وغليسي يتتبع هجرة القصيدة المغاربية إلى لغات أخرى

الباحث الجزائري يوضح أن كل الطرق تؤدي إلى سيادة اللغة الفرنسية وتربعها على الكم الأكبر من الشعر المغاربي المترجم إلى اللغات الأجنبية.
من الصعوبة حصر الشعراء المغاربة الذين هاجروا إلى الإسبانية، وقد يكون أشهرهم محمد بنيس وفاطمة بوهراكة ومحمد الطوبي وإدريس الملياني
عبداللطيف اللعبي قدم جهودا جبارة في ترجمة الشعر المغاربي إلى الفرنسية

يؤكد الباحث الجزائري الدكتور يوسف وغليسي أن كل الطرق تؤدي إلى سيادة اللغة الفرنسية وتربعها على الكم الأكبر من الشعر المغاربي المترجم إلى اللغات الأجنبية، وتروم مشاركته في التقرير الأول لحالة الشعر العربي 2019 - الذي أصدرته أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية – متابعة الشعر العربي المغاربي في ارتحاله إلى لغة الآخر وثقافته، وسعيه إلى البحث عن متلق جديد مختلف عن مألوف التلقي في بلاده.
ولئن كانت المظاهر تتسق – إلى حد بعيد – في ثلاثة أقطار (تونس، الجزائر، المغرب) فإنها تختلف اختلافا بيّنا في الشعر الليبي والشعر الموريتاني على السواء، موضحا أن القصيدة الليبية كانت زاهدة في لغات الآخر، راغبة في فك الارتباط به، مستغنية عن مختلف أشكال التثاقف الحداثية، إلا مع ظهور جيل شعري جديد تخرّج كثير من رموزه في أقسام خارج أقسام اللغة العربية وآدابها، كصابر الفيتوري، وخديجة الصادق، ومريم سلامة، وخلود الفلاح. أما عن القصيدة الموريتانية فالوضع أقسى حيث لا تزال منكفئة على ذاتها وفية لبيئتها البدوية، فاترة الصلات بغيرها.
ويتمركز بحث وغليسي – في هذ التقرير - حول ترجمة القصيدة المغاربية، انطلاقا من إشكالية الترجمة الشعرية في حد ذاتها مرورا بالمنجز المتحقق في لغات الآخر، وانتهاء بالتحديات الملازمة لهذا الفعل.
ويؤكد الباحث على مقولة "إن ترجمة الشعر لن تكون إلا خيانة مضاعفة"، ويتتبع تردد تلك المقولة وما يشابهها في تراثنا العربي وفي الآداب الأجنبية، موضحا أن العيش الشعري في أحضان الآخر اللغوي شر فنّي لا بد منه، أو هو كالمحظور الجمالي الذي تبيحه الضرورات الثقافية والاستراتيجية، مستثمرا مقولة الكاتب الجزائري ذي اللسان الفرنسي كاتب ياسين "اللغة الفرنسية غنيمتنا من الحرب" في التأكيد على سيادة تلك اللغة، وأنها مكسب للمغاربة وليست أبدا عائقا أمام عروبتهم وحداثتهم، لذا نلاحظ أن الفرنسية هي اللغة الأولى لمجمل الأنطولوجيات الشعرية المغاربية، بما فيها الشعر الموريتاني الذي وصفه الباحث من قبل بأنه معزول لغويا الذي فضّل أن تكون الفرنسية هي النافذة الأولى التي يطل من خلالها على العالم، من خلال "الأنطولوجيا المنهجية" التي قدمها إدومو ولد محمد الأمين سنة 1992. 
وقبلها ظهرت أنطولوجيات شعرية تونسية مختلفة بعضها بجهود فردية، وأخرى بجهود اتحاد الكتاب التونسيين، لا سيما تلك التي أصدرها عثمان بن طالب سنة 1954.

الباحث تحدث عن ترجمة الشعر المغاربي إلى الأمازيغية باعتبارها لغة النزوح الثقافي والحنين إلى الذات. ولكنه عند العبرية أوضح أنها خط لغوي أحمر

ويشير د. يوسف وغليسي إلى أن الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي قدم جهودا جبارة في ترجمة الشعر المغاربي إلى الفرنسية، سواء من خلال ترجمته لمجموعات شعرية محددة، أو من خلال أنطولوجيته عن "الشعر المغربي من الاستقلال إلى عهدنا الحالي"، وكان ذلك عام 2005. كما قدم محمد العمراوي "أنطولوجيا الشعر المغربي المعاصر" 2006، وصدرت عن الشعر الجزائري أنطولوجيا قدّمها وترجمها أحمد لعناصري 1994، أردفها بأنطولوجيا أخرى موسّعة حول الأدب الجزائري في مرحلة ما بين الحربين العالميتين.
ويوضح الباحث الجزائري وغليسي أن الجزائر في عام 2003 نظمت تظاهرة ثقافية سنوية كبرى في فرنسا سمَّتها "سنة الجزائر في فرنسا"، وكانت فرصة لنقل كثير من دواوين الشعر الجزائري إلى الفرنسية، اضطلع بترجمتها – في الغالب – شعراء يتقنون اللغتين العربية والفرنسية، ويكتبون بهما؛ ومن أولئك عاشور فني الذي ترجم مجموعة من الدواوين، منها: "الأرواح الشاغرة" لعبدالحميد هدوقة، و"عراجين الحنين" للأخضر فلوس، و"معارج السنونو" لأحمد عبدالكريم، و"اكتشاف عادي" لعمار مرياش، و"سين" لمشري بن خليفة، و"ما يراه القلب" لعياش يحياوي. كما ترجم عبدالسلام يخلف دواوين أخرى.
ويرى الباحث أن ثمة ظاهرة أخرى تفشت في الأوساط الشعرية المغاربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهي صدور بعض الداواوين في طبعة ثنائية اللغة، وقد يكون الشاعر هو المؤلف والمترجم معا، كما هو في حالة الشاعرة الجزائرية عمارية بلال. وقد يختلف المترجم عن الشاعر في الديوان الواحد، وقد تصدر الطبعة الفرنسية في طبعة مستقلة عن النسخة العربية. 
ومن بين ترجمة لمئة شاعر وشاعر عربي ضمن مختارات معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين التي ترجمها د. عثمان بن طالب، كان هناك سبعة عشر شاعرا مغاربيا. ويبدو أن للباحث وجهة نظر في تلك الترجمة، حيث يقول: من حق أي عارف بالخارطة الشعرية المغاربية أن يطرح ما يشاء من استفهامات بخصوص المقاييس الفنية والتاريخية التي تم - على أساسها أو على أساس غيرها – انتخاب هذه القائمة الشعرية بالذات؟
أيضا للباحث وجهة نظر فيما ترجمه الشاعر العراقي عبدالقادر الجنابي سنة 1999 إلى الفرنسية بعنوان "القصيدة العربية الحديثة" حيث يرى أنها أنطولوجيا مثيرة للجدل لأن نصيب الشعر المغاربي منها لا يتعدى 17 شاعرا من بين 93 شاعرا. منبها إلى أن تلك الأنطولوجيا موزعة توزيعا جغرافيا غير عادل، تطبعه الهيمنة العراقية الواضحة، مع غياب التمثيل الموريتاني كاملا، ووجود شاعر ليبي واحد هو عاشور بشير الطويبي، مع إقصاء الشعراء العموديين إقصاء فادحا، واهتمام كبير بقصائد النثر وشعراء جماعة مجلة "شعر" وحدوث خلط بين التفعيلي وقصيدة النثر أدى إلى تصنيف الشاعر الجزائري عزالدين ميهوبي ضمن شعراء قصيدة النثر وهو – كما يقول الباحث – لم يكتب قصيدة نثرية واحدة طيلة أربعة عقود شعرية كاملة. 

The case of Arabic poetry
للباحث وجهة نظر 

أما عن اللغة الإنجليزية فقد فرضت نفسها مؤخرا باعتبارها لغة العولمة، ويرى الباحث  أن الانتقال من عصر اللغة الفرنسية إلى عوالم الإنجليزية حدث طارئ حديث العهد في تاريخ الشعر الجزائري على سبيل المثال، وقد ظهرت بعض الدواوين في طبعاث ثنائية اللغة.
وعن الإيطالية والإسبانية فهما لغتا التاريخي والجوار الحضاري لبلاد المغرب العربي، وعلى الرغم من الوجود الإيطالي في ليبيا، فإن المنجز الشعري الليبي المترجم إلى الإيطالية يبدو ضعيف الكم قياسا إلى طول فترة ذلك الوجود في ليبيا. ويشير الباحث إلى أنطولوجيا شعرية إيطالية استثنائية تتخذ من سنة 2010 سنة عالمية للشعر، وتضم مختارات شعرية من أكثر من عشرين لغة كان للعربية منها نصيب بلغ خمس قصائد فقط، ثلاث منها لثلاثة شعراء مغاربيين.
أما بخصوص اللغة الإسبانية، فيوضح الباحث أن الشعر المغربي ارتبط بالإسبانية ارتباطا تاريخيا وجغرافيا، يشبه ارتباط الشعر الليبي باللغة الإيطالية، لكن بقيمة تراكمية مضاعفة، يصعب معها حصر الشعراء المغاربة الذين هاجروا إلى الإسبانية، وقد يكون أشهرهم محمد بنيس وفاطمة بوهراكة ومحمد الطوبي وإدريس الملياني.
كما يتوقف الباحث عند اللغة التركية و"القواسم العثمانية المشتركة" وبعض الشعراء الذين ترجمت أعمالهم لتلك اللغة مثل محمد بنيس وآمال موسى. كما توقف أيضا عند اللغة الروسية؛ لغة التحالف الأيديولوجي وخاصة في الشعر الجزائري تحديدا، حيث سجل هذا الشعر حضورا كميا في اللغة الروسية لاعتبارات أيديولوجية.
كما تحدث الباحث عن ترجمة الشعر المغاربي إلى الأمازيغية باعتبارها لغة النزوح الثقافي والحنين إلى الذات. ولكنه عند العبرية أوضح أنها خط لغوي أحمر مما يعني أنها لغة غير مرغوب فيها، موضحا أن ثمة أفضية لغوية أخرى معزولة سكنتها القصيدة المغاربية في ظروف زمنية عابرة أطلق عليها "ملاجئ لغوية" مثل المقدونية والسويدية واليابانية والرومانية .. الخ، ومجموع ما نقل من الشعر إلى كل منها كان من القلة بحيث لا يستحق تأملا بحثيا طويلا.