معاذ عبدالله فارع يقدم أول دراسة متخصصة في القانون البحري اليمني

كتاب 'مسئولية الناقل البحري للبضائع في القانون البحري اليمني.. دراسة مقارنة مع اتفاقيتي هامبورج لعام 1978موروتردام لعام 2008 م' يعد دراسة قانونية حديثة متخصصة تدرس موضوعًا مهمًا في القانون البحري اليمني دراسة مقارنة مع أحدث الاتفاقيات الدولية.

يلعب النقل البحري للبضائع دورًا بارزًا في الحياة الاقتصادية لمختلف الدول، حيث يُعد الركيزة الأساسية لتنمية حركة الصادرات والواردات وإعادة التصدير بين مختلف دول العالم، ويضاف إلى ذلك أنه يمثل العمود الفقري والركيزة الأساسية لحركة التجارة الخارجية، وذلك لكون الدول تعتمد عليه بصفة أساسية في تصدير منتجاتها الوطنية واستيراد احتياجاتها الأساسية، وأصبح ضرورة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها في تلبية حاجة المجتمع للتبادل التجاري، ومن ثم فلا يمكن إنكار دوره في تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول.

وهذا الكتاب للباحث معاذ عبدالله أحمد فارع "مسئولية الناقل البحري للبضائعفي القانون البحري اليمني.. دراسة مقارنة مع اتفاقيتي هامبورج لعام 1978موروتردام لعام 2008م" الصادر عن مؤسسة أروقة.. يعد أول دراسة قانونية حديثة متخصصة في اليمن، تدرس موضوعًا مهمًا في القانون البحري اليمني دراسة مقارنة مع أحدث الاتفاقيات الدولية وآخرها صدورًا في تنظيم النقل البحري هي اتفاقية روتردام 2008م، بالإضافة إلى اتفاقية هامبورغ  1978م السارية حاليًا، حيث تبرز التطورات التي شهدها النقل البحري ـ فيما يخص جانب المسئولية - منذ صدور اتفاقية هامبورج 1978م وحتى صدور اتفاقية روتردام 2008م، وتوضح الدوافع والظروف التي من أجلها أبرمت هذه الاتفاقيات، لأن توالي سن الاتفاقيات واحدة تلو الأخرى في مجال النقل البحري، استدعى منا الوقوف على أحكام هذه الاتفاقيات لمعرفة إيجابياتها وسلبياتها، والتطورات التي أضافتها الاتفاقية الجديدة على الاتفاقية السابقة عليها، ومدى مراعاة كل منهما لمصالح الدول الشاحنة ـ والتي منها اليمن- لكي يتم مواءمة التشريع عليها، ومن ثم الانضمام إليها؟ حيث إن التقدم والتطور في مجال النقل البحري يفرض على كل دولة مواكبته، وذلك بسن تشريعات موائمة له، وإلا ستبقى منعزلة تعيش لوحدها، وهذا ما لا يمكن قبوله.

يرى للباحث فارع أن الناقل البحري يحتل مركز الصدارة بين وسائل النقل الأخرى ـ البري والجوي والنهري- في نقل التجارة العالمية؛ لأن الدور الذي يقوم به نقل البضائع بالبحر في هذا الصدد يفوق الدور الذي تقوم به هذه الوسائل، حيث يصل حجم التجارة العالمية التي يتم نقلها عبر البحر حوالي 85% من حجمها الإجمالي، وذلك لأن الأداة المستخدمة في هذا النقل وهي السفينة تتميز -بالمقارنة بالأداة المستخدمة في أي من هذه الوسائل - بالقدرة على التكيف بشكل سريع مع متطلبات التكنولوجيا الحديثة في إنتاج السلع، وبسعة استيعابية كبيرة تمكنها من استقبال البضائع مختلفة الأنواع والأحجام والقدرة على نقل آلاف الأطنان من البضائع، والتي تمثل في الغالب رؤوس أموال ضخمة، هذا فضلًا عن أن تكلفة نقل البضائع بهذا النوع من النقل أقل تكلفة من نقلها بأي من هذه الوسائل.

ويقول أن عقد النقل البحري يربط بين الناقل البحري (مقدم خدمة النقل) والشاحن (متلقي هذه الخدمة) وعادةً ما يكون لسلوك مقدم هذه الخدمة وهو الناقل الأثر البالغ على تنفيذ عقد النقل البحري المبرم بينه وبين الشاحن. ومن هنا بدأ المشرع الوطني والدولي يركز على معالجة أحكام مسئولية الناقل بالتفصيل دون التركيز على مسئولية الشاحن، وترك ذلك للقواعد العامة أسوةً بأي علاقة مماثلة، الأمر الذي جعل مسئولية

ويشير فارع إلى أن أهمية موضوع الكتاب تتمثل في:أولًا: إن َّمسئولية الناقل البحري للبضائع تُعد من أهم موضوعات عقد النقل البحري التي ثارت حولها النقاشات المستفيضة؛ بسبب التطورات المتزايدة التي يشهدها النقل البحري كل يوم، حيث ما كان مقبولًا بالأمس لم يعد مقبولًا اليوم، وما هو موجود حاليًا من الصعب أن يكون في الغد مستساغًا. فقد حازت على اهتمام الفقه والقضاء، وأصحاب المصالح المتعارضة في عملية النقل البحري، والجهات التي تمثلها، كما أنَّ هناك العديد من القضايا المعروضة أمام المحاكم والمتعلقة بمسئولية الناقل البحري مازالت عالقة لعدة أسباب:

1 ـ خلو المكتبة القانونية اليمنية من الدراسات المتخصصة في مسئولية الناقل البحري وفق القانون اليمني بشكل خاص، وشحيحة جدًا في بقية موضوعات القانون البحري بشكل عام.

 2 ـ إنّ القائمين على تطبيق القانون يجدون صعوبة في التطبيق؛ لعدم وجود تلك الدراسات التي تساعدهم في الفهم والتفسير، ووضع النص في مكانه الصحيح.

3 ـ عدم انضمام اليمن للاتفاقيات الدولية المُنَظِّمة للنقل البحري، كاتفاقية بروكسل وهامبورج؛ نتج عنه إحجام الشركات الناقلة الكبرى عن التعامل مع اليمن كدولة شاحنة؛ تخوفًا من ضياع حقوقها في حالة الركون على نصوص القوانين الداخلية والتي غالبًا ما تكون في صالح الشاحنين؛ مما يضطر معه الشاحنون إلى قبول الشروط التي تُملى عليهم من قبل الناقلين، كالموافقة مثلًا على التحكيم وفقًا لاتفاقية دولية أو قانون أجنبي متوائم معها، وأمام هيئة تحكيم أجنبية، وذلك يكلف الشاحن مبالغ طائلة قد تفوق الحق الذي يطالب به، الأمر الذي ينعكس أثره على وضع التجارة بشكل خاص وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.

ويقول أنه من بين الحقائق القانونية المهمة التقليدية إن إعمال المسئولية هو إلزام قانوني عن النشاط الشخصي وذلك عندما يخرج هذا النشاط عن حدود النمط الذي يصوره النظام القانوني لأنشطة الأفراد، ولما كانت مسئولية الناقل البحري ناشئة عن إخلال الناقل بالتزامه وهو توصيل البضاعة سالمة منذ استلامها من الشاحن حتي تسليمها للمرسل إليه. والبحث في موضوع هذه المسئولية يثير إشكالات وتساؤلات عدة:ما هي الطبيعة القانونية لمسئولية الناقل البحري للبضائع؟ وما هو الأساس القانوني الذي تقوم عليه هذه المسئولية؟ وما هو نطاق هذه المسئولية؟ ثم هل يستطيع الناقل التخلص من مسئوليته بالإعفاء منها؟ وإذا ثبتت مسئولية الناقل هل يلزمه دفع التعويض كاملًا للمتضرر أم أنّ هناك تحديدًا لمسئوليته؟. ويقتصر نطاق هذا الدراسة على القانون البحري اليمني رقم (15) لسنة 1994م، واتفاقية هامبورج 1978م، واتفاقية روتردام 2008م، مع الإشارة إلى قانون التجارة البحرية المصري واتفاقية بروكسل 1924م  كلما استدعت الحاجة لعرض ذلك.

ويلفت فارع إلى العديد من الصعوبات التي واجهته أثناء التحضير لكتابه ومنها، أولًا: قناعتي بضرورة معالجة هذا الموضوع في ضوء شحة المراجع في القانون البحري اليمني، مما جعلني أتحمل مشقة السفر إلى مصر؛ للبحث عن مراجع متخصصة في القانون البحري، بالإضافة إلى مراجع شارحة للاتفاقيات محل الدراسة، ونظرًا لأن اتفاقية روتردام اتفاقية حديثة؛ فقد بذلت قصارى جهدي في البحث في أغلب الجامعات وأشهرها، وكذلك في المكاتب العامة والخاصة، لعلي أجد من كتب حولها، فلم أجد أحدًا من شراح القانون البحري المصري قد تناولها بالدراسة ومقارنتها بما سبقها من الاتفاقيات، وهو ما كان حافزًا لي على المضي قدمًا ودراسة الأحكام التي أتت بها هذه الاتفاقية؛ كوني من أوائل الدارسين لها ـ بحسب إفادة مدير مكتبة أكاديمية النقل البحري بالإسكندرية- حيث استعنت في دراستها بالكتب الشارحة للاتفاقيات السابقة كاتفاقية بروكسل واتفاقية هامبورغ عن طريق إعمال المقارنة بين النصوص، حتى يتبين الجديد في هذه الاتفاقية، وبرغم الجهد الذي كنت أبذله في قراءة الاتفاقيات السابقة وشروحاتها، إلا أنّي أجد لذة في القراءة ومتعة في الكتابة حينما أشعر أنّ الموضوع يستحق مني ذلك وأكثر، وخصوصًا في بلد بحاجة ماسة إلى مثل هذه الدراسات المتخصصة.

ثانيًا: ندرة الأحكام القضائية اليمنية والمهمة في موضوعات النقل البحري، حتى وإن وجدت هناك أحكام قضائية، فالبعض منها غير منشور، ومن ثم فإن الاستناد إلى الدراسات القانونية والآراء الفقهية والأحكام القضائية في القضاء العربي والمقارن لها أساس في هذا البحث.

اتبع فارع في دراسة للموضوع المنهج التحليلي المقارن، وذلك من خلال تحليل وشرح النصوص الواردة في القانون البحري اليمني واتفاقيتي هامبورج وروتردام بنظرة مقارنة، واستعراض الآراء الفقهية التي وردت في شرح وتفسير تلك النصوص، وتحليلها ومناقشتها، وبيان موقف الباحث في بعض المسائل الواردة فيها والتي تتطلب ذلك؛ وصولًا إلى النتائج والأهداف المرجوة من هذه الدراسة.

وقد توصل فارع في دراسته إلى العديد من النتائج منها أولا أن نظم كل من القانون البحري اليمني واتفاقية هامبورج واتفاقية روتردام مسئولية الناقل البحري للبضائع وأولوها أهمية خاصة جعلتها تفوق غيرها من موضوعات القانون البحري بشكل عام، وقد جاءت نصوص القانون البحري اليمني الناظمة لمسئولية الناقل البحري متسقة في أغلبها مع اتفاقية هامبورج والسبب في ذلك أنه عند صياغة القانون البحري اليمني تم مراعاة قواعد هامبورج واقتبس منها الكثير مسايرًا في ذلك نظيره قانون التجارة البحرية المصري، ولكن رغم ذلك، اليمن لم توقع على هذه الاتفاقية كما فعلت مصر حيث وقعت على هذه الاتفاقية. ونظرًا لاعتبار اليمن دولة نامية وشاحنة في نفس الوقت، فقد جاءت نصوص القانون البحري اليمني الناظمة للمسئولية في مجملها تحمي الشاحنين باعتبارهم الطرف الضعيف من تعسف شركات النقل التابعة للدول المتقدمة. وأما اتفاقية هامبورج فقد جاءت نصوصها تحمل نوعًا من التوازن بين مصالح الشاحنين والناقلين، والسبب في ذلك أنها أتت بعد كفاح طويل من قبل الدول النامية التي تضررت من اتفاقية بروكسل لسنة 1924م مع تعديلها في بروتوكول 1968م والتي جاءت تخدم مصالح الناقلين على حساب الشاحنين وذلك بإيرادها لحالات إعفاء كثيرة يعفى بموجبها الناقل من المسئولية، ثم ألغت اتفاقية هامبورج حالات الإعفاء المتعددة التي كانت في بروكسل وأبقت على حالة واحدة هي حالة إنقاذ الأرواح والأموال في البحر. ونظرًا لشتات الدول وتوزعها ما بين عضوة في بروكسل والأخرى في هامبورج، وبسعي حثيث أيضًا من الدول المتقدمة والتي اعتبرت أن اتفاقية هامبورج راعت جانب الشاحنين أكثر من الناقلين برزت اتفاقية جديدة سميت باتفاقية الأمم المتحدة لسنة 2008م الخاصة بنقل البضائع بالبحر كليًا أو جزئيًا(اتفاقية روتردام) حيث جاءت لتجمع شتات الدول، ولتوحد النقل الدولي البحري وتجعله واسعًا لا يقتصر على النقل في البحر، بل يتجاوز هذا ليشمل النقل خارج البحر أي تنظم النقل من الباب إلى الباب، وليس من الميناء إلى الميناء كما في هامبورج، إلا أنّ بعض نصوصها يشوبها الكثير من الغموض وعرضة للتفسير والتأويل.

وثانيا أن مسئولية الناقل البحري في القانون اليمني تقوم على أساس المسئولية المفترضة، لأن مضمون التزام الناقل هو التزام بتحقيق نتيجة، وهي إيصال البضاعة سالمة منذ تسلمها من الشاحن في ميناء الشحن إلى حين تسليمها في ميناء التفريغ لصاحب الحق في تسلمها، ولا يعفى الناقل من المسئولية إلا بإثبات السبب الأجنبي. وأن المسئولية في اتفاقية هامبورج تقوم على أساس الخطأ المفترض، لأن مضمون التزام الناقل هو التزام ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة، بحيث يكفي الناقل إذا أراد التخلص من المسئولية أن يثبت أنه قد اتخذ هو وتابعوه التدابير المعقولة لتوقي الحادث أو تبعاته.وأما اتفاقية روتردام فقد توصل الباحث إلى أن المسئولية في تلك الاتفاقية تقوم على أساس الخطأ المفترض، حتى وإن كان قد ورد فيها ما يفيد أنها تقوم على أساس مزدوج بين الخطأ المفترض والمسئولية المفترضة، باعتبار أن مضمون التزام الناقل فيها جاء مزدوجًا، وأن الفقرة الثانية من المادة(17) تفيد أن أساس المسئولية هو الخطأ المفترض، باعتبار أن الناقل لا يعفى من المسئولية إلا إذا أثبت أن الخطأ لا يعود له أو لأحد من تابعيه، وأن الفقرة الثالثة من نفس المادة تفيد أن أساس المسئولية هو المسئولية المفترضة، لأن الناقل لا يعفى إلا إذا أثبت أن الخطأ مصدره أحد الأحداث أو الظروف المذكورة في الفقرة، لكن المتتبع لنص المادة(17) بجميع فقراتها يجد أن أساس المسئولية فيها الخطأ المفترض، لأنها أتاحت للناقل أن يتخلص من المسئولية بمجرد نفي الخطأ عن نفسه كلما أمكنه ذلك.ولذلك تفوق القانون اليمني على اتفاقيتي هامبورج وروتردام في حماية الشاحنين، لأن الناقل مكبل بقرينة المسئولية بإيصال البضاعة سالمة وكاملة للمرسل إليه كما استلمها من الشاحن، بحيث لا يعفى بإثبات أنه اتخذ هو أو أحد تابعيه التدابير المعقولة لمنع وقوع الضرر أو توقي نتائجه أو بنفي الخطأ عن نفسه، بل لا بد من إثبات السبب الأجنبي.