قتلى منكم وقتلى منا والجريمة مستمرة
سبعة مدنيين إسرائيليين مقابل عشرة مدنيين فلسطينيين هي حصيلة حلقة جديدة من حلقات العنف التي تديرها حكومة نتنياهو وهي تسعى إلى استدراج الفلسطينيين العزل ومواطنيها في الوقت نفسه إلى متاهة موت مجاني من أجل أن تغلق الأفق أمام أية إمكانية للحديث عن حل الدولتين الذي يسعى البعض من الجانبين إلى وضعه على الرف من غير طرح حل بديل. فدولة المواطنة كما كان البعض يبشر بها هي نوع من الخرافة التي يعرف فلسطينيو الخط الأخضر وهم مواطنون إسرائيليون أنها لا يمكن أن تنسجم مع آليات عمل دولة أُقيمت أصلا على الفكر العنصري الصهيوني.
كراهية اليهود الصهاينة للعرب ليست دعاية مضللة وهي ليست جزءا من التهريج البلاغي، بل هي حقيقة يعترف بها اليهود أنفسهم وتؤكدها وقائع كثيرة صارت تشق طريقها إلى العلن من خلال جلسات الكنيست لتفضح عورات الديمقراطية الإسرائيلية التي لا تضمن حرية الكلام والتعبير للنواب العرب الذين يقاومون رقابة فريدة من نوعها في تاريخ الديمقراطيات حول العالم. فالنائب العربي لا يُسمح له بقول كل ما يفكر فيه بالرغم من أنه مواطن إسرائيلي. وهو ما يعطي فكرة عن هراء ما كان يتم تداوله في ما يتعلق بتحويل دولة إسرائيل إلى دولة مواطنة.
قيام الشاب الفلسطيني بقتل سبعة مدنيين إسرائيليين في القدس الشرقية يمكن تقييمه عاطفيا على أساس كونه رد فعل متوقع. وهو كذلك على مستوى واقعي. لقد تم قتل الشاب الذي نفذ العملية. لذلك فإن كل ما يُقال عن الدافع لا يخرج عن كونه تكهنات، قاعدتها الفعل ورد الفعل. ولكن الأمر قد لا يكون بذلك التبسيط التجريدي. ربما كان لذلك الشاب أخ أو أب أو صديق من بين الفلسطينيين العشرة القتلى الذين سقطوا بنار الإسرائيليين في مخيم جنين قبل يومين من قيامه بفعلته. ربما نجا ذلك الشاب بالصدفة من رصاصة كان يمكن أن تلحقه بالموت قبل يومين من موعده. كل ذلك يدخل في إطار رد الفعل الطبيعي.
يعرف الفلسطينيون أن إنسانية العالم عاطلة عن العمل. لا أحد في ما يُسمى بالمجتمع الدولي يمكن أن يمنع عنهم الموت المجاني الذي يمكن أن يحدث في أية لحظة. فالهمجية الإسرائيلية من وجهة نظر ذلك المجتمع تدافع عن نفسها بطريقة استباقية في مواجهة شبح الفلسطيني الذي لا يطلب سوى حقه في الحياة السوية.
الفلسطينيون يعرفون أيضا أن الأفق السياسي الذي أغلقه الإسرائيليون لا يميل العالم القوي إلى فتحه أمامهم بعد أن تم إفشال كل المفاوضات التي لم يكن مسموحا للفلسطيني العادي أن يعرف شيئا عن أسباب فشلها. ولأن مواطني مناطق السلطة هم أسراها فإن أحدا لن يكلف نفسه ويتواضع من أجل أن يعرف الفلسطينيون ما الذي يجري لهم وهل هم مواطنون أم شبه مواطنين؟ هل يقيمون على أرض فلسطينية أم لا تزال الأرض بسكانها تحت الاحتلال الإسرائيلي؟
تلك أسئلة مصير يجيب عليها الإسرائيليون ولا تجيب عليها السلطة. فحين يحق للقوات الإسرائيلية اقتحام مدينة تقع ضمن خارطة البلاد الوهمية التي تحكمها سلطة رام الله فإن ذلك لا يعني أن تلك السلطة قد سمحت لها بالقيام بذلك، بل يعني أن تلك البلاد لا تزال محتلة وما السلطة إلا واجهة للاحتلال. هل علينا والحالة هذه أن نساءل مواطنا فلسطينيا عن ردود أفعاله وهو يرى أن ليس هناك حائط قانوني يستند عليه؟ فالسلطة التي تحكمه لا تملك سوى أن تندد بما يتعرض له من قتل مجاني كما لو أنها جهة أجنبية تقول رأيها من غير أن يحملها ذلك الرأي على القيام بشيء ما.
لا يملك الفلسطينيون أملا حقيقيا في أن تتوقف جولات القتل الإسرائيلي وسط مدنهم. ذلك ما يدفعهم إلى القيام بعمليات ثأر تقليدي. قتلى مقابل قتلى. مدنيون مقابل مدنيين. أبرياء مقابل أبرياء. ولن يعني شيئا أن تُسمى عملية قتل الشاب لسبعة مدنيين إسرائيليين في القدس عملا إرهابيا ما دام العالم لم يسم عملية قتل عشرة مدنيين فلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية عملا إرهابيا. دوامة العنف لن تدين أحدا كما أنها لن تبرئ أحدا. يبحث الفلسطينيون عن العدالة منذ زمن طويل من غير أن يمسكوا بواحد من خيوطها.
إسرائيل وحدها هي الطرف الذي في إمكانه أن يوقف دورة العنف في فلسطين.