نقابة الكتاتيب نصرة للإرهاب والترهيب

في الوقت الذي ينشغل السياسيون التونسيون بمن سيحكم البلاد، يتفرغ البعض لاعداد اطفال على الطريقة الأفغانية لحكم تونس في المستقبل.

فضيحة وجريمة شنعاء تلك التي استفاق على وقعها التونسيون آخر الأسبوع المنقضي. أطفال قصر يتم استغلالهم في مدرسة لحفظ القرآن على "الطريقة الأفغانية" في قرية معزولة بالرقاب في محافظة سيدي بوزيد.

الجريمة فضيحة من العيار الثقيل خاصة لمن دافع على وجود المدرسة غير المرخص لها واتهام السلطات بـ"اختطاف" الأطفال دون إذن من أولياء أمورهم، وذلك عند التدخل لانقاذهم من أيادي سلفية متطرفة يتم تمويلها من جهات مشبوهة.

منتسبون لجماعة الإسلام السياسي فرع "الحزب المدني" استماتوا في التنديد بما فعلته السلطات التونسية، التي أنقذت الأطفال وأغلقت المكان مع اجراء فحص طبي للتأكد من سلامتهم.

الأطفال البالغ عددهم 42 طفلا تقول السلطات أن بعضهم قد تعرض لاعتداءات جنسية في المدرسة.

إيداع "الشيخ" مدير المدرسة ومن معه السجن بتهمة اغتصاب أطفال دون 16 عاما والاتجار بهم والزواج على خلاف الصيغ القانونية، كلها تهم حاول البعض التستر عنها مع بداية انتشار فضيحة "معسكر تحفيظ القرآن". ناهيك عن المبلغ الخيالي الذي وجد في حوزة "الشيخ" في حسابه البنكي.

تهمة الاستغلال والاعتداء بالعنف والاشتباه بالانتماء إلى تنظيم إرهابي التي وجهت إلى "الشيخ" لا تعتبر شافية وكافية، فتبرير تلك الجرائم عبر شماعة "التعليم الديني" من قبل بعض المنتسبين إلى فرع "الحزب المدني" وبعض السلفيين واتهام السلطات بمنع الأطفال من التعلم "على الطريقة الشرعية" وشيطنة كل من ساهم في كشف الحادثة، يعد الجريمة الأشنع.

لطالما دأب من يصنفون أنفسهم "حماة للدين" على عدم اعترافهم بحقوق الأفراد خارج نطاق الدين، لكن كلما احتاجوا لتلك الورقة الرابحة دفاعا عن جرائمهم فلا بأس في استخدامها لنصرة "الشرع على نهج المتطرفين".
لقد تعود التونسيون منهم على ذلك، فالجماعة لديهم سوابق في الدفاع عن الإرهابيين وتبييض جرائمهم تحت شعارات حقوق الإنسان، نتذكر جيدا كيف دافعوا عن "أبنائهم" حين كانوا يمارسون الرياضة على سفوح جبل الشعانبي، فلا ضرر في الإشراف على تدريبهم وتسهيل عملية توجههم للجهاد في سوريا.
في المقابل تتبخر حقوق الإنسان فجأة وبقدرة قادر حين يكون الأمر يتعلق بالاعتداء على الحريات الفردية وخاصة حقوق الأطفال! يَصمت هؤلاء حينها ولا نسمع لهم صوتا، يتركون المجتمع المدني الذي يريدون تجريده من مدنيته، في الواجهة يدافع عن الحقوق والحريات حتى يستمتعوا باستخدامها لصالح مخططاتهم التخريبية. هي حق يراد به باطل وحريات ينتقدونها سرا لكنهم يستغلون ايجابياتها علنا.

هذا الصنف من دعاة التطرف دخلوا نهاية الأسبوع الماضي في حالة هستيريا ضمن حملة ممنهجة هدفها الاستماتة في الدفاع عن المدرسة مشبوهة المصدر.
لجأ العديد من المنتسبين إلى التيار السلفي والفروع المجاورة لهم كعادتهم إلى مسلسل "الحرب على الإسلام" والعودة إلى ممارسات التضييق على الحريات الدينية. فالتلويح بورقة الحريات يتم حسب أهوائهم. تبا لحقوق الإنسان التي تعد فجورا ولا تحترم النص الديني عندما تضمن حقوق الأطفال أو النساء، لكنها تغدو مقدسة عندما تصلح لتبرئة "شيخ مدرسة" من تهمة الاغتصاب والاتجار بالبشر.

الأطفال، الذين تم انقاذهم من براثن التطرف والتجنيد، انتهكت حقوقهم الجسدية والمعنوية! لكن العديد من الإخوان المحسوبين على أصحاب "سياسة الكيل بمكيالين" تجندوا للدفاع عن حق "التعليم الشرعي" معارضين عرض الأطفال على الفحص الطبي، فقد تذكروا حينا حقوق الإنسان، والذكرى تنفع المدافعين عن "فروعهم" في سبيل حماية مكتسبات الإسلام السياسي.

لا مجال للدفاع عن حقوق الطفل في مثل هذه الحالات، فكل طفل في نظرهم هو مشروع ناجح قابل للتجنيد، لأن الأهم حسب عقيدتهم هو الاستماتة في الدفاع عن مخططاتهم تحت شماعة "تحفيظ القرآن" بواجهة "حماية الدين"! في هذه الحالات يصبح الحقوقي منافق لدى المتأسلمين، والأطفال ليسوا ضحايا ايديولوجيات سياسية، بل ضحايا الدولة التي تدخلت لحماية حقوقهم المنتهكة من قبل متطرفين.

تحت غطاء الدين يصبح الاغتصاب مسموحا به فهو خفي بعيد عن مرمى الحقوق لدى من نصبوا أنفسهم حماة الدين!

الأخطر مما فعله هؤلاء من جريمة في حق الأطفال القصر، هو ذلك البيان الذي أصدرته منظمة عالمية سولت لها نفسها أن تتحدث باسم الأطفال مطالبة بالافراج عنهم حين اعتبرتهم محتجزين لدى السلطات، دون التثبت في الأكاذيب التي روجت لسوء معاملتهم بدل انقاذهم.

هل سيعتذر فرع منظمة العفو الدولية التي وضعت مصداقيتها على المحك أسوة ببعض المنظمات والجمعيات، التي تروح لنفسها على أنها حامية حمى حقوق الإنسان وتدافع عن المضطهدين وهي في الواقع تستند إلى تمويلات مشبوهة ومجهولة المصدر!

مدرسة الرقاب تم الانتباه لأنشطتها المريبة بعد بث حلقة من حلقات برنامج تلفزيوني كشفت المستور! ماذا لو لم يكشف التحقيق التلفزيوني ما كان يدور داخل أسوار هكذا معسكر لتفريخ الإرهابيين، ماذا كانت السلطات بفاعلة! كم من مدرسة أو جمعية أو جهاز يعمل في السر بعيدا عن الأنظار؟ ما خفي كان أعظم!

ما ظهر في فيديو مسرب لأحد الأطفال الذين كانوا في المدرسة المذكورة صدم الجميع، لم يكن الأطفال في فضاء يسمح بالتعلم بل كانوا داخل وكر ومعسكر لتفريخ المتطرفين، يتعلمون فنون القتال على أنغام نشيد على طريقة داعش!

يكفي أن نتذكر كيف بدأت حركة طالبان في أفغانستان عبر انشاء معسكرات لتدريب الأطفال على هذه الشاكلة، لنعرف ما ينتظره أطفال تونس مستقبلا وأذرع الإخوان تتمدد أكثر في غفلة من الجميع!

صمت رهيب يخيم على حادثة "مدرسة الرقاب" من قبل المدافعين عن "الإسلام السياسي" بعد كشف المستور والمتستر عنهم، صمت يدعو إلى التفكير في غرق وشيك أو غير بعيد نحو مستنقع شبيه بمستنقع ملف "شبكة تسفير الإرهابيين" إلى سوريا الذي يختفي كلما توجهت أيدي القضاة نحوه.

أين هي الأحزاب التي تطالب من التونسيين بـ"الوقوف لتونس" من كل هذا؟ هذه التساؤلات موجهة لكل السياسيين التونسيين وخاصة من يستعد منهم لخوض غمار الانتخابات المقبلة، أين أنتم من هكذا مستقبل للبلاد والأولاد!

لكن هيهات. الكل خارج نطاق الخدمة حاليا في تونس. فالسياسيون والبرلمانيون منشغلون بمن ستكون السلطة بين يديه مستقبلا. السلطة ستكون بين يدي هذا الجيل من الأطفال إذا مرت أجواء التدريب بسلام في معسكرات مماثلة!

وبما أن تونس تعيش منذ أسابيع على وقع أزمة تعليم بين النقابة ووزارة التعليم، فلا باس أن يؤسس "الإخوان" المدافعون عن وكر التطرّف هذا، هم أيضا، "نقابة للكتاتيب" تضمن حقوق التعلم على الطريقة "الشرعية" نصرة لساسة الإرهاب والترهيب!