تحلم الدوحة بما ينفيه الواقع

إن ارادت قطر استعادة موقعها في العالم العربي فعليها أن تواجه حقيقة ما فعلته.

يتمنى المرء لو أن دولة قطر تستعيد في أقرب وقت وضعها الطبيعي ضمن محيطها العربي وتتخلص من العبء النفسي الذي شكل عنصر ضغط عليها عبر السنتين الماضيين.

تلك أمنية تنطوي على شرط إنساني لا يمكن تحقيقه إلا بأساليب سياسية. وهو ما يجعل الإنساني رهين سياسات صارت محل التباس، كان من الصعب القفز عليها في ظل ما تشهده المنطقة من وقائع خطيرة.

فالأزمة القطرية لم تكن من صنع الآخرين. وهي ليست وليدة اللحظة التي أعلنت فيها الدول العربية الأربع (السعودية، الامارات، البحرين، مصر) عن يأسها من إمكانية أن يتراجع النظام القطري عن سياساته التي قادت إلى قرار المقاطعة وما ترتب عليه من عزلة لقطر وأهلها.

الأزمة القطرية تعود في حقيقتها إلى ما قبل الإعلان عنها بسنوات طويلة. فهي ازمة مسكوت عنها. ذلك لأن أحدا لم يكن يتخيل أن يكون غرام قطر بجماعة الإخوان المسلمين سيصل إلى درجة التورط في مشاريع تلك الجماعة الإرهابية، بحيث تضع دولة ثرية، قليلة السكان نفسها في خدمة تيار عقائدي ظلامي، كانت علاقته بأجهزة المخابرات الغربية موضع استفهام دائما.

هل كانت قطر دولة يحكمها الإخوان منذ منتصف التسعينات؟

ذلك ما يجيب عنه السعوديون بطريقة غير مباشرة.

من وجهة نظر السعوديين فإن التآمر القطري بدأ بعد عام 1995. وهو ما يمكن تسميته بـ"التآمر الإخواني" بالرغم من أن علاقة السعودية بالإخوان لم تكن سيئة في ذلك الوقت. غير أن الجماعة لا تقيم وزنا إلا لما يخدم مصالحها في التمدد والهيمنة. وكما يبدو فإنها وجدت في قطر مجالا حيويا تتحرك من خلاله للإغارة على الدول المجاورة التي لا ترى خطرا في وجودها غير أنها لم تكن تسمح لها بحرية الحركة كما تريد.

قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رأت نفسها في مرآة الإخوان، بالرغم من أنها لم تسمح لهم بالعمل على أراضيها. ذلك تناقض يكشف عن شعور النظام القطري بما ينطوي عليه السماح لجماعة إرهابية بالعمل داخل الأراضي القطرية من خطر على السيادة ووحدة المجتمع.

لذلك كان مستغربا أن تقوم قطر بالدفاع عن جماعة، تعرف أن مشروعها يتناقض كليا مع فكرة قيام دولة حديثة. وهو ما يدخل الأمور في عالم التكهنات. ذلك لأن قطر تتعامل مع السألة كما لو أنها أمر مفروغ منه وعلى الدول الأخرى القبول به.

وهنا يكمن مسوغ قطر في رفض الشروط التي وضعتها دول القاطعة من أجل بدء حوار سياسي بناء لا يمت بصلة إلى النفاق وتبويس اللحى. وإذا ما كانت قطر قد رفضت ذلك النوع من الحوار فلأنها لا ترى فيه ما يخدمها ما دامت مستمرة في سياساتها في دعم الجماعات الإرهابية وهو ما يمكن التأكد من نتائجه الكارثية في سوريا.

لا أعتقد أن واحدة من دول المقاطعة تدافع عن نظام بشار الأسد. ولكن ما حدث لسوريا لا يمكن أن يشكل مصدر فخر لأحد.

لست هنا معنيا بما يقوله سياسيو الغرب. قطر باعتراف كاهنها حمد بن جاسم قد مولت الجماعات الإرهابية بأكثر من مئة مليار دولار من أجل تدمير سوريا. قال بصريح العبارة "لقد كان علينا أن نذهب معا. غير أنهم تخلوا عنا" وهو يقصد السعوديين.         

أعتقد أن قطر لا تتبنى سياسة صحيحة من أجل العودة إلى محيطها العربي. فهي تستند إلى الواقع الافتراضي في التنفيس عن أزمتها بدلا من أن تواجه الواقع الحقيقي.

الشروط التي وضعتها دول المقاطعة ليست صعبة وهي لا تمس السيادة الوطنية بضرر. ذلك لأنها تتعلق بسياسات هامشية، يمكن التراجع عنها من أجل أن تستعيد قطر دورها الإيجابي البناء في المنطقة.

لا أظن أن القطريين العاديين ينزعجون حين تُنفق أموالهم في بناء المدارس والمكتبات والمصانع والمستشفيات بدلا من أن تنفق في هدمها.

ثم أن من الصعب القبول بفكرة أن بن لادن وسواه من الإرهابيين كانوا ابطالا كما تزعم قناة الجزيرة بطريقة تخون الحقيقة.

إن ارادت قطر استعادة موقعها في العالم العربي فعليها أن تواجه حقيقة ما فعلته.