
ترامب يدير ظهره لأكثر من اتفاق دولي
واشنطن - أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا انسحاب بلاده من اتفاقيات ومؤسسات دولية، في خطوة تعتبر تنكرا لتعهداته الدولية في ظروف استثنائية يعيشها العالم في ظل انتشار جائحة كورونا.
وفي أحدث المستجدات قطعت واشنطن بقرار من ترامب السبت علاقتها بمنظمة الصحة العالمية التي يتهمها الرئيس الأميركي بمسايرة الصين.
ويعتبر انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية في خضم المواجهة مع جائحة كورونا، قطعا للدعم السخي التي تقدمه واشنطن للمؤسسة واستنزافا لمواردها الضئيلة أصلا، في خضم المواجهة مع جائحة كورونا.
ويمثل تنكر ترامب لعلاقته بالمنظمة الصحية، تهديدا حقيقيا لبرامجها الصحية في أشد البلدان فقرا، حيث تعتمد المنظمة بشكل كبير على التمويل الأميركي لتغطية نفقاتها وتنفيذ استراتيجياتها.
وفي هذا السياق أعرب مدير المنظمة الاثنين عن أمله بمواصلة التعاون مع الولايات المتحدة.
وقال تيدروس ادانوم غبريسوس إن "مساهمات وسخاء الحكومة والشعب الأميركيين لصالح الصحة العالمية طوال عقود عدة، كانت هائلة وحملت فوائد كبيرة للصحة العامة في العالم".
وأضاف غبريسوس خلال مؤتمر صحافي عبر الانترنت من جنيف أن "منظمة الصحة العالمية تأمل باستمرار هذا التعاون".
ومنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة هي مؤسسة متعددة الأطراف أنشئت في عام 1948. وتعتمد المؤسسة على 7000 موظف في العالم بأسره، وتتوقف عملياتها ومهامها على الاعتمادات الممنوحة لها من قبل الدول الأعضاء وعلى تبرعات الجهات الخاصة.
وتسهم الأموال الأميركية بشكل رئيسي في تمويل برامج المنظمة في إفريقيا والشرق الأوسط. ويشارك نحو ثلث هذه المساهمات في تمويل عمليات الطوارئ الصحية، فيما يُخصص الجزء المتبقي في المقام الأول لبرامج التصدي لشلل الأطفال وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والوقاية من الأوبئة ومكافحتها.
ويقول ترامب أنه قرر وقف تمويل المنظمة بمبلغ يصل إلى 450 مليون دولار.
وباغت القرار الأميركي المجتمع العلمي في وقت يستمر فيه فيروس كورونا انتشاره المفزع حول العالم، مخلفا حتى الآن أكثر من 360 ألف وفاة في أكثر من 190 دولة تسلل إليها.
انسحابات بالجملة
دعا الاتحاد الأوروبي واشنطن السبت إلى إعادة النظر في قرار قطع علاقتها بمنظمة الصحة، داعيا إلى التضامن في مواجهة الفيروس الذي يواصل انتشاره حول العالم.
ولا يعتبر الانسحاب الأميركي من الاتفاقيات الدولية أمرا جديدا، فمنذ قدومه إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني عام 2017، شرع ترامب في مراجعة ما يرى أنها "اتفاقيات سيئة" على حد قوله وإلغائها لأنها لا تخدم مصالح الولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا.
وسارع ترامب في مراجعة إرث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، معتبرا أن الاتفاقيات التي أبرمها سلفه "كارثية" وأضرت كثيرا بالولايات المتحدة واستفاد منها الخصوم، مشيرا إلى أن الصين ما كانت لتقوى اقتصاديا لولا تساهل سابقيه بالبيت الأبيض.
ومنذ تربعه على العرش الأميركي أحدث الرئيس الديمقراطي نقلة نوعية في السياسة الأميركية، ونفذ انسحابات بالجملة من عدة اتفاقيات دولية، لعل أبرزها انسحابه عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه سلفه عام 2015 بمشاركة فرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا.
والأسبوع الماضي أعلن ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية الأجواء المفتوحة بين دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والأعضاء السابقين في حلف وارسو.

وانتقدت موسكو سلوك الولايات المتحدة الذي وصفته بأنه "خطير"، بعد القرارات الأميركية المتتالية لإنهاء استثناءات على صلة بالبرنامج النووي المدني الإيراني ومعاهدة "الأجواء المفتوحة" العسكرية الروسية الغربية.
وأرجع ترامب هذه الخطوة إلى عدم التزام روسيا بتعهداتها في اتفاق السموات المفتوحة، فيما أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن بلاده قد تعيد النظر في قرارها إذا تم تصحيح الأخطاء.
وتتهم واشنطن موسكو بانتهاك الاتفاقية من خلال تسيير طلعات جوية فوق منشآت مدنية، والبيت الأبيض وملعب للجولف يتردد عليه الرئيس الأميركي.
وضمن مسلسل الانسحابات الأميركية المتتالية الأسبوع الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الأربعاء انتهاء العمل بالاستثناءات التي كانت تسمح بمشاريع مرتبطة بالبرنامج النووي المدني الإيراني على الرغم من عقوبات واشنطن، في آخر خطوة لفك الارتباط الأميركي بالاتفاق الدولي المبرم في 2015.
وأثار القرار استياء الاتحاد الأوروبي، حيث قالت فرنسا وألمانيا وبريطانيا السبت إنها "تأسف" لقرار واشنطن إنهاء العمل باستثناءات أساسية لمشاريع في القطاع النووي المدني الإيراني تشكل "ضمانات" للطبيعة "السلمية" لبرنامج طهران.
من جانبها رأت روسيا أن الولايات تزداد "خطورة" بعد قراراتها بشأن إيران واتفاقية "الأجواء المفتوحة".
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحافي إن "تصرفات واشنطن تزداد خطورة ولا يمكن التنبؤ بها".
وقبل عام وقع ترامب على قرار الانسحاب من المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة التقليدية التي تمنع بيع أسلحة لمنتهكي حقوق الإنسان والعصابات المسلحة والجماعات الإرهابية وجهات متورطة في جرائم حرب، فيما انسحبت واشنطن في العام نفسه من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا.
كما أعلن ترامب انسحاب بلاده من مجلس حقوق الإنسان، بسبب ما اعتبره انحيازا ضد إسرائيل، فضلا عن تراجعه عن معاهدة الصداقة بين أميركا وإيران التي أبرمت في عهد حكم الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي.
وفي سنة 2017 نقضت واشنطن معاهدة باريس للمناخ التي تهدف لاحتواء الاحترار العالمي لأقل من 2 درجات والسعي لحده في 1.5 درجة.
ويواجه ترامب ضغوطا منذ إطلاق المعارضين حملة لعزله في ما عُرف بتورطه في قضية أوكرانيا وسوء استخدام سلطته في الضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زينليسكي لضرب منافسه في الانتخابات جو بايدن، فيما وصل غضب الاحتجاجات على مقتل الرجل الأسمر جورج فرويد علي يد رجال الشرطة قد إلى البيت الأبيض.