تطبيع الامبراطورية العثمانية مع الاحتلال الصهيوني

إذا كان العرب يظنون أن الاحتلال الصهيوني بدأ في القرن العشرين فهم مخطئون.
اردوغان لن يصلح ما افسده العثمانيون ولن يستعيد الأراضي التي أضاعوها
فرمان سلطاني في 1856: الكفاءة فقط أساس التعيينات الرسمية بصرف النظر عن الدين
أين كانت الدولة العثمانية ولماذا دخل الى فلسطين آلاف الصهاينة تحت حماية القانون الهمايوني

إذا كان التطبيع جريمة، فإن الخلافة العثمانية هي أول مجرم في تاريخ التطبيع، ففي عام 1856 قام السلطان عبد المجيد الأول بإصدار قانون الخط الهمايوني والهدف منه مساواة جميع فئات الشعب في الامبراطورية العثمانية في الحقوق والواجبات ويدل الخط الهمايوني على اعتراف من الدولة العثمانية بالإجحاف وعدم الإنصاف للديانات الأخرى فقام ببناء دور العبادة لجميع الأديان في جميع الولايات التابعة للدولة العثمانية، يطبق على كل الملل والأديان غير الإسلامية. وقد جاء هذا الفرمان بضغط من فرنسا وبريطانيا على السلطان مقابل مساعدته في حربه مع الروس وكانت بنود هذا الفرمان هي:

  • عدم إجبار أي شخص على ترك دينه
  • محو كل الألفاظ المسيئة لأي دين ملة أو طائفة
  • يكون أساس التعيين في وظائف الدولة على أساس الكفاءة فقط بصرف النظر عن الدين
  • إلزام كافة مواطني الدولة بالخدمة العسكرية
  • يكون للأديان الأخرى محاكم خاصة بهم

مكن هذا القانون اليهود من دخول الدولة العثمانية، وتقدر المصادر التاريخية بأن عدد اليهود الذين هاجروا من أوروبا الشرقية إلى فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر أي في ظل الحكم العثماني بنحو 25000 يهودي، وقد شكلت "لجنة أوديسا" في مدينة يافا في عام 1890 التي تولت إدارة هجرة اليهود إلى فلسطين فيما كانت الدولة العثمانية منشغلة برد الهجمات الأوروبية من الشمال. كما أن الدولة العثمانية تهاونت في مسألة التدخل الإنجليزي والفرنسي في الشؤون الداخلية للدولة بل أنها استجابت لهما في منح الحريات للأديان الأخرى أي المسيحية واليهودية ونظرا لأن العثمانيين أهملوا الدول العربية ولم ينشروا الوعي بينهم ولم يحذروهم من الخطر الصهيوني، فقد تمكنت الجمعيات اليهودية من الهجرة الى فلسطين والعمل بصمت والرضوخ للسلطات وشراء الأراضي والأعمال التجارية حتى أصبحوا قوة اقتصادية ضخمة، وعندما مكنوا أنفسهم من السيطرة لم يبق أمامهم سوى جلب الميليشيات الصهيونية لطرد الفلسطينيين بالقوة والاستيلاء على أراضيهم.

أين كانت الدولة العثمانية ولماذا دخل الى فلسطين آلاف الصهاينة من رجال الأعمال تحت حماية القانون الهمايوني العثماني وسكنوا في فلسطين وحملوا جوازات سفر فلسطينية وتعاملوا بالليرة الفلسطينية على مرأى ومسمع من الخلافة العثمانية؟

إذا كان العرب يظنون أن الاحتلال الصهيوني بدأ في القرن العشرين فهم مخطئون، فقد بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، وظل اليهود يعملون بصمت في فلسطين وينتظرون اللحظة المناسبة للاستيلاء على الأرض وطرد سكانها منها، بعد أن جلبوا آلاف المهاجرين من شتى أنحاء العالم ليسكنوا بين شعب فلسطيني مرتبط بالباب العالي ولا يفهم أن الباب العالي قادهم الى التهلكة.

اليوم يسعى أردوغان الى استعادة أجزاء من الامبراطورية العثمانية ويتدخل عسكريا في ليبيا ويصفها بأنها ولاية عثمانية، ويهدد الدول العربية التي تقف في وجهه، وهذا لن يصلح ما أفسدته الدولة العثمانية ولن يستعيد الأراضي التي أضاعتها، ولا ينبغي أن يكون العرب حقل تجارب لكل طامح الى التوسع والسيطرة على حساب الآخرين، فإذا كانوا صادقين، فليستعيدوا فلسطين أولا.