أسمي الزهار تقتنص لحظات الدفء في 'أحاسيس في المنفى'
تأخذنا الكاتبة الجزائرية، أسمى الزهار، عبر فصول روايتها "أحاسيس في المنفى"، إلى عوالم هؤلاء البشر "الذين سرقت منهم الحياة ابتسامتهم اليتيمة، وشردت حـروفـهـم،واغتالت كلماتهم،ورسمت بملامحهم صورة حزينة لخريف مبكر، وأقحمت دموعهم في معركة بكاء طويلة".
لكن هؤلاء البشر المتعبين الذين تهدي الزهار روايتها إليهم، نراهم بين سطور وصفحات وفصول الرواية، وقد رسمتهم لنا الكاتبة في لوحات نصية وهم يجتازون بحر حياتهم بسفينة صبرهم، ويقتنصون لحظات الدفء من صقيع الدهر، فتنحني لهم جبال الألم، وتبتسم في وجوههم الأقدار.
وتتمحور أحداث رواية "أحاسيس في المنفى" الصادرة عن دار الفارابي بلبنان، حول شخصية "دلال" الفتاة الثرية، والوريثة الوحيدة لما تركه والدها "ناجي" من شركات، وهو ما دفع بها لخوض غمار المنافسة في مجال البورصة وعالم الأعمال.. لكن "دلال" امرأة لا تؤمن بشيء سوى المشاعر.. وذلك بالرغم من اضطرارها للنزول لسوق المال والأعمال، فقد كانت تحلم بأن تصبح كاتبة لكن والدها كان قاسيا معها وأجبرها على دراسة الاقتصاد، فظلت تعيش لمدة طويلة تحت مظلة دكتاتوريته الأب، وحتى في القرار الذي كان يجب أن تتخذه هي بمفردها كونه يتعلق باختيارها لشريك عمرها، تدخل فيه والدها وحال دون ذاك.. وبالفعل لبت رغبته في الزواج من رجل أعمال يكبرها بأكثر من ثلاثة عقود، لكن الزواج لم يتم بعد أن اكتشفت مبكرا خيانة هذا العريس العجوز.. وربما كان الأكثر مرارة من ذلك أن هذا العريس المنتظر، كان والد الشخص الذي أحبته لكن الأيام فرقت بينهما.
وتطرح الرواية الكثير من الأسئلة، وتقدم الكثير من الصور والمشاهد الإنسانية، التي تحمل رسائل شتى، عبر غوص الرواية في دواخل النفس الإنسانية.
وتطرح الرواية قضية الحب باعتباره "تلك المسافة التي تقطعها الرصاصة من صفة الحياة إلى صفة الموت فوق جسر العبرات"، وترسم لنا مجموعة من المشاعر الإنسانية، و"تلك الابتسامة الحزينة التي نكورها على عجل كي تقدف بها في مرمى الاحتضارات".
كما تناقش الرواية قضية العيش ما بين الحرية والعبودية، وكيف أن "دلال" بطلة الرواية، عاشت نوعا من العبودية وإلغاء الشخصية، حين أطاعت والدها، وهو الأمر الذي صورته لنا كاتبة الرواية بأنه "تحطيم للروح الإنسانية"، وترسم لنا عبر لغة كاشفة لما في دواخل النفس الإنسانية، كيف أن الإنسان لا يستطيع العيش في مجتمع مستبد، وتطوف بنا في ذلك العالم الذي يتمسك بالحرية في مواجهة سطوة الطغيان، وكيف تقاوم النفس الإنسانية تلك السيطرة والسطوة وتتمرّد عليها، في تأكيد لمسلمات إنسانية مفادها أن الأحاسيس أغلى من أن تُباع وتُشترى، وأنها الجوهر المكنون والبصمة المتفردة لكل إنسان، ومن هنا وجب علينا الدفاع عنها حتى النهاية.
رواية "أحاسيس في المنفى" هي العمل الروائي الثاني للكاتبة الجزائرية أسمى الزهار، بعد روايتها الأولى "حرب الدموع" الصادرة عن دار المثقف بالجزائر عام 2019.