ذلك الأجنبي الذي سيُنسى

الإسلام بالنسبة للسويدي العادي هو بن لادن والقاعدة وداعش وقطع الرؤوس وطالبان وقمع المرأة. المؤسسات التي مولتها إيران والسعودية لم تعمل على تحسين صورة الإسلام ومحو صورة الإرهابي.

أعربت الحكومة السويدية عن تفهمها من أن الأعمال التي يرتكبها البعض في التظاهرات "يمكن أن تسيء إلى المسلمين"، مذكرة أن تلك الأعمال لا تمثل رأي الحكومة السويدية. غير أنها في الوقت نفسه أكدت على أن حرية التظاهر والتجمع والتعبير هي حق محمي دستوريا في السويد.

ماذا يعني ذلك؟

يعني أن الحكومة السويدية تنأى بنفسها عن أفعال معادية للمسلمين تقوم شرطتها بحماية مرتكبيها. وهي هنا تفصل بين الموقف الرسمي الذي يدعو إلى عدم تسيس مسألة حرق نسخ من المصحف الشريف والموقف القانوني الذي لا تملك الحكومة سوى الإذعان له بسبب استقلال سلطة القضاء التي لم يكن لها موقف سلبي من الظاهرة.

حين تبرئ الحكومة السويدية مؤسساتها مما يحصل على أراضيها من أعمال تسيء إلى ديانة ثاني المجموعات البشرية المقيمة على أرض السويد ولن نذهب إلى أكثر من مليار مسلم يقيمون خارجها فإنها تترك كل شيء سائبا في رعاية قانون يضع المسلمين في مكان يمكن التطاول عليه بقوة حرية التعبير فيما تُعتبر الأفعال نفسها لو مورست ضد اليهود عملا عدوانيا يعاقب عليه القضاء باعتباره نوعا من المعاداة للسامية.

هناك قدر هائل من التمييز لا تقع أسبابه على عاتق المؤسسة السياسية والقضائية السويدية وحدها، بل وأيضا على عاتق المؤسسات والمنظمات الدينية والثقافية والاجتماعية العاملة في السويد بإدارة مواطنين مسلمين يحملون الجنسية السويدية. تلك مؤسسات مغلقة على نفسها وغير منفتحة على المجتمع السويدي، بل أنها تمنع المنتمين إليها من التعامل مع أفراد ذلك المجتمع.

وبالرغم من أن تلك المؤسسات تحصل على الدعم من الحكومة السويدية غير أنها لا تعمل على تشجيع أفرادها على الاندماج بالمجتمع السويدي في سياق تنوع علماني لا يسيء طرف فيه فهم مقاصد طرف آخر، بل يوسع من معرفته. فالإسلام بالرغم من مضي أكثر من خمسين سنة على هجرة أول المسلمين إلى السويد لا يزال غامضا بالنسبة للإنسان العادي هناك.

الإسلام بالنسبة للسويدي العادي هو بن لادن والقاعدة وداعش وقطع الرؤوس وطالبان وقمع المرأة. لم تعمل المؤسسات التي سبق لإيران والسعودية أن أنفقتا عليها عشرات الملايين من الدولارات على تحسين صورة الإسلام ومحو صورة الارهابي التي صارت عنوانا للمسلم اينما حل في أوروبا. لقد كرست تلك المؤسسات حجاب المرأة عنوانا للتمييز ولم يكن الهدف منه دينيا. وبسبب سلوك تلك المؤسسات لم يعد المسلمون مواطنين أسوياء. فهم يمارسون العنصرية من غير أن يدركوا بعد أن صار الآخر كافرا.

أسوأ ما فعله مسلمو السويد أنهم وضعوا أوراقهم الانتخابية في سلة الأحزاب اليمينية التي تدعو علانية إلى طردهم من السويد. ما سر تلك العقدة التي استفاد منها النازيون الجدد؟ لم تثقف المؤسسة الدينية أفرادها على أساليب العمل السياسي في بلد ديمقراطي كالسويد. لذلك وهب الكثيرون أصواتهم لليمين كراهية باليسار الذي ظنوه شيوعيا اما الشيوعيون العراقيون فإنهم لا يذهبون إلى مراكز الاقتراع اما كسلا أو نكاية باليسار الذي هو ليس شيوعيا.

"من أنتم؟ هل أنتم مسلمون أم سويديون؟"

لا أحد من المعنيين يجيب على ذلك السؤال الذي لم يشعر الكثيرون بأهميته. لو أن أحدا أجاب عليه لما لجأ شخص تافه مثل موميكا إلى القيام باستعراضه الفج في حرق صفحات من المصحف وهو يخطط لإثارة زوبعة من العواصف. كان في إمكان أي شخص مريض مثله أن يهز مشاعر المسلمين التي لم يضعوها في سياق متوازن لا تتناقض فيه عقيدتهم مع وطنيتهم انطلاقا من كونهم سويديين مسلمين.

يخطئ من يظن أن خطاب الرجل القادم من بلدة بعشيقة التي تقع شمال العراق كان موجها إلى العالم الإسلامي. إنه خطاب موجه إلى مسلمي السويد الذين يرغب حزب ديمقراطيي السويد في استفزازهم من أجل دفعهم إلى ارتكاب حماقات، تُزيد من عزلتهم. ولا أظن أن حملات الاستنكار الخارجية ستنفع في الحد من تظاهرات الكراهية التي تهدف إلى عزل مسلمي السويد عن المجتمع.

من المؤكد أن دولة السويد لا تعادي مواطنيها المسلمين. غير أن ذلك لا يمنع من ظهور من يدعو إلى طرد المسلمين وليست مفاجأة أن يُستعمل ذلك الأجنبي واجهة لمشروع، تأخر المسلمون كثيرا في التصدي له لأنهم أصلا لم يكونوا معنيين به. لقد آن لمسلمي السويد أن يفكروا في مواطنتهم بطريقة إيجابية.