تونس تواجه 'تسونامي' كورونا بالارتباك والتردد

رغم تسجيل الإصابات أرقاما غير مسبوقة ومشارفة أقسام الإنعاش من الامتلاء ودخول سلالات وبائية خطيرة على الخط، الحكومة التونسية تراوغ لتفادي اعلان الإغلاق العام تفاديا لتكلفة اقتصادية لم تعد قادرة على تحملها.

تونس - تعيش تونس على وقع "تسونامي" كورونا مع توسع سريع لرقعة المحافظات الموبوءة وسط تلكؤ وارتباك حكوميين في اتخاذ قرارات تناسب تعقيدات الوضع تراها مكلفة اقتصاديا، فيما نادى سياسيون باعلان البلاد منطقة "منكوبة".

والخميس قال عضو باللجنة العلمية إن الوضع الوبائي في تونس أصبح كارثيا وإن موجة تسونامي كورونا تضرب تونس مع ارتفاع كبير للإصابات واقتراب أقسام الإنعاش من الامتلاء، في موجة تفش جديدة ظهرت اول بوادرها في محافظة القيروان.

ودعت اللجنة العملية التي تقدم مقترحاتها للحكومة، إلى تشديد الإجراءات ومن بينها زيادة ساعات حظر التجول الليلي وإغلاق شامل في بعض المحافظات التي تشهد انتشارا أسرع للوباء إضافة إلى منع كل التجمعات الرياضية والسياسية والثقافية.

وقال الدكتور أمان الله المسعدي "موجة تسونامي كورونا تضرب البلاد… إنها موجة رهيبة فعدد التحاليل الإيجابية مرتفع للغاية وعدد الوفيات يتجاوز أحيانا مئة حالة يوميا واقسام الانعاش اقتربت من الامتلاء".

وسجلت تونس الاربعاء 3683 اصابة جديدة، وهو رقم قياسي يزيد بنحو الف عن الذروة المسجلة خلال الموجة الثالثة من الوباء التي عرفتها البلاد في ابريل/نيسان.

ويعزو خبراء هذا التدهور غير المسبوق في الوضع الصحي لدخول سلالة مستوردة جديدة على الخط.

واعلنت تونس قبل شهرين ان السلالة الفا (البريطانية) هي الطاغية في البلاد، وهو وضع يبدو انه في طريقه للتغير.

ارتباك في الاعتراف بخطورة الوضع

والاربعاء اعلن عضو اللجنة العلمية المكلفة بمجابهة الوباء (حكومية) سامي المورالي وصول سلالة دلتا المتحورة للبلاد، قبل ان يتراجع عن تصريحاته ويؤكد انه وقع في خلط بين متحورة دلتا وغاما (البرازلية)، وهي ايضا سلالة لم يعلن لحد الان عن وصولها لتونس.

وبعد ساعات كذبت وزارة الصحة التونسية في بلاغ لها على فيسبوك تصريحات مسؤول اللجنة العلمية.

وقالت الوزارة انها رصد ست حالات عدوى بسلالة دلتا المتحورة (الهندية) بعد سلسلة عمليّات من التقطيع الجينيّ الجزئيّ، متجاهلة تأكيد او نفي رصد متحورة غاما.

واكدت الوزارة في ذات البلاغ ان عمليات التقطيع الجينيّ متواصلة، ما يعني ان الرقم مرشح للارتفاع.

وهذا الارتباك ليس جديدا على اللجنة العلمية، اذ غالبا ما تعلق بين متطلبات الوضع الوبائي وضغوط حكومية تفرضها التكلفة الاقتصادية للقيود الصحية.

واعترفت المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية والناطقة سابقا باسم اللجنة العلمية بخضوع الهيئة لضغوط حكومية وقطاعية للتراجع عن قيود مفروضة او التنازل عن توصيات لتشديدها.

الحجر الشامل الحل "المستحيل"

والخميس رغم انتقاد عضو اللجنة العلمية سامي الموالي سماح الحكومة بحضور الجمهور في مختلف التظاهرات ولاسيما الرياضية منها، فقد اعترف باستحالة فرض الحجر الصحي الشامل بسبب تداعياته الاقتصادية والاجتماعية.

في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء قال المورالي عقب اجتماع عقدته اللجنة بإشراف وزير الصحة فوزي مهدي، إلى أن إقرار الحجر الصحي الشامل سيشمل فقط المناطق التي تشهد نسبة حدوث العدوى ب400 إصابة لكل مائة ألف ساكن.

وأوصت اللجنة بضرورة إقرار إجراءات مصاحبة في المناطق التي يشملها الحجر الصحي الشامل.

وأشار الى أن اللجنة قامت بتقييم الوضع الوبائي، واصفا اياه بـ"الدرامي" خاصة من ناحية العدوى وامتلاء اسرة الاكسجين وأقسام الانعاش بنسبة 90 بالمائة بالمستشفيات العمومية، فضلا عن ارتفاع نسبة التحاليل الايجابية اليومية لاول أمس الثلاثاء والتي بلغت 12ر36 بالمائة.

ومطلع الاسبوع اعلنت الحكومة خضوع اربعة محافظات بينها القيروان التي تشهد أسوأ تفش وبائي في البلاد، لحجر صحي شامل.

ويوميا، تسجل القيروان التي تضم نحو 600 ألف نسمة، متوسط إصابات يفوق 300، وفق إحصاءات الإدارة الجهوية للصحة إضافة إلى 6 ـ 8 وفيات في مستشفيات دون احتساب الحالات في المنازل.

وتوسعت سريعا رقعة الاغلاق العام لتمتد الخميس الى مدن اخرى بينها منوبة المشارفة للعاصمة تونس بعد يجاوز معدل العدوى بفيروس كورونا 0.4 بالمئة.

ولا تبدو العاصمة في منأى عن هذه الموجة العالية، اذ اعترف محافظ تونس الشاذلي بوعلاق في تصريح لاذاعة موزاييك (خاصة) أن الوضع الصحي في العاصمة '"دقيق"، مؤكدا احتمال الغاء مهرجان قرطاج الدولي للموسيقى.

وتسعى الحكومة برئاسة هشام المشيشي جاهدة لتأجيل اتخاذ قرار الاغلاق العام، تفاديا لتعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم اصلا، وخوفا من الدخول في مواجهة جديدة مع الشارع المنقسم بين مؤيد ورافض لهذا الاجراء.

كما ان الحكومة فشلت لحد الان في فرض تطبيق الاغلاق العام في المحافظات ذات التفشي المرتفع، كما فشلت سابقا اكثر من مرة في فرض تطبيقه على كامل رقعة البلاد.

والخميس في تصريح اذاعي لموزاييك اكدت عضو اللجنة العلمية الدكتورة جليلة بن خليل ضمنيا عدم رضاها عن التفعيل الحكومي للقيود والبروتوكولات الصحية.

ودعت بن خليل لضرورة منع التجمعات وأضافت بأنّ اللجنة العلمية متمسّكة بعدم رفع حظر الجولان.
كما دعت إلى تشديد الرقابة على ارتداء الكمامات وعلى  احترام البروتوكول الصحي والتباعد في المساحات التجارية الكبرى وفي كل التجمعات.

ونبهت عضو اللجنة العلمية الى إنّ الوضع الوبائي خطير جدّا مشيرة إلى أنّ المستشفيات في العديد من الجهات، بما فيها العاصمة،  تشهد ضغط كبيرا جدا ملاحظة أنّ المستشفيات تواجه مشاكل في توفير أسرة الإنعاش.

كما حذرت بن خليل من أنّ محافظات جديدة قد تعيش سيناريو القيروان مؤكدة ان منحنى الإصابات ما يزال في تصاعد ولم يبلغ ذروته بعد.
من جهتهم يرى خبراء مستقلون ان لا حل امام الحكومة غير فرض اغلاق عام لكامل البلاد.

وقال رئيس قسم الاستعجالي بمستشفى عبد الرحمان مامي، وهو الوحيد المتخصص في الامراض الصدرية على مستوى البلاد، الدكتور رفيق بوجدارية على صفحته على فيسبوك ان "هذه  الموجة الحالية لفيروس كورونا عنيفة وقوية وتتميز بسرعة انتشار الفيروس حيث ضربت ولايات نسبة التلقيح فيها ضعيفة كما ضربت الاطفال والشباب".

والخميس دعى بوجدارية في تصريحات اذاعية لفرض حجر شامل  لثلاثة أسابيع كحد أدنى، والى محاسبة صارمة لمخالفي القيود الصحية.

كما دعا الأطباء والممرضين الذين تحصلوا مؤخّرا التقاعد الى العودة الى العمل من أجل المساعدة، مشددا على ضرورة تحمل الدولة لمسؤوليتها في تسريع وتيرة حملة التلقيح.

من جانبه قال الطبيب الشهير محليا زكرياء بوقيرة، وهو واحد من ابرز دعاة الاغلاق العام ان الحكومة لم تتخذ اي قرارات عقب الاعلان عن سلالتين جديدة وتحطيم البلاد ارقاما قياسية في الاصابات، مضيفا "هل عرفتم الان قيمة حياتكم في عيونهم (المسؤولون)".

وفيما يبدو المختصين متشائمين ويتوقعون مزيدا من التعقيد في الوضع الوبائي قبل انفراجه، يبدو بعض السياسيين اكثر تشاؤما.

والاربعاء دعا النائب المستقل حاتم المليكي لاعلان تونس دولة منكوبة والمسارعة بطلب الدعم الدولي.

من جهته دعا ايضا رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق في تدوينة على صفحته الرسمية على فيسبوك الحكومة إلى طلب المساعدة الدولية لمواجهة الجائحة محذرا من تضاعف اعداد الموتى.

وأشار مرزوق ان الهند اطلقت نداء استغاثة ولم تتحرج رغم امكانياتها التي لا تقارن بتونس، مطالبا بالتفاوض "فورا على تأجيل سداد الديون أو على الأقل فوائدها" لتوفير موارد تمكن الدولة من فرض الاغلاق العام.

وتعاني تونس منذ الانتفاضة من عدم استقرار سياسي انعكس على الأوضاع الاقتصادية، في ازمة بلغت مداها مؤخرا مع تداعيات جائحة كورونا وصراع محتدم بين رؤوس السلطة الموزعة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان.

وبعد نجاحها في 2020 في السيطرة على الموجة الأولى من الفيروس، تكابد البلاد في مواجهة ارتفاع جديد في الإصابات وتعاني صعوبات كبيرة في حملة تلقيح بين الأبطأ في المنطقة.