صوت رصاصة لن يسمعها اللبناني لأنها رصاصة موته
حين يسمع اللبناني عبارة "التاريخ يعيد نفسه" يضع يده على قلبه.
ما حدث في قرية الكحالة قرب بيروت ينذر بشر، لم يعد اللبنانيون قادرين على النظر في وجهه لا مقاومته.
لبنانيو اليوم هم ليسوا لبنانيي عام 1975.
في الماضي مرت عربة الفلسطينيين الشهيرة بـ"البوسطة" بالقرب من مركز لحزب الكتائب كان يشهد احتفالا فبدأت الحرب الأهلية.
تلك الحرب التي استمرت 15 عاما أخذت ما أخذت من أرواح ومشاعر وافكار وتصورات وأساليب حياة كان اللبنانيون يباهون بها العرب. من سويسرا الشرق الأوسط إلى فينيقيا سعيد عقل مرورا بالحريات التي كانت عنوانا لازدهار فكري وحضاري.
حين أنهكت الحرب أبناء البلد ولفظت ضيوفهم المسلحين إلى البحر كانت بيروت قد مرت بأسوأ أحوالها. احتلال إسرائيلي فتح الباب على مجازر اُرتكبت في حق الضعفاء من الفلسطينيين في ظل غياب الشرعية التي حين عادت كان يجري وضعها دائما بين قوسين.
فالحرب التي هزمت كل أطرافها ولقنتهم درسا لن ينسوه حين كشفت عن عوراتهم كانت قد أنتجت حزب الله الذي هو عبارة عن ميليشيا تحمل السلاح خارج القانون ولا تُخفي ارتباطها بجمهورية إيران الإسلامية.
حدث زلزال عظيم أصاب الثوابت كلها بخرابه.
لم تعد الوطنية مقياسا يُعتد به. لذلك لم تعد مرجعية اللبناني وهو يقاتل وطنية. صارت الخيانة نوعا من الاختلاف العقائدي. فحزب الله الذي احتكر مع حركة أمل تمثيل شيعة لبنان الذين يعتبرون كتلة بشرية هي الأكثر عددا وفقرا لا يعتد بانتمائه إلى لبنان ومن خلاله إلى العروبة. هو مجرد جيب فارسي في لبنان.
في قرية الكحالة انقلبت شاحنة محملة بالسلاح تابعة لحزب الله. بعد ذلك شهدت القرية تبادلا لإطلاق النار بين سكانها المسيحيين وأعضاء من حزب الله. قبل سنتين حدثت اشتباكات مشابهة في بيروت.
ليس في وارد حزب القوات اللبنانية الذي يدعو إلى نزع سلاح حزب الله أن تتسع الاشتباكات، ولكن جرس الكنيسة الذي كان يدق طوال الليل ربما يقول شيئا آخر. وهو ما يعني أن الخطر بات على الأبواب. شعور المسيحيين في قراهم بالخطر الذي يمثله سلاح الله هو واحدة من أهم حقائق لبنان الذي لم يُعلن إفلاسه حتى الآن لأنه ليس بلدا مفلسا. شعبه مفلس. وليس ذلك إلا مؤشرا على تعاظم منسوب الفساد. يمكن القول إن الأوضاع في الحضيض.
دأبت الطبقة السياسية على التهديد بقرب وقوع الحرب الاهلية. ذلك سلاح لسرقة الوقت. ولكن حسن نصرالله لا يلعب في ذلك. صرح الرجل من غير مناسبة أن لديه أكثر من مئة ألف مقاتل، كلهم يؤمنون بشريعة ومبدا الولي الفقيه. لم يكن يفكر في الحرب الأهلية بقدر ما كان يؤسس لهيمنة إيرانية طويلة الأمد عن طريق السلاح.
سلاح حزب الله لا يشكل خطرا على حياة اللبنانيين فقط بل هو أيضا يهدد مصير لبنان، دولة مستقلة ذات سيادة. لبنان اليوم في أسوأ أحواله، محليا وعربيا ودوليا. لقد سُرقت أموال المودعين في مصارفه ولم تعد الدول العربية التي كانت تدعمه تثق بنظامه السياسي كما أن العالم لا يجد جهة تمثله يتعامل معها.
يوم وقع انفجار مرفأ بيروت المأساوي زار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت واجتمع بأفراد من الطبقة السياسية. ذلك ما سخر منه حسن نصرالله حين قال ما معناه "إنه يعرف الطريق إلى الضاحية الجنوبية" وهو يقصد أن الحل يكمن في التفاوض مع حزب الله الذي كان السبب في حدوث الانفجار فهو صاحب السفينة التي تحمل نترات الأمونيا التي انفجرت. كان ذلك اعترافا علنيا لم يتعامل معه العالم بجدية، لأنه لا يريد أن يخسر جزءا من صراعه مع إيران.
سلاح حزب الله هو سلاح إيران. بين حين وآخر تقوم إسرائيل بقصف قواعد صاروخية ومخازن سلاح في سوريا تابعة لحزب الله وهي تعلن أنها ضربت معسكرات إيرانية. إيران من جهتها لا تكذب الخبر حين تعلن عن مقتل عدد من ضباطها. غير أنها حرب لا نهاية لها يدفع اللبنانيون فيها ثمنها باهظا.
أخذت الحرب الأهلية كل ما لدى اللبناني من ثقة بالنفس وأمل في أن يكون لبنان رائدا في الحرية والترف والرخاء ولم تبق إلا مواطنا خائفا يتلفت ولا ينتظر إلا صوت رصاصة لن يسمعها فهي رصاصة موته.