جنين التي على الأرض هي جنين الدولة الفلسطينية
ما مر عام إلا وتقتحم فيه القوات الإسرائيلية مخيم جنين شمالي الضفة الغربية مرة أو مرتين لتضيف جريمة جديدة إلى سلسلة جرائمها في حق المدنيين الفلسطينيين الذين يعرفون جيدا أن العالم في أقصى حالات تعاطفه معهم سيدعو إلى التهدئة من غير أن يدين الجريمة.
حدث أسود يتكرر في ظل صمت الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية وقد كان هناك حديث عن إمكانية أن تكون تلك العلاقات مفيدة للفلسطينيين على مستوى ما يمكن أن توفره من قدرة على الضغط على حكومة العدو إذا ما لجأت إلى التصعيد العسكري.
ولكن تبين أن ذلك الوعد مجرد كلام ليس له معنى في مواجهة ما يجري. فإسرائيل غير مؤمنة بكل ما جرى تداوله عربيا وهي لا تعتقد أن علاقتها بالدول العربية يمكن أن تكون عنصرا مؤثرا على سياستها مع الفلسطينيين. كما أن إقامة تلك العلاقات لم يكن شرطها أن يتم تحسين حياة الفلسطينيين داخل أراضي السلطة الفلسطينية التي لا يمكن أن تقدم جردا بوظائفها سوى ما تؤديه على صعيد الدفاع عن أمن إسرائيل.
عبر السنوات التي مرت منذ تأسيس السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو حتى اليوم لم تقدم السلطة أسبابا مقنعة لوجودها. وكل المعطيات الواقعية تشير إلى أن السلطة لا تملك برنامجا منظما لقيام دولة فلسطينية تكون إسرائيل مجبرة على الاعتراف بها. لم تشعر إسرائيل يوما أنها محرجة على صعيد قانوني. ذلك لأن الجهة الفلسطينية الوحيدة المؤهلة للقيام بذلك لا ترغب في فك ارتباطها بها أي بإسرائيل.
وفي الوقت الذي تدرك فيه إسرائيل أن السلطة الفلسطينية لن تحرجها في المحافل الدولية فإنها تتصرف بطريقة توحي بأن تلك السلطة غير مستعدة لأن تُحرج نفسها من خلال الدخول في صراع تعرف أنها لن تجني منه شيئا، بل ستخسر بسببه الكثير. لذلك فإن فلسطينيي مخيم جنين لا ينتظرون من السلطة أن تتخذ موقفا وطنيا مشرفا. فهي خاضعة للاحتلال كما لو أنها جزء منه. وقد تكون السلطة محقة في ذلك. ذلك لأنها لم تسع عبر الثلاثين سنة الماضية إلى انجاز آلية لإستقلالها عن الاحتلال تمهيدا للوصول إلى مرحلة قيام الدولة الفلسطينية.
كان مخيم جنين دائما هدفا للغارات الإسرائيلية، عسكرية بشكل مباشر وعسكرية بلباس مدني. وكانت الذريعة دائما هي نفسها. البحث عن ارهابيين مطلوبين أو اصطياد خلايا إرهابية لا تزال في طور التشكل. وهو ما يعني أن هناك خيانات تجري تحت السطح الفلسطيني. لكن خيانة السلطة الفلسطينية تظل هي الأكثر تأثيرا.
وكما يبدو فإن مقتل عشرة فلسطينيين وجرح أكثر من عشرين هو حدث لا يستحق أن يكون سببا لتعكير أجواء العلاقة العربية الإسرائيلية، لذلك لم تعلن أية دولة عربية عن تنديدها بما حدث وهو ما لا يمكن أن يحدث مستقبلا، ذلك لأن إسرائيل حسب التوصيف الغربي انما ترتكب جرائمها ضد المدنيين دفاعا عن النفس أما الفلسطينيون فإنهم لا يملكون ذلك الحق في أي وقت من أوقاتهم. يكفيهم أن هناك سلطة يتمتع بامتيازاتها فلسطينيون، لم تعد قضية النضال من أجل استعادة فلسطين تشكل الجزء المحرك لوجودهم.
لقد ضاعت قضية فلسطين حين أُقيمت السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن إتفاقيات أوسلو التي كان زعيم السلطة الحالي رئيسا للطرف الفلسطيني الذي وقع عليها. وإذا ما كانت تلك الاتفاقيات قد فقدت قبل سنوات كثيرة قيمتها بسبب انتهاء صلاحيتها فلأن الطرف الفلسطيني لم يسع إلى تطويرها والخروج إلى مرحلة القرار الفلسطيني المستقل والحر الذي من شأنه أن يؤسس لدولة، يكون في إمكانها أن ترعى مواطنيها وتدافع عنهم.
من المؤكد أن أهالي مخيم جنين يملكون الحق الطبيعي في مقاومة الاحتلال. وهم في ذلك لن يذهبوا إلى رام الله لنيل موافقة سلطتها. فهم لا يعترفون بسلطة لا تعترف بحقوقهم الوطنية المشروعة. وما يُفزع إسرائيل من وجود خلايا مقاومة يمكن أن يكون حقيقيا، فالفلسطينيون لم يتخلوا عن قضيتهم كما فعلت سلطة رام الله. كل تلك الحقائق انما تصنع خارطة لصراع لن تنهيه جريمة قوات الاحتلال الجديدة. غير أن الدرس الحقيقي انما يلقي بظلاله الكئيبة ليس على مستقبل سلطة رام الله وحدها، بل وأيضا على العلاقة العربية بإسرائيل التي ما عاد لها أن تستمر في ظل غياب التوازن.