'عين بلا صاحب' على أبرز التجارب الشعرية في أميركا اللاتينية
يقدم الروائي والمترجم العراقي عبدالهادي منتخبات كاشفة لمجمل تجربة الشاعر الأسباني والكوبي الأصل فكتور رودريغث نونيث، هذه التجربة التي تعد من أبرز التجارب الشعرية في أميركا اللاتينية، وأكثرها ثراء وتوهجا فنيا، حيث تنغمس في جغرافية الطبيعة والبشر لتربط حركة الإنسان وحواسه ومن ثم رؤاه وأفكاره مع حركة الطبيعة بأجوائها ومناخاتها وتركيبتها الثرية، كما تتغلغل في التاريخ لتربطه بتجليات الحاضر بحثا عن مستقبل غامض وملتبس، لنرى التضارب بين تناقضات الحياة وومضات الروح، الهمس والصراخ، ونسمع أصوات الطفولة وأوجاع الحاضر، توهج ضبابي مشحون بصور فنية ثرية في دلالاتها وما تذهب إليه من تناقض.
يكتب نونيث متكئا على ثراء معرفي بجذوره وتاريخ وثقافة بلاده، وبما يجرى حوله في العالم، يؤمن بالتغيير وأهمية معرفة توقيت حدوث هذا التغيير، ماكرا وصادما وقاسيا في أفكاره وتطورات رؤاه، يبدو أحيانا كسريالي، وأحيانا كرومانسي، وأحيانا كلاسيكي، لكنه بالنهاية ينجح في الانفتاح على فضاء رحب من الجمال الفني القادر على تحريك المشاعر. نشر أكثر من أربعين كتابًا شعريًا في جميع أنحاء أميركا اللاتينية وأوروبا، وحصلت أعماله منذ فترة طويلة على جوائز كبرى في العالم الناطق بالإسبانية.
المنتخبات التي حملت عنوان "عين بلا صاحب" صدرت أخيرا عن دار ظلال وخطوط الأردنية، بمقدمة للمترجم تعرف بالشاعر الأسباني وتلقي الضوء على أعماله،يشير فيها أن "فكتور رودريغث نونيث "هافانا1955" شاعر وصحافي وناقد وأستاذ جامعي. يعد اليوم واحداً من أهم الأصوات الشعرية في أميركا اللاتينية والشعر المكتوب بالإسبانية. أصدر الكتب الشعرية التالية:كاياما 1979، برائحة غريبة تُذكر أخبار بالعالم 1981، أخبار الوحيد 1987، غرفة النشيج 1993، قصائد النكرة 1994،الأخير إلىالمعرض 1994،صلاة ناقصة 1999،محاضرات منتصف الليل جزءأول 2006،محاضرات منتصف الليل جزء ثان 2007،مشاغل2011،على العكس 2011،من مزارع أحمر 2014،إنطلاق 2016،ودفتر فأر المسك 2017، يضاف لها أكثر من أربع منتخباتشعرية صدرت في بلدان مختلفة مثل: "كل قلب طيب يشبهالموشور" المكسيك 2010،و"تدخلات" إسبانيا 2010.
نشرت منتحبات من أشعاره بلغات متعددة كالإنكليزية، والإيطالية، والفرنسية، والسويد، وترجمت أيضا العديد من نصوصه للغات أخرى مثل الألمانية والصينية، والكرواتية والسلوفينية والعربية والهنغارية واللتوانية والهولندية والمقدونية والبرتغالية والروسية. حاز على الجوائز الشعرية التالية: جائزة ديفيد الشعرية "كوبا 1980"، وبلورال الشعرية "المكسيك 1983"، وآدوكا "كوستاريكا 1994"، وريناثيمينتو "إسبانيا 1999"، ليونور"إسبانيا 2006"، رينكون دي ال فكتوريا "إسبانيا 2010"، خاميه خل بييدما "إسبانيا 2011 "، ألفونس ماغنوم الشعرية "إسبانيا 2013 " وأخيراً جائزة لوي الشعرية العالمية "إسبانيا 2016".
خلال عقد الثمانينات أشتغل مديراً لتحرير المجلة الأدبية "الكايمان بوربودو" حيث نشر فيها العشرات من المقالات في الأدب والسينما. مختارات من حوارات أجراها مع كتاب أمريكيين لاتينيين نشرت في كتاب"الشعر ينفع الجميع" عام 2008. كما أعد ونشر أنطولوجيات عدة عن الشعر الكوبي منها: كوبا في مكانتها الشعرية 1982، أنت المذنب 1985، ماضي السماء 1994، و الشعر الكوبي في القرن العشرين 2011 . في كتابه النقدي مائة عام من التضامن: مدخل لأعمال ماركيز الصحافية (1986) حاز على جائزة النقد أنريكه خوسي بارونا. نشر أيضا كتبا نقدية ودراسات عن الأدباء خوليان دل كاسال، دولثه ماريا لويناث، خويس كورونيل أورتيجو، أميليو باياغاس، ثنتيو بيترير، فرانثيسكو أوروندو وخوان كالثاديا وأسماء أخرى غيرها. وترجم أعمالا شعرية من الانجليزية للإسبانية لـ: مارك ستراند ومارغريت راندال وجون كونسيلا، ومن الإسبانية للإنجليزية لـ: إيدا بيتالي، خوان جلمان وفياض خميس.
يشرف على سلسلة الأدب الأمريكي لاتيني في دار النشر البريطانية سالت، نائب مدير المجلة الأدبية المكسيكية لا أوترا. دكتوراه في الآداب الإسبانية من جامعة تكساس في آوستن، أستاذ مختص يعمل منذ عام 2001 في كنيون كوليج في الولايات المتحدة الأمريكية.
حكاية
لـ "أرنستو رامون أوروثكو"
هذا العصفور يلتهم الصمت
بنقرات كبيرة
يبحث عنه بين الأوراق الذابلة
رعشة
في الغصن الوحيد للمساء.
بعد حين يشرع بالطيران
غيمة مندفعة سيكون
فوق جبال زرقاء
حيث تزهر وحسب
أمي والنجوم.
ستكون الأغنية أحشاء
والعين بلا صاحب
مما سيعيد غباراً
حجراً ينزف
بالضد من رصاص الطلقة.
عىل الرغم من أن هذا العصفور سيعود
منبعثاً من الدخان والرماد
ويحط من جديد
مثل عش
في الغصن الوحيد للمساء.
مقدمة
"لغابة رافائيل البرتي الضائعة"
عندما شق مذنب هايل
ـ عجوز السماوات الفاسد هذا ـ
بطعنات سكين لبطن الليل،
جدتي
التي لم تصبح جدة بعد
ولا لأحد في هذا العالم،
حلمت بجديلة نظيفة
ودست في الهاون ست بيضات لطائر الدوري
والتي تحولت
ـ لا أحد يعرف كيف ـ
لغبار عاشق
ليعيد لوجهها طراوته
علىنمط القمر الحزين.
لكن في زاوية أخرى من هذا العالم
الذي يدور مثل خلية زنابير.
عندما احتفظ مذنب هالي
بمديته المدماة بالليل،
طفل غرناطي بعينين ساحليتين
شاء أن يمشط شعر الليل المندفع
برمحه الثلاثي الرؤوس لبحار في أرض صلبة.
لابد أن القرن قد مر
يائساً
والتأمت جراح الليل
الطفل لم يعد ذاك الطفل
بل رجل عجوز
شاعر صحارى يعود،
الجدة لم تعد تلك الجدة
بل نحلة
تثقب روح
طفل آخر يمشط في الذكرى
الجديلة النظيفة
لليل العالم.
طبيعة حية
كل اليوم وأنت تشيد
وهذا لا يكفي
يجب أن تفتح عيناك
حتى لا يعميك كل هذا الهدم،
كل اليوم وأنت ترتق
هذا العدم الصلد.
دون أي منطق
يهذيان هذان الحذاءان الممزقان
فوق مرعى أكتوبر
دون أن ألبسهما البتة
ويصدءان بنظرة واحدة.
تهذي الشمس الصلصالية
التي فقدت شظية
جذوة تاجها المحمض،
معلقة بمساء
بين أربع نخلات.
تهذي
أعمال النجار التي بلا عد
جدائل الحائكة القصيرة
التي فككت خيوط العامل
لتعيد خلقه.
بلا تفسير
تهذي هذه العين
مع أنني لم أر بها شيئاً
حيث الإعصار يرسم غيوماً
ليست من ملح.
لقد قبلت بالسلام
معك ومع الكواكب
جسر مروحة قصيدة.
كل شيء سيتدمر
ودون شك
اليوم أعتقد بما تعتقد به.