الثورة التي بيعت
عبرت المعارضة السورية عن استيائها بسبب قيام الأمم المتحدة بتقديم طلب إلى الدولة السورية للسماح لها بإدخال المساعدات. اما لماذا كان ذلك الاستياء فلأنها أي المعارضة لا تعترف بالحكومة السورية ولا تعتبرها شرعية. وهو ما لا يعني شيئا بالنسبة للمنظمات الدولية التي لا تزال تتعامل مع الحكومة التي يترأسها بشار الأسد باعتبارها السلطة الشرعية الوحيدة التي تمثل سوريا، الدولة التي لا تزال ذات سيادة بالرغم من أن المعارضة المستاءة كانت قد خرقت تلك السيادة يوم فتحت الباب للمجاهدين القادمين من مختلف انحاء الأرض للتسلل إلى الأراضي السورية تحت شعار المساهمة في إسقاط النظام وهو ما لم يتحقق حتى بعد أن دُمرت سوريا وتشردت الملايين من أهلها.
وقد يكون مبرَرا السؤال عن تلك المعارضة التي لا يزال في إمكانها أن تصدر بيانات بعد أن عادت التنظيمات الارهابية التي كانت تقاتل داخل الأراضي السورية إلى قواعدها أو استقرت في إدلب تحت الحماية الأميركية التركية. ما هي تلك المعارضة؟ ما قيمتها وما حجمها وما ثقلها ومَن تمثل؟ ألم ينتهي زمن صلاحيتها؟ ألا تزال هناك دول تمولها وهي كمَن ينفخ الهواء في جثة؟ أسئلة واقعية محايدة من ذلك النوع ستزعج الكثيرين ممَن ما زالوا يقيمون في 14 آذار 2011 وأنا على يقين أنهم سيعتبرونها نوعا من الانحياز المريب للنظام السياسي الذي تمنوا زواله.
المشكلة هنا لا تكمن في عدم التعلم من التجربة المريرة والقاسية حسب، بل وأيضا في المراهقة السياسية التي أحكمت طوقها على سلوك تلك المعارضة التي لم تنتبه في الكيلومتر الأول من مسيرة تسلحها أنها صارت تنزلق إلى هاوية المشروع الأميركي القائم أصلا على مخطط مرسوم سلفا لتدمير سوريا والحاقها بالعراق. ما لا يمكن إنكاره أن الأوضاع السياسية في سوريا كانت في حاجة إلى أن تتغير بسبب رثاثة العلاقة بين الحكم والشعب وهو ما يمكن أن يتم من خلال توجيه تلك العلاقة من خلال حوار عقلاني يستند على أسس وطنية. يتحمل النظام الحاكم كل المسؤولية في إعاقة قيام ذلك الحوار. فقد رفض الاعتراف بمشروعية المطالب التي تقدم بها المحتجون السلميون. الامر الذي أدى بالحراك السياسي إلى أن يتحول إلى ثورة.
ما لا يمكن إنكاره أن المعارضة لم تستطع أن تدير تلك الثورة بطريقة نزيهة حين استسلمت لأهواء دول سارعت إلى فتح خزائنها وأراضيها للمسلحين الذين لم يكونوا في غالبيتهم سوريين. وما لا يجب نسيانه أن برهان غليون حين استقال من رئاسة المجلس الوطني السوري فإنه فعل ذلك في مؤتمر الدوحة عام 2012 ليتيح للإخوان المسلمين تصدر المشهد ولتبدأ الثورة السورية مسيرتها في العنف الذي سمح لأطراف إقليمية ودولية في التدخل بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال شركات أمنية رفعت شعارات الإسلام السياسي. يومها انحرفت الثورة عن مسارها وقيل إنها سُرقت من قبل الإسلاميين المتشددين المدعومين من الغرب ومن يمثله في المنطقة ويمتثل لأوامره.
انتهت الثورة. الأمر الذي يعني انقضاء زمن المعارضة السياسية. ما حدث عبر السنوات العشر الماضية هو عبارة عن تنفيذ حرفي للمشروع الأميركي. ولو لم يكن كذلك لما هطلت مليارات الدولارات على التنظيمات الإرهابية التي كانت تؤدي وظيفة مدفوعة الثمن لا علاقة لها بما كان السوري يحلم بأن يراه متحققا في بلاده. وإذا ما كان الجيش العربي السوري قد حارب دفاعا عن دولته فإنه في حقيقة الأمر قد أُدخل في دوامة لم يعد السوري فيها إلا جزءا من قطيع بشري يتحدث كل اللغات. ذلك القطيع الذي استبسل في القتال لم يكشف من خلال سلوكه أنه كان معنيا بحرية وكرامة الشعب السوري.
فقدت المعارضة السياسية السورية كل أسباب وجودها بعد أن سلمت مصير الشعب بأيدي قتلة محترفين. لم تقل رأيها بدولة الجولاني في ادلب. والجولاني هو أمير جبهة النصرة سابقا وزعيم هيئة تحرير الشام حاليا وعضو تنظيم القاعدة التي تبحث عنه الولايات المتحدة في الوقت الذي تحتضنه وترعاه. ليس لدى المعارضة ما تقوله عن نهايات الثورة، بل لديها متسع من الوقت لكي تستاء من إجراء شكلي قامت به منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة أكدت من خلاله أن سوريا لا تزال دولة وهو ما نساه المعارضون الذين كان عليهم أن يعترفوا منذ سنوات أن ثورتهم قد بيعت.