هند حيدر تسدد في مرمى المستقبل

الكاتبة السورية تكتب ألغازاً للأطفال وتتجه لكتابة القصص العلمية لهم.
قصص الأطفال الهادفة أصبحت عملة نادرة في هذه الأيام
أثر القصّة يبقى حاضراً في ذهن الطّفل بعد قراءتها

طفل يفتح النافذة محاولاً التقاط الشّمس، طفل يحدث الطّيور ويحاول تقليد أصواتهم، طفل يبحث في بيوت النمل ليشبع فضوله، هدف الحكايا التفاعلية التي سحبت خيوطها القاصة هند حيدر بأساليب وطرق مختلفة، لتقبض على تفاعلهم لحظة بلحظة، وتسمع اقتراحاتهم والحلول التي وضعوها بالرغم من صغر سنَهم، وكموج البحر نحو شط الأمان تقودهم، موظفة علمها ومعرفتها في تربية جيلٍ واعٍ.
كانت تقرأ كل ما تطاله يداها؛ والدها مؤلف وعالم ووالدتها تشجع كل طالب علمٍ. اهتمت كثيراً بأساليب التربية وفنونها واضطراب طيف التوحد وصعوبات التعلم، مع أنها درست هندسة الطاقة الكهربائية في سوريا؛ ودعمت معرفتها بعد سفرها للخارج برفقة زوجها بالدراسة الأكاديمية إختصاص تربية وعلم النفس من جامعة المرقب – ليبيا - ثم حصلت على الدكتوراه، وذهبت عميقاً ملتحقة بالعديد من الدورات التدريبية الميدانية والإلكترونية في هذا المجال.
البداية: 
المرحلة القادمة لها هيبتها، ووهجها الخاص؛ لا يمكننا إنكار أهمية مواقع التواصل الاجتماعي وسيطرتها على أهم مفاصل حياتنا الصغيرة والكبيرة وارتباطنا معها، فقالت: "كنت دائمة التفكير كيف يمكنني أن أمنح علمي ومعرفتي لأطفال بلدي وذويّهم، إلى أن أتت اللحظة المناسبة وبأكثر مكان وادعٍ بقريتنا الجبلية الجميلة، كنت أجلس بجانب ابنتي التي تحضّر للإمتحان، وأقلب صفحات مجلات قديمة منذ طفولتها، فأنا كنت أحتفظ بكل ما يخصّها؛ فقالت لي لماذا لا تكتبين للأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وبتشجيع منها أنشأنا صفحتي الخاصىة، وحاليا لدي أكثر من 60 ألف متابع ككاتبة قصص أطفال، وبدايتي كانت عام 2018".  

children's literature
أساليب وطرق مختلفة

احكيلي احكيلي:
من خلال متابعتها وعملها لمست التّقصير الواضح في أدب الطفل، وبالأخصّ الفئة الصّغيرة جداً الذين تتراوح أعمارهم بين 2  -  5 سنوات، إنّهم في مرحلة التعرف على العالم الخارجي وتكوين الشّخصية، هم المستقبل؛ ويجب على أدب الطفل مساعدتهم في ذلك بأسلوب سهل وبسيط وكلمات واضحة مدعماً بالصور والألوان، لتسهيل إيصال الفكرة إلى أذهانهم وتعليمهم منذ الصَغر المثل والأخلاق والقيم، لتكون هذه القصص عوناً للأهالي لتربية أطفالهم التّربية الصالحة، وليس فقط لمجرد القراءة. 
قصص الأطفال الهادفة أصبحت عملة نادرة في هذه الأيام، فتم التوجه نحو القصص المترجمة، والتي قد تكون قصصا جيدة ومفيدة إنما تقدم بيئة لا تشبه بيئتنا، مما يخلق تناقضا بين واقع الطّفل القارئ والبيئة التي كتبت فيها القصّة، وربما اختلاف بين قيمنا وقيمهم وعاداتنا وعاداتهم، فالترجمة ليست هي الحل أبداً؛ وكان لا بد من تأسيس حركة أدبية ثقافية هدفها وغاياتها الطفل العربي، فأسست مجلة "احكيلي احكيلي" الإلكترونية للأطفال، وحاولت جاهدة تقديم قصصاً تحمل بين طيّاتها أهدافاً تربوية، ونشرت ما يقارب مئتي قصّة مجاناً على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى الآن؛ تساعد الأهل والمدرسة في بناء شخصية الطّفل وتوجيهه وإصلاح ما هدمته الحرب وظروف الحياة القاسية في نفوسنا ونفوس أبنائنا. 
الحكايا التفاعلية:
رغم أنّنا غزونا عالمهم بأكثر الوسائل تقنية وتطوير، من قصص مبرمجة وألعاب مصورة متطورة محاولين جاهدين بعقولنا الكبيرة جرّهم لعالمنا الثقيل بتركماته؛ إلا أنَهم تمكَنوا من اصطيادنا بقلوبهم النقية وروحهم الصافية، ونحن بكامل عدَتنا وعتادنا، بإذن منا أو بدون؛ وهذا ما عرفته القاصة حيدر، فإحساسها بعالم الطفل نابع من حبها لهم ورغبتها بالعمل معهم ولأجلهم، فلم تكتف بنشر أعمالها وطباعتها وتصويرها فيديو ووضعهم على موقعها الخاص، إنما انتقلت بمشروعها التربوي إلى المرحلة الثانية، وانضم إليها العديد من المتطوعين من الاختصاصات كافة عبر إجراء جولات ميدانية إلى مدارس وروضات معاهد ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، وجميع هذه النشاطات تطوعية ومجانية؛ تتضمن قراءة قصص للأطفال بطريقة تفاعلية وتقديم معلومات علمية بشكل جذاب وسلس وقريب من عقول الأطفال، حيث يبقى أثر القصّة حاضراً في ذهن الطّفل بعد قراءتها، ويمكن للطفل أن يمارس المهمة التي اختارها وبذلك يتكون لديه وعي بالمحافظة على البيئة على سبيل المثال، ومناقشة الأهداف التربوية مع الأطفال، ثم يلي النشاط محاضرة توعية طبية من قبل أطباء متطوعين، وثم إجراء مسابقة أسئلة وأجوبة مع جوائز ممتعة. ولتشجيعهم استقبلوا مشاركات طلاب المدارس والروضات على صفحة "احكيلي احكيلي"، وتم إعطاؤهم شهادات الإبداع وشهادات للتفوق، ومنح الأساتذة والمعلمين شهادات لتميزهم وإخلاصهم في عملهم.
أهدافها:
كتبت لأطفال في عمر السنتين، ولذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك للطفولة المتأخرة، وأيضاً كتبت المقالات التربوية التي تمس الواقع وتساعد الأهل في حل مشاكل أبنائهم التربوية والتعليمية، وكتبت قصصاً تفاعلية تطرح فيها مشكلة تربوية وتطلب الحل من الأطفال، ولامست مدى تفاعل الأطفال مع المشكلة وانتظارهم الأسبوعي لها، ولامست تشجيع الأمهات اللواتي فوجئن بآراء أطفالهم وتعابيرهم لحل المشكلة المطروحة.
حديثاً كتبت ألغازاً، واتّجهت لكتابة القصص العلمية للصّغار، حيث قامت بتبسيط النظرية النسبية ونيوتن وفيزياء الكم والفضاء وحالياً تعدّ عن الثقب الأسود، حولت الدروس والمواقف التعليمية إلى قصص مصورة مدتها تقريباً عشر دقائق، تستخدمه المعلمة كمدخل لشرح الدرس بطريقة تجذب الطفل، ونُشرت في صفحات تعليمية عربية.
استقبال المهتمين:
استقبل المهتمون بالشأن الثقافي والعربي أعمالها ومبادراتها بحب وتقدير ونشرت قصصها في العديد من الصحف العربية، وحصدت تكريمات وجوائز من جهات عدة من "الاتحاد الأوربي" ومن "الأكاديمية الدولية العربية للثقافة والأدب"، وكرمت من منظمة "التوحد" في "أميركا" ورابطة أدباء "مصر والوطن العربي"، وغيرهم، وفي عام 2020 كرمت من منظمة "سلسلة السلام العالمية" واختيرت كسفيرة سلام عالمي من سوريا.