ليس إنقاذ العراق فكرة مستحيلة

الرجل الصامت في بغداد قد تكلم في واشنطن بما يُحرج الإميركان.
الكاظمي متواضع في النظر إلى ما يمكن إنجازه وصامت في تنفيذ إصلاحاته
سيطرة الميليشيات على الجانب الاقتصادي تعني ان شخص مَن يحكم لم يعد ضروريا
الميليشيات قبلت بالكاظمي وهي تعرف أنه ليس إيراني الميول لكنها تأمل بألا ينقب في النظام المالي

العراق بلد تحكمه الميليشيات. تلك حقيقة لن يغير فيها أن رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي لا ينظر باحترام إلى تلك الميليشيات التي تتعامل معه بحذر يصل أحيانا إلى درجة الاستفزاز المجاني.

يعرف الرجل وهو رئيس سابق لجهاز المخابرات أن مهمته ستكون ناقصة وأن هناك خطوطا في البلد لن يتمكن من عبورها أو التماس بها. كما أن المشكلات التي تفرض عليه وظيفته التصدي لها هي في جزء كبير مرتبطة بتمدد تلك الميليشيات على الأرض وتوسع مصالحها.

في حالته فإن الصدام بالميليشيات لن يكون ضروريا في الوقت الراهن. لقد ترك الأمر للشعب. هناك ما يمكن أن يفعله على مستوى تفكيك العقدة العراقية.

ليست الميليشيات سوى الجزء البارز من وضع شائك ومعقد، سيكون عليه أن يتصدى له بدءا من النظام الإقتصادي القائم على آلية فساد صممت لتكون قاعدة لاستمرار العراق دولة فاشلة تحكمها الميليشيات.

لقد رُسمت صورة العراق بطريقة تكون فيها بُنى الدولة جاهزة لتقديم الخدمات لمؤسسات غير شرعية ومن تلك الخدمات التمويل المصرفي.

لذلك فإن الحكومة لن تكون سوى حكومة تصريف أعمال.

تلك هي مشكلة الكاظمي الكبرى. لقد قبلت به الميليشيات رئيسا للحكومة وهي تعرف أنه ليس إيراني الميول غير أنها تأمل بأنه لن ينقب في النظام المالي الذي صار راسخا بحيث لن يتمكن أحد من التأثير عليه بالطرق التقليدية.

هناك مَن يدير النظام الاقتصادي داخل الدولة لصالح الميليشيات.

ولأن الميليشيات قد ضمت السيطرة على ذلك الجانب الحيوي فإن شخص مَن يحكم لم يعد ضروريا. فالدولة لا تؤثر على آليات عملها قرارات تتخذها حكومة مؤقتة ليس لديها الوقت لكي تفتح ملفات شائكة تم تركيبها بطريقة معقدة لا يزال القائمون عليها ممسكين بها.

الكاظمي من جهته يدرك أن دخل إلى حلبة، خُطط لها أن لا تسمح له بالحركة. وإن قام بما يُقلق فإن هناك ما يردعه من داخل النظام. فالنظام أقوى من أن يخترقه رجل يعتبره الكثيرون طارئا بسبب عدم انتسابه إلى حزب من الأحزاب المهيمنة على الدولة من خلال تسييرها لأعمال الوزارات وهيمنتها على الوارادات المالية لتلك الوزارات.

في ظل تلك المعطيات كان الكاظمي متواضعا في النظر إلى ما يمكن أن ينجزه. وكان صامتا في تنفيذ إصلاحاته التي تفاءل الكثيرون بإنها ستهبهم منقذا للعراق.  

ما يعرفه الكاظمي استنادا إلى خبرته رئيسا لجهاز المخابرات إن انقاذ العراق يُعد مهمة مستحيلة. لا لأن الميليشيات رهنت العراق ببقائها حسب بل وأيضا لأن كل شيء مرتبط بنتائج الصراع الأميركي الإيراني.

الكاظمي يقدم العامل الثاني على الأول.

بالرغم من أن العراق يشكل ورقة يستعملها أحد الطرفين للضغط على الآخر. فإن الكاظمي يعتقد أن في إمكان الولايات المتحدة الحاق الهزيمة بإيران من غير اللجوء إلى وسائل عسكرية. وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى هزيمة الميليشيات الإيرانية في العراق.

تلك طريق طويلة فهل الكاظمي مطمئن إلى أنه سيخوض غمارها إلى النهاية؟

ليس من المرجح أن تُرفع العقوبات الأميركية عن إيران في وقت قريب حتى لو لم يتم انتخاب ترامب لولاية ثانية كما أن علاقة الكاظمي بالديمقراطيين يمكن أن توصف بالمتينة.   

انقاذ العراق هو مسؤولية أميركية. وكما أتوقع فإن الرجل الصامت في بغداد قد تكلم في واشنطن بما يُحرج الإميركان. لذلك فقد صار الحل بيدهم. بدءا بخبراء اقتصاديين يمكنهم أن يفككوا دولة الفساد وانتهاء بإجبار إيران على التخلي عن مشروعها التوسعي في العراق.

ليست تلك فكرة مؤجلة وهو ما يُشعر الميليشيات بالخطر الذي لا تملك سببا وجيها لمواجهته.