هل دعمت واشنطن الشرع لإسقاط حكم الأسد؟
دمشق - أثارت التصريحات الأخيرة للسفير الأميركي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، عاصفة من الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية، بعد كشفه عن لقاءات أجراها مع الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، الذي كان زعيم هيئة تحري الشام في إدلب، في إطار مبادرات غربية قيل إنها كانت تهدف إلى تهيئته لتولي الحكم في سوريا وانهاء حكم الرئيس السابق بشار الأسد. تلك التصريحات، التي وُصفت بالصادمة من قبل مراقبين، أعادت إلى الواجهة مسألة التدخلات الدولية في مسار الأزمة السورية، وسط نفي قاطع من جهات رسمية سورية لصحة تلك الرواية.
وفي محاضرة ألقاها أمام مجلس بالتيمور للشؤون الخارجية في الأول من مايو/أيار الجاري، تحدث فورد علنًا، وللمرة الأولى، عن لقاءات "خاصة" جمعته بالشرع في محافظة إدلب خلال عام 2023، بموجب دعوة تلقاها من مؤسسة بريطانية تُعنى بحل النزاعات. وقال فورد إن هدف اللقاءات كان "نقل الشرع من مسار العنف إلى العمل السياسي الرسمي"، مشيرًا إلى أن الأمر تم بمبادرة غربية تهدف إلى بلورة مرحلة انتقالية بعد فشل الحلول التفاوضية مع النظام.
ورغم تحفظه في البداية، قال فورد إنه قرر خوض التجربة بعد مشاورات مع شخصيات مطلعة، واصفًا اللقاء الأول مع الشرع بأنه "غير متوقع"، موضحًا أن الأخير أبدى استعدادًا للحوار السياسي دون أن يتنصل من تاريخه في النزاعات السابقة. وأضاف فورد أن الشرع تحدث بوضوح عن تغير المعادلات في إدلب، معتبرًا أن "الأساليب التي اتبعها في العراق لم تعد صالحة لإدارة منطقة مدنية تضم ملايين السكان".
وفي المقابل، سارعت الرئاسة السورية إلى نفي هذه الادعاءات جملة وتفصيلاً، مؤكدة أن ما ورد في تصريحات فورد لا يمت للواقع بصلة. ونقلت قناة "الجزيرة" عن مصدر رسمي في الرئاسة قوله إن "فورد كان ضمن وفد زائر من إحدى المنظمات البريطانية البحثية، وأن اللقاء لم يتجاوز مناقشات عامة حول تجربة الإدارة المحلية في إدلب"، مؤكدًا أنه "لم يتم التطرق إلى أي ملفات سياسية تتعلق بتسلم السلطة أو التخطيط لفترة انتقالية".
من جهته، صرح وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عبر منصة "إكس"، أن زيارات فورد إلى سوريا كانت تندرج في إطار ما وصفه بـ"الاطلاع على التجربة الثورية"، لافتًا إلى أن الأهم هو "التركيز على المكاسب التي حققها السوريون بأنفسهم، دون الالتفات لمحاولات تقويض إرادتهم أو التشكيك بقياداتهم".
وكانت تقارير استخباراتية وإعلامية تحدثت سابقا عن حصول "هيئة تحرير الشام"، على دعم عسكري ولوجستي غير مسبوق في الأشهر الأخيرة قبل سقوط نظام الاسد هذا الدعم، بحسب مراقبين، يثير علامات استفهام حول نوايا بعض الأطراف الدولية في إعادة تشكيل موازين القوى على الأرض، خصوصًا مع تصاعد الحديث عن مرحلة "ما بعد الأسد".
ووفقًا لتقارير تداولتها وسائل إعلام غربية، فقد شارك فورد في جلسات مغلقة جرى خلالها استعراض تصورات مستقبلية لحكم بديل في سوريا، يُبنى على قوى محلية و"معتدلة"، يمكن أن تحظى بقبول إقليمي ودولي، في حال جرى التوافق على إخراج نظام الأسد من المعادلة.رغم ان واشنطن حينها لا تزال تضع ملايين الدولارات لإعطاء معلومات عن الجولاني حينها بعد وضعه في قوائم الارهاب وتحدثت شائعات، لم يتم تأكيدها رسميًا، عن أن فورد لعب دورًا في "دعم تأهيل الجولاني سياسياً" بطلب من جهات بريطانية.
وتأتي هذه التطورات وسط تقارير على رغبة بعض القوى الغربية بإحداث تغيير جذري في سوريا، ولو من خلال تحالفات غير تقليدية مع قوى كانت مصنفة سابقًا على أنها "متشددة". وفي هذا السياق، يرى محللون أن تصريحات فورد لا يمكن فصلها عن مسار أوسع من الضغوط الدولية المتعددة الأطراف لإعادة ترتيب البيت الداخلي السوري، عبر أدوات ميدانية وشخصيات محلية تحظى بدعم خارجي رغم تاريخها المتطرف.
والجدل الذي أثارته تصريحات فورد يسلط الضوء مجددًا على الطبيعة المعقدة للتدخلات الدولية في الملف السوري، ويطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الحكم في سوريا، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. وفيما تنفي دمشق رواية فورد وتتمسك بسرديتها، يبدو أن قوى دولية ما زالت تراهن على خلط الأوراق مجددًا، عبر تحالفات جديدة وأدوار غير متوقعة لفاعلين محليين.