"ومضات على الطريق" كتاب يعالج أوجاع الأمة

علي محمد الشرفاء الحمادي: إفشال الخطط الاستعمارية ضد العرب يتم عبر التكامل والتعاون، وبناء إعلام تنويري. 
كتاب الحمادي من الكتب النادرة التي تطالب الرؤساء والملوك والقادة العرب بضروة وضع مستقبل الأمة العربية فوق أي اعتبار
الكاتب ينتقد ضعف بنية المؤسسات العربية التي ظهرت على الساحة وضرب مثالا على ذلك عبر عرض تجربة مجلس التعاون الخليجي

صدرت  بالقاهرة الطبعة الثانية من كتاب "ومضات على الطريق  دراسات ومشاريع وحلول لمواجهة المستقبل العربي" للكاتب والسياسي الإماراتي على محمد الشرفاء الحمادي، ويمكن تصنيف هذا الكتاب على أنه من الكتب النادرة التي تطالب الرؤساء والملوك والقادة بضروة وضع مستقبل الأمة العربية فوق أي اعتبار؛ لأن مصير العالم العربي مرهون بتطبيق آليات التكامل الاقتصادي، والتوافق السياسي، والتوحد حول القضايا الكبري التي تشكل تحديا حضاريا أمام بقاء الأمة العربية على الخريطة الدولية، ويسير المؤلف في عرض وجهة نظره من خلال إعادة عرض بعض مقالاته التي سبق نشرها في هذا الشأن، علاوة على خبرته المستمدة من العمل السياسي، أو انطلاقًا من بعض  مقترحاته حول المستقبل. ويمكن متابعة ذلك كما يلي:
ومضات على الطريق
يشير الكاتب في هذا الباب إلى عدة محاور منها الوضع العربي الحالي، ومدى التمزق الذي ضرب أوصال الأمة، وهذا يتطلب ضروة مراجعة وضع الجامعة العربية بوصفها المؤسسة المنوط بها رسم السياسات العربية في مواجهة التحديات، وذلك عن طريق وضع ميثاق جديد يحدد المسؤليات والواجبات، وأسلوب العمل، مع إعادة هيكلة نظام الجامعة بشكل يسمح بتدوال منصب الإمين العام، إضافة إلى تشكيل محكمة عربية ذات مقر دائم  للبت في النزاعات والنظر في الخلافات البينية بين الدول الأعضاء؛ على أن يكون حكمها ملزم لجميع الأطراف.

الوسائل المتاحة لإفشال كل المخططات الاستعمارية تجاه الأمة تتمثل في تعزيز نظريات التكامل العربي، وبناء إعلام تنويري، وممارسة قواعد العلوم السياسية داخليًا،  وفي إطار العلاقات الدولية

ما في المجال الأمني فيجب إنشاء مجلس للأمن القومي العربي من قادة القوات المسلحة بكل الدول لتشكيل منظومة عربية للدفاع وترتيب كل ما يرتبط بذلك من خطط تدربية ونظم تسلحية وغيرها.
ضعف الكيانات الإقليمية
ينتقد المؤلف كذلك ضعف بنية المؤسسات العربية التي ظهرت على الساحة وضرب مثالا على ذلك عبر عرض تجربة مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس في 14 /2 / 1981 من ست دول عربية، حيث يعاني هذا التكتل من عدة مشاكل منها: عدم وجود استراتيجية اقتصادية، عدم وجود آليات متخصصة لتنفيذ إتفاقيات التعاون الاقتصادي. ونفس هذه المشاكل هي السبب في تجميد العمل بالكيانات العربية المماثلة.
 تطرق المؤلف إلى الوضع الراهن في كل من: الجزائر والسودان، وطالب بضرورة دعم التعاون مع مصر بوصفها دعامة الإرتكاز للعمل العربي المشترك، وطرح بعض الأفكار التنموية في هذا الصدد. 
ولم ينس الكاتب عرض بعض النماذج الخليجية المشرقة في مجال التعاون العربي ومنها تجربة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في دولة الإمارات، والتي أنطلقت إستراتيجتة التنمية فيها على ثلاثة أسس: تطوير المنطقة ـ تحقيق الرفاهية- بناء الإنسان القادر على تحمل المسؤلية.
تمثل هذه المحاور حجر الزاوية في بناء الدول ويمكن من خلال التعاون العربي  تحقيق هذه المنطلقات في باقي البلدان العربية.
بناء الاقتصاد
يطالب المؤلف بإنشاء بنك عربي برأس مال لا يقل عن 50 مليار دولار للمساهمة في بناء تكتل اقتصادي عربي، وللمساهمة في علاج الخلل في البنية المالية للاقتصاديات في بعض البلدان التي تعاني من الخلل، علاوة على توجيه الاستثمارات العربية بالخارج  نحو خدمة العرب بالداخل؛ لأن ودائعنا بالخارج يمكن تجميدها أو مصادرتها أو التلاعب بها من قبل الآخرين كما حدث وأن جمدت  الولايات المتحدة الأميركية الأرصدة الدولية الليبية في عهد القذافي.
وضرب الكاتب مثالا على الاستثمار النوعي في مجال الغذاء حيث يمثل متوسط حجم الواردات العربية من الغذاء نحو 65 مليار دولار سنويا، وبالتالي فإن توجه الاستثمار الخارج  في اتجاه الدول التي تمتلك مقومات الزراعة يحرر الأمن الغذائي للعرب من التبعية ويعزز فكرة الاستقلالية. 
رفع درجات الوعي 
يحذر المؤلف من مغبة التضليل الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام، حيث يتم الترويج في حالات كثيرة لخدمة الأفكار التي تخدم قضايا غربية على حساب المصلحة القومية للأمة العربية، وبالتالي تستمر عملية طمس الوعي؛ مما يؤدي إلى بقاء العرب في غيبوبة فكرية تسمح للمستعمر بالاستمرار في نهب المقدرات والموارد  المادية للعرب.
لقد عمدت قوى الشر المتربصة بعالمنا إلى بث ثقافة الترويع والتخويف والتشكيك لخنق أي أفكار تنموية، ويتم ذلك عبر الإرهاب الفكري، أو عبر  رسم صور ذهنية سلبية ضد بعضنا البعض، مما يؤدي في النهاية إلى تمزيق أوصال الأخوة، ومن ثم زيادة وتيرة التناحر العربي العربي، وعادة ما تسفر عملية تزييف الوعي عن تشتيت المواطن العربي وإنفصاله عن متخذ القرار، وإمكانية توظيفه ضد وطنه، وبالتالي تتراجع قدرتنا على حماية أمننا القومي. 

ومضات على الطريق
علاج الخلل 

تمدد الأفكار الصهيونية 
يحذر الكاتب من تمدد الأفكار الصهيونية التي زاد انتشارها منذ ثلاثين عام تقريبًا، وذلك بهدف إسكات الصوت العربي، والقضاء على العروبة بما تمثله من تاريخ وجغرافيا وحضارة ووحدة المصير، مع توظيف حقوق الإنسان بطريقة مغلوطة للنيل من العرب، وتحرك الدول الكبرى تحت هذا الستار لتدمير العرب والسطو على مقدراتهم كما حدث في العراق وفلسطين من قبلها.
برزت الإزدواجية في الدور السلبي للمجتمع الاستعماري أثناء غزو الكيان الصهيوني للبنان، فلم يتدخل أحد لوقف هذا العدون بل تم دعم هذا الغزو بالسلاح لترتكب المجازر ضد المدنيين وبما يخالف حقوق الإنسان، أما في حالة العراق عندما قام  بعملية غزو الكويت في خطأ فادح؛ رفضت الولايات المتحدة المقترح الروسي الذي طالب بحل الأزمة سلميًا بعدما وافق العراق على الإنسحاب.
 ومن خلال التحليل السياسي يمكنني القول إن ذلك المنهج الذي رصده الكاتب مازال مستمرا، وكمثال على تكرار مثل هذا العهر الغربي عندما تم التجييش لغزو العراق عام 2003 تحت حجج واهية، واليوم تتم نفس المحاولات للقضاء على العرب عبر تغذية التناقضات العربية ودعم أصحاب الأيديولوجيات المتخلفة لتحويل الخلاف في الرأي إلى حوار بالسلاح  فوق أنهار من الدماء العربية، وما كان ذلك ليحدث لولا سطحية الأداء في الإعلام العربي ودوره في تغييب الوعي وإفساد المجتمعات بعيدًا عن الدور التنويري.
الإرهاب والصراعات البينية 
تكمن الوسيلة الاستعمارية الجديدة في فتح منابر فكرية برعاية مخابراتية؛ لاستقطاب أصحاب الفكر المتطرف لتكوين مجموعات من بيننا قاصرة النظر للقيام بعمليات إرهابية في الغرب أو ضد بعض أصحاب الديانات الأخرى لتجييش العالم ضدنا لإيجاد مبرر للتدخل العسكري في بلادنا. 
الدور الغربي لتمزيق العرب
يبرهن الكاتب على ذلك بالدلائل؛ فلولا الدعم المادي والعسكري، والغطاء المعنوي للكيان الصهيوني ما استطاع هذا الكيان الغاصب من البقاء في فلسطين، ويمكن متابعة بنود اتفاقية التعاون الاسترتيجي عام 1998 بين الولايات المتحدة وإسرئيل التي من أهم بنودها: 
- تدخل الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في حال قيامها بأي عملية عسكرية بالمنطقة.
- تتعهد الولايات المتحدة بأن توجه ضربة عسكرية مؤثرة وبأسلحة فوق التقليدية ضد أي دولة تهاجم إسرائيل.
ويمكن لي من خلال تحليل وقراءة نصوص هذه الإتفاقية المنشورة بالكتاب؛ القول بأن المواجهات المحتملة مع إسرائيل تعني ضرب العرب بالسلاح النووي، وخاصة أن التاريخ الإجرامي للولايات المتحدة يؤكد أن ثقافة سفك الدماء من مكونات العقلية الاستعمارية الأميركية، وقد فعلوها في الحرب العالمية الثانية عندما ضربوا اليابان بالسلاح النووي، وكانوا على وشك إلقاء أكثر من 30 قنبلة نووية على روسيا بعد الحرب العالمية الثانية للقضاء على الفكر الشيوعي؛ ولولا توصل الروس إلى سر اختراع السلاح النووي إبان الحقبة السوفيتية لتم إرتكاب أكبر عملية إبادة جماعية على الأراضي الروسية، وحاليا يهدد ترامب العرب ويعلن بوقاحة عن فرض الإتاوات.
تتمثل الوسائل المتاحة لإفشال كل المخططات الاستعمارية تجاه الأمة في تعزيز نظريات التكامل العربي، وبناء إعلام تنويري، وممارسة قواعد العلوم السياسية داخليًا،  وفي إطار العلاقات الدولية.