أكاذيب توصلنا الى الحقيقة في'أشهر 50 خرافة عن الأديان'

الأستاذان جون مورال المتخصص بالدراسات الدينية وتمارا صَن المتخصصة الدراسات الإنسانية يطرحان أسئلة يطرحان اسئلة بينها كيف تظهر الخرافات حول الأديان؟ وما أَسباب ظهورِها؟ وكيف تؤثِر في رؤيتنا الشخصية والجمعية للأَديان؟

كيف تظهر الخرافات حول الأديان؟ وما أَسباب ظهورِها؟ وكيف تؤثِر في رؤيتنا ـ الشخصية والجمعيةـ للأَديان؟ هذه بعض الأَسئلة التي يطرحها الأستاذان بكلية ويليام وماري في فيرجينيا جون مورال المتخصص بالدراسات الدينية وتمارا صَن المتخصصة الدراسات الإنسانية  في كتاب "أشهر 50 خرافة عن الأديان" الذي صدرت نسخته الإنكليزية عام 2012 وترجمته فايقة جرجس حنا وراجعه جلال الدين علي، وفي ضوئها، يستعرِضان العديد من الخرافات الشائعة المحيطة بالأَديان عموما، ويناقشان بالتفصيل 50 خرافة محددة عنِ اليهودية والمسِيحية والإِسلام، وحتى عن الإلحاد واللاأَدرية، موضِحين أَسباب ظهورِ هذه الخرافات، وكيفية انتشارِها، ولماذا تعد المعتقدات الناجِمة عنها محل شك. كما يشتمل الكتاب على مناقشة رائعة للطبِيعة البشرِية، وللأسباب الأَساسية التي تحدونا إلى اختلاق الخرافات وتداولها. وهكذا يقدم الكتاب قيمة جلِيلة للقراء من خلال تعليمهم منهج التشكك والتفكيرِ النقدي.

يتبع الكتاب الذي نشرت ترجمته العربية بموجب اتفاق قانوني بين مؤسسة هنداوي وجون وايلي أند صنز، إنك، النظرة التشكيكية إلى الخرافات: أي اعتبارها مزاعم يشيع الاعتقاد بها غير مدعومة جيدًا بالأدلة التاريخية أو العلمية. حيث ينصَب التركيز على التقاليد الرئيسية في الغرب ـ اليهودية والمسيحية والإسلام، مع إدراج بعض القصص حول تقاليد غربية أصغر، بالإضافة إلى بعض الخرافات الغربية عن التقاليد الشرقية. فضلا عن مناقشة بعض المعتقدات الخاطئة الشائعة حول الأفراد الذين لا يعتنقون متعقدات دينية ـ الملحدين واللاأدريين.

يشير المؤلفان بداية إلى أن الكتاب مستوحى من كتاب آخر من كتب وايلي بلاكويل، وهو "أشهر 50 خرافة في علم النفس" الذي ألَّفه سكوت ليلينفيلد وآخرون (2010)، وتعني فيه لفظة خرافة معتقدا شائعا غير مدعوم جيدًا بالأدلة القوية. بعض من خرافاتنا على هذه الشاكلة؛ مثل الاعتقاد بأن موسى كتب الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس، وأن يسوع وُلد في حظيرة في بيت لحم يوم 25 ديسمبر. لكننا نعتبر من الخرافات أيضًا تلك المعتقدات الشائعة المشكوك فيها لأسباب أخرى، مثل أنها تتنافى مع تعاليم أديان المؤمنين. مثلا، يعتقد بعض المسلمين "وعدد لا حصر له من غير المسلمين" أن القرآن يعد أولئك الذين يفجِرون أنفسهم ﺑ 72 حورية عذراء. غير أن كلًّا من الانتحار والإرهاب مذمومان في القرآن باعتبارهما من الكبائر. ويؤمن مسيحيون كثيرون بأن الشيطان وأجناده يعذبون البشر في الجحيم، لكن هذا يتعارض مع التعاليم الأساسية للمسيحية في حقيقة الأمر. حينما نقول عن شيء ما إنه "خرافة"، فإننا نقصد معنًى قريبًا من تعريف القاموس للفظة "معتقَد خاطئ": الخرافة هي معتقَد أو رأي خاطئ أو زائف، أو منحرف، وخصوصًا في الدين.

ويقولان "ثمة معنى آخر ﻟ "الخرافة" ينبغي أن نذكره لما له من أهمية في حقل الدراسات الدينية الأكاديمي. حينما يتحدث علماء الدين عن الخرافات، فإنهم يقصدون بصفة عامة القصص التقليدية التي تُفسِّر جوانب مهمة من جوانب الحياة، مثل: من أين أتينا، ولماذا نحن هنا، ومن هم أبطالنا، وما الذي يميزهم، وكيف ينبغي أن نعيش؟ وخير مثال على هذا القصة المذكورة في سفر التكوين عن عصيان آدم وحواء لله بأكلهما من شجرة معرفة الخير والشر، ثم طرد الله لهما من الجنة. غالبًا ما يتميز هذا الوصف لنشأة الشر وما يشاكله من القصص بأحداث عجيبة، بل وخارقة للطبيعة، ويؤمن بعض الناس بأنها حقيقية بالمعنى الحرفي ـ حقيقية مثلما يكون تقرير عن الحالة المرورية أو تشخيص طبي حقيقيين. وهم يعتبرون هذه القصص تمثيلات دقيقة لأشياء وقعت بالفعل. لكن كثيرًا من العلماء يعتقدون بأن مثل هذه القصص لا يحكم عليها على أساس الدقة التاريخية أو العلمية. الواقع أن هذه القصص ظهرت بصفة عامة قبل وضع المعايير الحديثة للدقة التاريخية والعلمية. وغالبًا ما تتعلق بأشياء في غياهب ما قبل التاريخ، وأحيانا ما تتعلق بأشياء في المستقبل البعيد. وهي بهذا الوصف تفوق قدرات مملكَتَي التاريخ والعلم. لكننا على كل حال نجِل هذه القصص لأنها تساعدنا في فهم من نحن، وتجيب عن بعضٍ من أكثر الأسئلة إلحاحًا في الحياة، ومنها: لم تحدث الأمور السيئة، ومن هم الجديرون بالثقة، وماذا قد يحدث بعد؟".

ويتابعان "حينما نستمع إلى قصص مثل قصة آدم وحواء في الجنة، ينتابنا أحيانًا إحساس بأننا على صلة بواقعٍ أسمى؛ وكأننا في مملكة المتعالي؛ مملكة تسمو على الأوهان والقيود التي تسم الواقع اليومي. يشيع تناقل خرافات من هذه النوعية في الأديان بكثرة حتى إن كثيرا من العلماء يدرجون الخرافات ضمن المكونات الأساسية للأديان. مثال آخر لهذه النوعية من الخرافات هو "قصة الخلق" في الكتاب المقدس والقرآن؛ وفق هذه القصة، خلَق اللهُ ـ الذي له طبيعة شخصية، وهو واحد وقدير ـ الأرض وكل ما عليها في بضعة أيام فقط، وأمدها بكل ما يلزم لأجل مخلوقاته، البشر. تقدِم لنا قصص كهذه معيارا للتيقن من أن الأشياء هي كما ينبغي لها من حيث الأساس، وسببًا للمضي قُدمًا حتى في أحلك الظروف.حينما تُرى الخرافات في الدين وفق هذه الرؤية، يمكن اعتبارها حقيقية ـ بطريقتها الفريدة؛ فهي تقدِّم السياق، والاستمرارية، والطمأنينة للمجتمعات التي تتشاركها. وبهذا، تكون حقيقية من وجهة نظر من يؤمنون بها.

تحدَّث المؤرخ الروماني سالوست الذي عاش في القرن الرابع وفق هذه الرؤية حينما قال "الخرافات أمور لم تحدث قطُّ لكنها كائنة دائمًا". ووصف جوزيف كامبل، أحد أشهر علماء الخرافة في القرن العشرين، الخرافات بأنها "الرحم الذي تتذوق فيه البشرية الحياة والموت". وتعرف الأستاذة بجامعة شيكاجو، ويندي دونيجرالخرافات بأنها تعبيرات تخيلية عن تجارب بشرية عامة تتيح لنا التواصل عبر الثقافات. وتُبرز الباحثة البريطانية كارين أرمسترونج الجانب المقدس من الخرافة بقولها إن الخرافات تتحدث عن "أفقٍ آخَر كائنٍ إلى جانب عالمنا، ويُقدِّم له العون بطريقة ما. والاعتقاد بهذا الواقع الخفي ولكنه الأقوى ـ الذي أحيانًا ما يُطلق عليه عالَم الآلهة ـ هو موضوع أساسي في علم الخرافة". من وجهة نظر باحثين كهؤلاء، تشبه الخرافات بشدة ما قاله بابلو بيكاسو عن الفن "أكذوبة تجعلنا ندرك الحقيقة".

ويرى المؤلفان أن معظم الناس يظنون أن لديهم فكرة جيدة إلى حد ما عما هو الدين، وكثيرون ممن يكبرون في ظل تقليد ديني واحد يستخدمونه نموذجًا للأديان عموما. وحينما يسمعون بأديان الآخرين، يبحثون عن أوجه التشابه مع دينهم، ويفترضون أن لديهم فهمًا أساسيا عن الأديان الأخرى. بعبارة أخرى، يستخدمون دينهم قالبًا لكل الأديان. تكمن المشكلة في أنه طالما كان هناك تنوع هائل من الأديان المختلفة عبر التاريخ. وفق الموسوعة المسيحية العالمية، يوجد الآن أكثر من عشرة آلاف ديانة، وهي تختلف في جوانب كثيرة. مثلا، كل من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية "الروم الأرثوذكس" وكنيسة يسوع المسيح لقدِّيسي الأيام الأخيرة "المورمون" مسيحيتان، بيد أنهما تختلفان في فهمهما لما أعلنه الله، ومن يكون يسوع، وماذا يحدث بعد الموت، وعشرات من الأمور الأخرى.

ومن بين تقاليد اليهودية والمسيحية والإسلام التوحيدية الغربية؛ ترفض اليهودية فكرة أن يسوع هو "المسيَّا"، والمسيحية تقبل هذه الفكرة، وتقول إن يسوع هو الله أيضا، والإسلام يقبل أن يسوع هو المسيح، بل وأنه سيأتي أيضًا مرة أخرى، لكنه يرفض فكرة أن يسوع هو الله. تتجلى اختلافات أكبر من ذلك حينما نقارن التقاليد التوحيدية الغربية بالتقاليد الشرقية للهندوسية والبوذية. في النظرة الغربية للعالم، الزمن خطي. كانت للكون بداية، وسوف تكون له نهاية، وكل حدث يحدث مرة واحدة فقط. أما في رؤيتَي العالم الشرقيتين الهندوسية والبوذية، فالوقت دائري. الكون موجود دائما، وأُعيد تشكيله وهدمه ملايين المرات. وكل إنسان أيضا وُلد وعاش ومات ما لا يُحصى من المرات في خضم العملية التي تُعرف بالتقمص "تناسخ الأرواح".

ويلفتان إلى التقاليد الغربية والشرقية تختلف أيضًا من حيث طريقة تفكيرها في الحقيقة المطلقة. في اليهودية، والمسيحية، والإسلام، الحقيقة المطلقة هي الله ـ خالق الكون، ومَلِكه، وقاضيه. الله يحكم الكون بإعطاء الأوامر، وسوف يحاسِب كل إنسان بعد الموت بناء على مدى اتباعه هذه الأوامر، وسيكافئه أو يعاقبه.

أما في الهندوسية فالحقيقة المطلقة هي "براهمان" الذي يسمو على كل الآلهة. ووفقا لإحدى الأفكار القديمة الواردة في النصوص المقدسة للهندوسية المعروفة باسم "الأوبانيشاد"، فبراهمان هو نفسه أيضًا "أتمان"ـ النفس أو العقل ـ من ثم، فوعي كل شخص هو حقيقة مطلقة. لكن البوذية تتخذ وجهة نظر مختلفة إلى الحقيقة المطلقة. لم يُعلِّم مؤسسها "سيدهارتا جوتاما" عن آلهة، وذكر أنه لا يوجد براهمان ولا أتمان. والواقع أنه علم أن كل شيء يتغير باستمرار؛ مِن ثَم فما من مواد باقية على الإطلاق. فما أراه على أنه نفسي ـ أي جوهري الذي يبقى هو نفسه من يوم لآخر وسنة لأخرى ـ هو وهم. من وجهة نظر البوذية، الحقيقة المطلقة ليست إلها من الآلهة أو براهمان، وإنما هي حالة ذهنية تُسمى "نيرفانا".

وهي حالة من البهجة، لكن أهم ما يميزها هو المفقود؛ فهي شبيهة بنوم بلا أحلام. يقولون إنك تصل إلى النيرفانا عندما تكف عن التعلُّق بكل الأوهام التي جعلتك تعاني وتولد من جديد، مثل الاعتقاد بأنك مادة خالدة. وفيما يكون هدف الحياة في أغلب الأديان التوحيدية "الزرادشتية، واليهودية، والمسيحية، والإسلام، والبهائية" هو بلوغ السماء والوجود مع الله؛ فإن هدف البوذية هو الوصول إلى حالة النيرفانا؛ أي إنه بينما تكون فكرة الأديان التوحيدية عن الجنة هي أن تحقق لك رغباتك، ففكرة النيرفانا هي أن تُخمَد رغباتك. يقول البوذيون؛ إذ يشبِّهون الرغبة بلهب الشمعة، إن النيرفانا هي إطفاء الشمعة.

 قد تبدو الهندوسية أقرب إلى الأديان الغربية من البوذية لأنها تنطوي على وجود آلهة. لكن بدلا من الإله الواحد في الأديان التوحيدية، هناك 330 مليون إله في الهندوسيةـ وإن لم يكن المقصود أن يُؤخذ هذا الرقم مأخذًا حرفيًّا ـ وهم لم يخلقوا الكون، ولا يحكمونه، ولا يترأسون في "يوم الدينونة الأخير"، ولا يكافئون الناس ويعاقبونهم بإرسالهم إلى السماء أو الجحيم.

ويؤكد المؤلفان أن الافتراض الخاطئ المتمثل في خرافة أن الدين يتقلص باتساع العلم، هو أن الوظيفة الأساسية للدين هي تفسير الأمور. وبينما تفعل الأديان ذلك بالتأكيد، فهي تفعل ما هو أكثر من ذلك كثيرًا؛ فقد حدد الباحث في العلوم الدينية نينيان سمارت سبع سمات للدين: الهوية الاجتماعية، والأخلاق، والشعائر، والخرافات، والمذاهب، والتجارب العاطفية، والأشياء والأماكن المقترنة بالمقدسات. من هذه السمات السبع، نجد أن الخرافات والمذاهب هما فقط اللتان تنطويان على تفسير الأمور، ويمكن أن يكون أي من السمات الخمس الأخرى أكثر قيمة عند الشخص من إيجاد التفاسير. بل قد يتجاهل الأشخاص التفاسير التي تقدِّمها مذاهبهم الدينية، ولكنهم يظلون أعضاءً في ذلك الدين، لأنهم يقدِّرون الإحساس الذي يقدِّمه بالهوية وبالمجتمع، والشعائر والتقاليد الأخرى، والنظام الأخلاقي، والناس الذين هم في الجماعة، والأماكن التي يلتقون فيها، وحتى رجال الدين يمكن أن يرفضوا المذاهب، ومنها المذهب الجوهري المتعلق بوجود الله.

مثلا، درَّس واحد من أشهر الحاخامات اليهود، وهو مردخاي كابلان، في كلية اللاهوت اليهودية بنيويورك خمسين عامًا، وأسس فرع الدين الإلحادي الذي عُرِف باسم "اليهودية الداعية إلى إعادة البناء". ويُشتهر الحاخام ريتشارد إل روبنشتاين، أحد تلاميذ كابلان، بكتابه "ما بعد أوشفيتز: التاريخ واللاهوت واليهودية المعاصرة" الذي ينكر وجود الله. وبالمثل، الأسقفان الأنجليكانيان: جون روبنسون، مؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا "مُخلِص لله"؛ وجون شيلبي سبونج، مؤلف كتاب "مسيحية جديدة من أجل عالم جديد"، هما ملحدان يرفضان الكثير من المعتقدات المسيحية التقليدية.

لكنهم جميعهم ظلوا رجال دين بسبب الكثير من الأمور الثمينة في تقاليدهم.هكذا، لم تكن التعاليم المتعلقة بمنشأ العالم وطبيعته هي الغرض الوحيد للدين. ولا يُقصد بالخرافات الدينية أنها علوم بالمعنى الحرفي. لطالما كانت الأديان معنا منذ زمن سحيق، وعلى الرغم من تكهنات المتشكِّكين، فالأرجح أنها ستظل معنا على الدوام.