سيميولوجيا الجسد صورة مكتملة لانسجام اللغة مع السيميولوجيا

رسالة محمد أبو الفتوح اكتسبت أهميتها من أهمية فلسفة اللغة، حيث كان الوعي الفلسفي في القرن العشرين وراء هذا الازدهار اللغوي.
موضوع البحث يمثل نموذجًا للانسجام والتداخل بين العلوم المتنوعة والمختلفة
السيميولوجيا مع اللغة ساهما بشكل كبير في تدقيق العلوم سواء اللغوية أو الاجتماعية أو الفلسفية

هل السيميولوجيا وليدة القرن الـ 19 وأن تمام هيكلتها كعلم كان في القرن العشرين؟ هل علم السيميولوجيا علم نظري مجرد، أم أنه يمتزج بالواقع العملي ويؤثر فيه؟ وما مدى الصلة بينه وبين علم المنطق؟ وما علاقة العلامات بالوقائع الاجتماعية؟ وكيف تُشكِل السيميولوجيا الظاهرة الاجتماعية؟ كيف استغل العلم الحديث معطياتها في التأثير على العقل البشري؟ وما هي سيميولوجيا الصورة وتأثيرها الأدبي واللغوي؟ كيف كانت اللغة الطبيعية هي الوسيلة الرئيسية والأصيلة والمناسبة لكشف غموض علم العلامات؟ ما هي العلاقة بين اللغة الطبيعية وعلم العلامات، وأيهما بُني على الآخر، وما هو التأثير المتبادل فيما بينهما؟ ما هو دور سيميولوجيا اللغة في تشكيل وتهيئة الإيديولوجيا الجمعية والوعي العام؟ كيف بدا شكل السيميولوجيا في ظل التطور التكنولوجي وكذلك في ظل تطور اللغات واستحداثها؟ هل تمثل لغة الجسد الشكل الطبيعي لسيميولوجيا اللغة؟ وما هو دور سيميولوجيا اللغة في صناعة الهوية المجتمعية؟
هذا التساؤلات وغيرها مما يرتبط بالسيميولوجيا شكلت محور الأطروحة التي نال بها الباحث د.محمد أبو الفتوح الطيب درجة الدكتوراه أخيرا من كلية الآداب جامعة جنوب الوادي قسم الفلسفة، تحت عنوان "السيميولوجيا وتأثيرها في اللغة الطبيعية"، والتي استهدفت للإجابة عن هذه التساؤلات أولا الرجوع إلى مراحل نشأة وتطور علم العلامات بداية من الفكر الفلسفي القديم وصولًا إلى عصرنا الحالي. 
ثانيا؛ إثبات الصلة الوثيقة والتأثير والتأثر بين اللغة وعلم السيميولوجيا، من خلال النظر في الهيكل السيميولوجي للغة، والبحث في مدى صدق القول بأن اللغة في أصلها مجرد بناء رمزي في الأصل. ثالثا؛ الوقوف على طبيعة العلاقة بين السيميولوجيا والسوسيولوجيا، وذلك من خلال دراسة الظاهرة الاجتماعية من ناحية سيميولوجية. رابعا؛ النظر في حجم التأثير العلاماتي في هيكل اللغة الطبيعية وكذلك مضمونها. خامسا؛ البحث في مسألة علاقة سيميولوجيا اللغة والتأثير في إيديولوجيا المجتمع وكذلك الهوية الجمعية.

الباحث يطالب بمنح سيميولوجيا الجسد فرصة للدراسة المتخصصة؛ وذلك بسبب قدرتها على تحليل الحالة الداخلية والنفسية للفرد، ومن ثم المساهمة في فهم طبيعة الإنسان ومجتمعه

هذا التساؤلات وغيرها مما يرتبط بالسيميولوجيا شكلت محور الأطروحة التي نال بها الباحث د.محمد أبو الفتوح الطيب درجة الدكتوراه أخيرا من كلية الآداب جامعة جنوب الوادي قسم الفلسفة، تحت عنوان "السيميولوجيا وتأثيرها في اللغة الطبيعية"، والتي استهدفت للإجابة عن هذه التساؤلات أولا الرجوع إلى مراحل نشأة وتطور علم العلامات بداية من الفكر الفلسفي القديم وصولًا إلى عصرنا الحالي. 
ثانيا؛ إثبات الصلة الوثيقة والتأثير والتأثر بين اللغة وعلم السيميولوجيا، من خلال النظر في الهيكل السيميولوجي للغة، والبحث في مدى صدق القول بأن اللغة في أصلها مجرد بناء رمزي في الأصل. ثالثا؛ الوقوف على طبيعة العلاقة بين السيميولوجيا والسوسيولوجيا، وذلك من خلال دراسة الظاهرة الاجتماعية من ناحية سيميولوجية. رابعا؛ النظر في حجم التأثير العلاماتي في هيكل اللغة الطبيعية وكذلك مضمونها. خامسا؛ البحث في مسألة علاقة سيميولوجيا اللغة والتأثير في إيديولوجيا المجتمع وكذلك الهوية الجمعية.
وأكد الباحث أن الدراسة اكتسبت أهميتها من أهمية فلسفة اللغة، حيث كان الوعي الفلسفي في القرن العشرين وراء هذا الازدهار اللغوي؛ لما اتضح من أهمية بالغة للغة كمحور رئيس بين العلوم، وهناك مجموعة من العوامل التي زادت من أهمية اللغة في الفلسفة، لكونها هي المخزون الاستراتيجي للأفكار والمفاهيم، وهو الذي تستند إليه كل الفلسفات المتعاقبة، كما أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالآلية العقلية التي تتحكم في المعرفة البشرية، وقد امتزج علم العلامات بكل أركان اللغة؛ بحيث كوّنا وجهين لعملة واحدة، وهذا ما منح أهمية عظيمة لعلم السيميولوجيا، وتأتي أهمية الدراسة أيضًا من الانسجام الكبير بين دراسة السيميولوجيا والظاهرة الاجتماعية والتي بدورها تعتبر مركز جُلّ الدراسات الإنسانية.
وقال إن موضوع البحث يمثل نموذجًا لذلك الانسجام والتداخل بين العلوم المتنوعة والمختلفة؛ حيث عُنون بالسيميولوجيا وتأثيرها في اللغة الطبيعية، وهذا العنوان يسوقنا نحو عدة علوم؛ فالسيميولوجيا تعني علم العلامات، وتلك العلامات هي مادة تكوينية تستند عليها جميع العلوم العملية والنظرية منها، أمَّا الجزء الثاني من ذلك العُنوان فكانت اللغة هي محتواه، وقد لا يخلو علم من شكله اللغوي، وبالتالي يعد موضوع البحث من أهم الأشكال التي تبلور فكرة العلوم البينية، وقد اتضح من خلاله كيف أن السيميولوجيا مع اللغة قد ساهما بشكل كبير في تدقيق العلوم سواء اللغوية أو الاجتماعية أو الفلسفية منها؛ فقد بدأ البحث بعرض التعريف العام لعلم العلامات، ومن خلال ذلك التعريف تجلَّت الصورة التي بيَّنت كيف أن معظم العلوم منذ نشأتها قد استندت على الترميز؛ فلا عجب في أن علم الطب وهو العلم القديم كان قد مثل المحاولات الأولى لظهور الدراسات السيميولوجية؛ فقد كان تشخيص المرض يعتمد على السمات الظاهرية للمريض، وكذلك علم الكيمياء كان يرتبط قديمًا بمفهوم العلامات لما تمنحه للعالم من مقدمات تؤدي إلى نتيجة، وكذلك العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .... إلخ.
وأشار الباحث إلى أن التأثير الأكبر للسيميولوجيا بدا ظاهرًا في الدراسات المجتمعية؛ فالإنسان هو غاية كل دراسة، والإنسان في ذاته علامة في الكون المحيط به من العلامات، ومن أجل أن يفهم الإنسان طبيعته ومحيطه أضحى في أشد الحاجة إلى ترجمة الوقائع من حوله، وكانت السيميولوجيا هي المنهج المثالي للقيام بذلك؛ لأنه علم دراسة العلامات، إلى جانب أن ما يميز الإنسان هما الفكر واللغة، وهما في حد ذاتهما مجرد علامات، ليتضح من ذلك أن السيميولوجيا علم متكامل يستطيع تناول كل ما يخص الإنسان وظروف مجتمعه، وما تنطوي عليه نفسه من أحاسيس وعاطفة ولاشعور، وما توحيه من حركات يعبر عنها خارجه؛ إذ أن جسده نفسه هو معطيات علاماتية ولغة سيميولوجية. 

Research
فرديناند دي سوسير

فصول الدراسة الأربعة ضمت اثني عشر مبحثا، تناولت السيميولوجيا نشأة وتطورًا، ومركزية السيميولوجيا بين الفكر المجرد والواقع الملموس، واللغة وهيكلها السيميولوجي، وسيميولوجيا اللغة والإيديولوجيا الجمعية، واستطاع الباحث أن يخرج بمجموعة من النتائج من أهمها:
ـ خضوع الظاهرة الاجتماعية بفروعها للسيميولوجيا؛ لذا فقد اختلف قطُبا السيميولوجيا في هذا الصدد مع إقرارهما بمتانة الارتباط بين الظاهرة الاجتماعية والعلامات، وبعد تتبع الكثير من الآراء المختلفة بين المفكرين من خلال البحث، تتضح أن رؤية بيرس وتصوره حول تلك العلاقة هي الأقرب لوجهة نظر الباحث، فالمتأمل في تغلغل العلامات داخل الإنسان وخارجه في محيطه الاجتماعي يرى أن السيميولوجيا منغمسة في أدق أركان المجتمع وبدونها يتلاشى المكوِّن الاجتماعي. 
ـ إن اللغة من حيث نشأتها وتكوينها وبنيتها وتطورها سيميولوجية الأصل؛ ولقد توصل العديد من الفلاسفة وعلماء اللغة من أمثال سوسير بأنها مجموعة من الإشارات والرموز والعلامات، والحقيقة أنه بالرجوع لتاريخ تطور نشأة اللغة قد تجلَّى للباحث بأن البداية الأولى لها كانت في شكل صور ورموز، وأن الحضارات القديمة التي وُجدت قبل ميلاد اللغات استندت في تواصلها واتصالها على الرموز والإشارات، وقد قدم الباحث لذلك أدلة مثل الحضارة الفرعونية التي وثَّقت ذلك على جدران معابدها، وكذلك اللغات الصينية والهندية القديمة؛ وعليه فإن اللغة مجرد مرحلة متطورة للعلاماتية.
ـ إن سيميولوجيا الجسد هي صورة مكتملة الأركان لانسجام اللغة مع السيميولوجيا؛ حيث تمثل اللغة الدقيقة للإنسان، والتي يشارك فيها بكل حواسه سواء مكونات الوجه أو الأرجل أو اليدين أو أي حركة تصدر منه، هي عبارة عن علامات خارجية نابعة من أخرى داخلية يعبر عنها بأسلوب لاشعوري.
ـ إن سيميولوجيا اللغة تشكِّل العقل الفردي والجمعي على السواء؛ حيث إن اللغة هي المكون الحقيقي لثقافة الفرد ووعيه، والفرد هو الذي ينشئ المجتمعات؛ لذا فإن سيميولوجيا اللغة هي التي تحدد مستوى الإدراك والوعي لدى الإنسان، فإن استطاع تطويرها وفقًا لمستجدات عصره استطاع أن يهيكل عقلًا واعيًا، وإن أهدرها وتوقف عن تطويرها فهو إذن يتراجع بمجتمعه إلى الخلف.
ـ تتشكل الهوية الجماعية وفقًا لسيميولوجيا اللغة؛ لا سيما أن اللغة هي التي تشكِّل الهوية والشخصية المجتمعية، وبما أن سيميولوجيا اللغة هي مرحلة تواصل متطورة للغة؛ إذن فهي التي تستطيع التحكم في شكل شخصية الفرد وهويته وتبعا لها شخصية المجتمع وكذلك هويته.
وأوصى الباحث في حتام أطروحته بأن يحتل علم السيميولوجيا مكانة عظيمة في الدراسات المعاصرة، كما في المجتمعات الغربية مثل فرنسا؛ وذلك بسبب تطور ما يسمى بالعلوم البينية؛ فمن أجل تقدم تلك الأمم سعوّا إلى مزج العلوم ببعضها البعض للاستفادة منها إلى أعلى مستوى، والسبب المحوري وراء هذا الاهتمام بالسيميولوجيا هو أهمية الدراسات اللغوية التي تساند العلوم في نهضتها.
وشدّد على ضرورة الاهتمام بالسيميولوجيا الاجتماعية بشكل أكبر، إذ إن تلك السيميولوجيا تهتم بالإنسان مباشرة، وترتبط بالتحليل النفسي والاجتماعي له، وتقوم بدراسة محيطه الخاص والعام؛ ومن ثم كنت الحاجة الماسة إلى التعمق في تناولها في دراسات مستقلة. 
وأيضا رأى ضرورة تناول سيميولوجيا اللغة العربية بشكل خاص ومن خلال درس متسع؛ لأن هذا المنهج لم يُطبَّق بشكل جدِّي على لغتنا، على الرغم من أن القرآن الكريم وهو الإعجاز اللغوي قد ذكر السيمياء في كثير من آياته، وكانت تدل حينئذٍ على العلامات، ورغم ذلك لم تحظ السيميولوجيا بالاهتمام المرتجى في الدراسات العربية. 
وأخير طالب بمنح سيميولوجيا الجسد فرصة للدراسة المتخصصة؛ وذلك بسبب قدرتها على تحليل الحالة الداخلية والنفسية للفرد، ومن ثم المساهمة في فهم طبيعة الإنسان ومجتمعه.