سيتار علي وإدانة الهذيان المقيم في المكان

الفنان التشكيلي: الفنان ينبغي أن لا يجري وراء إرضاء الجمهور، وإنما عليه إبراز القيم الجمالية للفن :

"الفنان ينبغي أن لا يجري وراء إرضاء الجمهور، وإنما عليه إبراز القيم الجمالية للفن".

هذا ما قاله فناننا سيتار علي مرة وبذلك يضع روحه وريشته على مفصل جوهري، وكأنه يقول لنا إرضاء الناس غاية لا تدرك، وذلك ليس من وظائف الفن، الفن الذي يسعى نحو إنجاز مساحات لونية تكتظ بالقيم الجمالية، فرغم أن سيتار مضرَّج بالوجع الوطني وكذلك بالوجع الإنساني إلى حد الذوبان إلا أنه يدرك تماماً بأن الصعود بالقيم الجمالية نحو ملكوت السموات التسع هو محاكاة لذلك الوجع.

وهذا الصعود هو الذي سما بأعماله وأبعدها عن المباشرة والسقوط في براثنها، فالتوازن العذب والجميل الذي إستطاع أن يخلقه بين أعماله الحاملة لذلك الوجع بلغة مغايرة وبين ذلك الوجع بتفاصيله المستحضرة من الذاكرة القريبة والبعيدة معاً جعل لتجربته أن تأخذ مسارها الخاص والمميز، وبأسلوبه المعتاد في تجربته الأخيرة وأقصد الأسلوب التعبيري التجريدي الذي به يحاكي مؤرقات الذات مجبولاً بمؤرقات البلاد، وبه تأخذ القضايا عنده أبعاداً مغايرة للمألوف ولما هو سائد تماماً، فهو يستند على إرث يمتد في الزمان كما يمتد في المكان وهذا ما يجعله مرهوناً أيضاً بزمن تاريخي فيه يمارس طقسه الفني ضمن وظيفة قيمية جمالية عالية، فسيتار يقود عمله بمقود الباحث عن صياغات جديدة ستكون رصيداً له فيما بعد، صياغات ليست رمزية ولا تجريدية تماماً بل صياغات فيها كل مكونات التعبير عن القضايا الشائكة التي تشغله وبخلق حركة علاقات بين مكونات العمل للوصول إلى حالة نهوض تسير نحو النضوج التام، نحوإضمحلال القاعدة في إلتقاط واجهات الضياع، بل يبتدع قاعدة قد تكون جديدة في المشهد التشكيلي الكردي، قاعدة الحركة الدافعة من داخل العمل ذاته كمفهوم للإقتراب من المجاراة لا من الإنقسام.

فهو يؤكد عبر معادله الموضوعي شرطه الجمالي للوصول لمعادل إبداعي به سيحاكي ملامح المرحلة بعوامل ستكون هي أيضاً من ضمن دائرة تحولاته، تلك التحولات التي ستتوازن في مجمل أعماله، وهو بذلك يسعى إلى تشكيل خطاب جمالي تشكيلي مقياسها الأهم هو البحث عن بؤر فيها سيغدو نحو تحقيق وظيفة فنية مع تعزيزها، وذلك بالإنتقال إلى وضع قلبه على نضج الوجع وضمن شروط غير مستعارة، وبعيداً عن القوالب الجاهزة، فكل عمل من أعماله هو مشروع لأصوات ستشغل خطابه بالدم الحار، مع تمازجه بتلك السجالات الكثيرة القائمة بين ألوانه القليلة نسبياً حيث يعتمد كثيراً على الأبيض والأسود مع زخات قليلة من الأحمر هنا أو هناك فهذه هي ألوان المرحلة والتي بها سيقول الكثير، ويعتبر سيتار من أكثر المتحمسين لتوكيد أطروحة الغياب مع الإقتراب من الوجع بكل ملامحه وتفاصيله دون أن يضحي بأي جانب من مقاييسه الفنية والتي قد يسيء إلى تجربته، فهو يهيء المفاهيم الجمالية بمرورياته الكثيرة والمتفرقة والتي بها يقارب ظاهرة ثقافية من زاوية تخصه أولاً كما تخص المتلقي ثانياً، فهو يفسر ظواهر تنتمي إلى حقله الجمالي وكذلك هي إستمرار التوكيد على حركيّة الواقع عبر سعيه إلى مقياس متغير، وهذا ما يجسده في أعماله وبوعي داخلي ذاتي يقظ قد تكون هي ذاتها من سمات تجربته التي سيفضي بها إلى محاكاة كل مستلزمات المجاورة، وعلى قاعدة الإقتراب من البؤرة الأهم عبر تعرفه بشكل أو بآخر على خصائص تحوّل تجربته وعلى نحو أخص الإرتكاز المذهل على الجانب المختلف في تقطيع البنية وبعثرة الأشكال بصورة إستثنائية في فلك العمل، مدفوعاً بضغط عملية البحث عن مشاهدات تكاد تكون إدانة للهذيان المقيم في المكان..

فلا سبيل أمام سيتار إلا خلق ممر لائق ومتوهج وبإظهار حالة من الصيرورة دون أن يعد بشيء من الخصومة، بل ينتج سحابة فيها كل مفردات الخصوبة وإن كان يهيمن على طروحات فيها من التنافس ما يجعله يبدع في منجزه بوصفه عالماً متخيلاً يأخذ على عاتقه في ترجمته.