى النسخة الروسية للشركة الأميركية بلاك ووتر. لقد قيل الكثير عن طباخ الرئيس الذي قاد آلاف المرتزقة الروس ومن جنسيات أخرى إلى الموت. مقارنة برؤساء مؤسسي الشركات الأمنية وهي عصابات عملت في خدمة المشروع الاستعماري الأميركي الأوروبي في أفريقيا وأميركا الجنوبية وأخيرا في العراق فإن مؤسس فاغنر قد أُحيط بالكثير من الاهتمام كما لو أنه زعيم حرب حقيقي. كان انقلابه على سيده قد أخذ حيزا كبيرا من الاهتمام الإعلامي في الغرب، فهل صدق إعلاميو الغرب فعلا أن هناك دبابات قد ارتدت إلى موسكو لتُسقط سيد الكرملين؟ أبهذه السذاجة يُدار عالمنا اليوم؟

ما كان رؤساء الولايات المتحدة في حجم وخطورة ما فعلوه. جون كندي أوقف العالم على رؤوس أصابعه وجونسون أحرق فيتنام ونيكسون ذهب إلى الصين ومن ثم طُرد من منصبه وصنع كلينتون من البيت الأبيض مساحة لمغامرة غرامية أما جورج بوش الابن فقد لحق بوالده ودمر العراق كما لو أنهما يثأران من صدام حسين لأسباب شخصية. فعلوا الأسوأ وكان علينا أن نصدق في المقابل أن خورتشوف كان قد ضرب بحذائه على طاولة الأمم المتحدة. وهي حادثة ينفي الكثيرون وقوعها.

كل الحقائق تتعرض للنقض في عالمنا المضطرب. صار المرء لا يصدق أن التفاحة التي يحملها بيده اليمنى يمكن أن تصل إلى يده اليسرى هي لا تزال تفاحة. فهل علينا أن نحب أو لا نحب فاغنر لكي نتأكد من الحقيقة؟